AMI

نحن … ومصادر الثقافة العربية

الشيخ ولد سيدي عبد الله

لقد حاول العديد من الباحثين الموريتانيين، إثبات ريادة الشعر الموريتاني للاتجاه الكلاسيكي، ذلك الاتجاه الذي تم عقد لوائه للشعر المشرقي، ممثلا في البارودي وشوقي وحافظ وأقرانهم.
واستند باحثونا إلى عدة معطيات، من أبرزها المعطى الزمني، والذي يرمي إلى النظر في أعمار الشعراء، ومن ثم إسناد الريادة للأكبر سنا.
فيرى الدكتور جمال ولد الحسن رحمه الله، أن محمد بن الطلبة اليعقوبي ولد سنة 1774 م أي قبل ميلاد البارودي بأربع وستين سنة، وتوفي سنة 1856 م والبارودي ابن ثماني عشرة سنة، وذلك قبل ميلاد شوقي بثلاث عشرة سنة. (المنارة والرباط – 287)
وهو بهذه المقارنة العمرية، يحاول إثبات ريادة ولد الطلبة للمدرسة الإحيائية، في الشعر العربي.
وغير بعيد من هذه الرؤية، يرى الأستاذ سيدي أحمد ولد الدي، أنه ليس من المستبعد أن يكون شعراء التقليد المصريين، قد اطلعوا على كتاب (الوسيط في تراجم أدباء شنقيط)، مما ساهم في ظهور المعارضات الشعرية في نتاجهم.
والحق أن هناك تناصا كبيرا، بين بعض أشعار أحمد شوقي، وبعض الأشعار الشنقيطية، وخصوصا الشاعر محمد بن أحمد يوره، ومن ذلك قول شوقي من قصيدة (زحلة) :
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيناي في لغة الهوى عيناك
فيما يقول ولد أحمد يوره :
وآلت بنا الأحوال آخر وقفة إلى كلمات ما لهن وقوف
إلا أن محاولات إثبات ريادة الشناقطة للقصيدة الإحيائية، في الشعر العربي، لم تقتصر على الباحثين الموريتانيين فحسب، وإنما ساهم فيها مؤرخون وكتاب عرب ومستشرقون، وكانوا بذلك يؤكدون أن هناك تصامما مقصودا اتجاه الحركة الأدبية في هذه البلاد، لا تُعرف أسبابه لحد الساعة .
وفي محاولة لرسم ملامح القصيدة الكلاسيكية العربية، واعتبارها عودة عمياء لتمثل التراث العربي، يقول محمد الأسعد نقلا عن المستشرق الروسي اغناطيوس كراتشكوفسكي من كتابه (دراسات في تاريخ الأدب العربي) – مترجم – دار علم – موسكو 1965 – ص 12 :
“وحتى في العشرينات، لم يكن نادرا أن تسمع في مؤتمرات المستشرقين الدولية، التي تعقد في أوروبا، كيف أن مندوب مصر، وهو عادة موظف بارز، يصف في قصيدته التي يقولها تحية للمؤتمر، خروجه من القاهرة، فيذرف الدمع على الآثار، ثم ينطلق على ناقته السريعة في الصحراء الخطرة، ليصل إلى (فيينا) أو (استوكهولم)، ويمدح صاحب السلطان فيها” . (محمد الأسعد – بحثا عن الحداثة– ص 9).
ونحن نعتقد أن كراتشكوفسكي، يعني العلامة محمد محمود بن التلاميد، الذي شارك في ذلك المؤتمر، بطلب من ملك السويد، وجهه لصاحب مصر، يطلب فيه مشاركة ولد التلاميد (شخصيا)، بقصيدة اشترط فيها أن تكون ذات بناء قديم، يحاكي بناء القصيدة العربية القديمة .
رغم أن بعض المصادر، تذكر أن ولد التلاميد لم يشارك في المؤتمر، لأسباب شرطية خاصة به، إلا أنه كتب القصيدة فعلا، وتمكن العودة إلى القصة كاملة في مصادر حياة الرجل .
أما الدكتور عباس الجراري فيقول : ” ثم تأتي المبادرة من شعراء الصحراء، في حركة إحياء القديم، سابقة على حركة البعث في مصر، وقد برز فيها شعراء كثيرون، عرفهم الجنوب المغربي والقطر الموريتاني، خلال القرن الماضي” (الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه – ج1 – 181).
وهو يعني القرن التاسع عشر الميلادي، وهو القرن الذي شهد ازدهار السوق الشعرية في بلاد شنقيط، كما شهد حركة لافتة، في كل المناحي الثقافية والفكرية الأخرى .
تنضاف إلى هذه الآراء، تلك الشهادات النقدية الكثيرة، عن المستوى الفني الرفيع للقصيدة الشنقيطية، والتي تشي بأن أصحابها جَذِلُونَ باكتشاف تجربة فريدة في الشعر العربي الحديث، بعد تخبط طويل في براثن الانحطاط والضعف .
بيد أن ما تحتاجه التجربة الشعرية الموريتانية الآن، ليس إثبات ريادتها لنهضة القصيدة العربية، وإنما دراستها من الداخل، وإثبات عناصرها التجديدية، المتمثلة في شكل النص ومضمونه.
ثم كيف كان النقد الشنقيطي مسايرا لتلك الحركة، وبذلك نميط اللثام عن تجارب نقدية متطورة، غير التي درجنا على أنها النموذج الوحيد للتنظير النقدي عند القوم، وهي (المربي على صلاة ربي لليدالي)، و (عمدة الأديب للكمليلي).

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد