اتخذ الإسلام الإنسان هدفا.. وعمل على تكوينه تكوينا كاملا، ليصنع منه مواطنا صالحا لدولة رائدة، رسالتها اعمار الأرض وإقامة العدل. وركز الإسلام على تعليم الإنسان لتسليح عقله بكليات الحقائق الكبرى التي يتألف منها الوجود، فعرف من خلال العلم الخير والعوامل المحفزة عليه والشر والعوامل المحفزة عليه، وعرف حقيقة الصراع الأبدي القائم بين الخير والشر. وأدرك محورية الإنسان في هذا الصراع ودوره البارز في إرجاح إحدى الكفتين وما ينجم عن ذلك من إصلاح الأرض إذا استقامت سبيل الخير ورست قواعده واستقام نهجه.. وما ينجم عن ذلك من فساد الأرض إذا استحكمت قواعد الشر ورست دعائمها.
وجلي واضح أن العلم الذي يجعل من الإنسان مواطنا صالحا لدولة رسالتها إعمار الأرض وإقامة العدل، هو العلم الذي جاء به رسل الله.. ذاك العلم هو وحده الذي يبني الإنسان بناء كاملا يكتنف العقل والنفس والجسم. من هذا العلم يتعلم الإنسان أسلوب التفكير والعمل اللذين بهما يتجنب بواعث الشر ويعرف طرق الخير، مستبينا ذلك بالمبادئ والدلائل والبراهين اليقينية التي أنزلها الله رحمة ورأفة بعباده على ألسنة رسله عليهم صلوات الله وسلامه. والإنسان بدون هذا العلم لا يستطيع أن يفعل شيئا مفيدا على الإطلاق بسبب ظلامية ذهنه لبعده وانفصاله عن الاستنارة الو حيية، فهو بدون الوحي عاجز عن الاهتداء إلى الطريق الصحيح لإعمار الأرض وإقامة العدل عليها. وهذه هي مهمة الاستخلاف أصلا.. استخلف الإنسان في الأرض ليعمرها ويحقق العدل عليها.. وخلق أصلا ليعبد الله ولا يشرك به شيئا. هذه القاعدة.. أعني قاعدة تعلم الإنسان العلم الصحيح وتربيته وتهذيبه على منهج الوحي لم تعد تمارس على الوجه الصحيح.. لذلك عاشت البشرية ضياعا واسع النطاق انعكس سلبا على حياة الأفراد والجماعات، فاستحالت حياتهم إلى سلسلة من الإجرام والتآمر والوقيعة والتربص والتحين إلى غير ذلك من الاقترافات التي أصلت الأمم والشعوب نارا لا تبقي ولا تذر لقرون طويلة.. ومازالت تصليها الآن. كل ذلك حصل نتيجة تراجع الناس عن نصوص الوحي. الوحي هو الوسيلة الوحيدة المثلى لإصلاح الإنسان.. منه يتعلم المفاهيم السامية.. منه يتعلم الإيمان فيأمن من الضلال والعمه.. ومنه يتعلم الصبر فيكسب القوة فلا يعتريه الضعف الذي هو علة الخذلان والانهيار. ومنه يتعلم الصدق فيصان حديثه عن الكذب.. ويتعلم الأمانة فيصبح مؤتمنا على ما يؤمن لديه. ويتعلم الإخلاص، فيخلص في أعماله ويخلص لإخوانه وخلانه ويتعلم طريق الخير فيسعى إليه، وطريق الشر فيصدف عنها وبتباعد…
العلم الإلهي هو الذي يبني الإنسان بناء سليما. يعلمه ما يسمو به إلى مستوى المسؤولية.. وبدونه ينحدر إلى أسفل السافلين. الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإنسان.. وهو العليم بحاله وما يصلحه لدنياه ولأخراه.. أرسل إليه الرسل وأمره أن يتعلم منهم المنهج الذي اختاره الخالق لعباده ليكونوا صالحين مستنيرين.. المنهج الذي به تزكو نفوسهم وتكتمل خصالهم وتطهر سرائرهم فيكونون خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله. هذا المنهج هو الملجأ الوحيد أمام البشرية لتخرج من الجحيم الذي تردت فيه بسبب انصرافها عن الوحي.
ما من وسيلة أخرى مما يحاولون الاستعانة به يمكن أن تخرجهم من أتون هذه الحياة الجهنمية التي تأكلهم بضراوة منقطعة النظير. يمكننا في هذا الاتجاه أن ننظر بتأمل إلى ما بين أيدينا من شأن هذه الحياة. ننظر إلى الذين نتعامل معهم لنرى إلى كم نتحفظ منهم في التعامل.. إننا نخاف منهم على مصالحنا.. ويستوطننا الشك بخصوصهم إذا ما أبرمنا معهم أمرا.. وشكنا في محله لأن القاعدة السارية هي الحنث والخلف، والأمانة والصدق هما الاستثناء وما نحسه تجاههم، هم- حتما- يحسونه اتجاهنا.. وانظر إلى أبنائك من يقوم بتربيتهم؟ أأنت تقوم بذلك، أم أن زملاءهم، والتلفاز هما من يقومان عنك بذلك الواجب. استمع إلى ثقافة المجتمع التي يستهلكها يوميا، واستمع إلى الصور البشعة المتناقلة من هنا وهناك، إنك ستحس بالامتعاض مما تسمع ولسوف يخامرك اليأس من إصلاح قوم انحدروا على ذلك البعد السحيق.. ثم تذكر أكان الوضع سينحدر إلى هذا الدرك لو أن الناس ربوا أبناءهم على منهج الوحي.. كلا.. كلا ما كان الوضع ليصل إلى هذا الانحطاط لو لم يطلق الناس الوحي ويتراجعوا عنه. والآن وقد بلغ السيل الزبى واعتورت الجوائح والأوصاب المجتمع البشري من أقصى الأرض إلى أدناها، فلا مندوحة عن الأخذ بالتربية الإسلامية، إن اتخاذ الأطفال حقلا لتجارب تربوية على المنهج الإسلامي هو حبل الإنقاذ الذي ليس عنه من بديل.
إن العمل لخير الناس.. كان ولا يزال أحد الأهداف العظيمة للإسلام.. قال تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} والمعنى كونوا جميعا أمة مهمتها الأولى الدعوة إلى الخير. والدعوة إلى الخير هي الدعوة إلى الحق والحق هو الإسلام، وغيره هو الباطل. وعلى رأس الدعوة إلى الإسلام تعليم الأجيال الناشئة تعاليم هذا الدين الشامل الكريم، وتربيتها عليه تربية أصيلة تعتمد تحفيظ القرآن الكريم وتدريسه وشرحه وتعليم السنة الصحيحة وتدريسها وتلقين النشء المفاهيم العظيمة التي اشتمل عليها الكتاب والسنة، وهي المفاهيم التي من شأنها أن تخلق من الإنسان شخصا أنموذجيا فذا في كل شيء. تصور عظمة وقوة وسمو فرد لا يكذب أبدا.. ولا يخون أبدا.. ولا يظلم أبدا.. ولا يعصي في معروف.. لا يأتي شيئا مما يأتيه الناس في هذا الزمان من الأعمال والأنشطة السيئة.. ألا ما أسعد مجتمع أبناءه من هذا الطراز!
إننا نطمع أن تكون الأجيال القادمة على هذا المستوى أو يكون معظمها على ذلك النحو. أو ليست هذه مهمة الآباء والأمهات؟ أو لا يحبون أن يكون أبناءهم وبناتهم مصابيح الهدى وقمم الفضل ومروج الخير في كل عصر؟
إن الأجيال الصاعدة إذا ما أعدت إعدادا طيبا وعلمت العلم الطيب والسلوك الطيب، كانت بمثابة البذور الجيدة والأمطار المباركة التي تهطل على الأرض فتربو وتنبت من كل زوج كريم.
وإذا تركت للجهالة والغي، كانت أبخرة سامة وحقول جراثيم لا شغل لها إلا أكل الأخضر واليابس وصناعة الأذى حيثما حلت وحيثما ارتحلت. أبعدنا الله وأبعد بلادنا عن الشر..
تربية سليمة تنتج أجيالا طيبة.
الموضوع السابق
حزب الاتحاد من اجل الجمهورية يختتم اشغال مؤتمره الاول بانتخاب مكتبه التنفيذي وهيئاته الحزبية
الموضوع الموالي