AMI

الحوار وعملية التنمية بقلم: أحمد بن مولاي محمد a.moulaye.md@gmail.com

رغم أن “اتفاق داكار” لم ينص حرفيا على وجوب تشكيل حكومة وحدة وطنية ولا على شراكة سياسية إلزامية بين الفرقاء السياسيين لما بعد الانتخابات التوافقية، كما أنه لم يحسم بعض القضايا الخلافية التي لا يجوز تناولها خارج البيت الموريتاني لحساسيتها وخصوصيتها في آن واحد، إلا أن إطلاق حوار متوازن وهادئ ومسؤول سيعتبر انطلاقة جديدة وخلاصا من حالات الشد والتوتر القائمة بين المعارضة والأغلبية رغم الاختلاف في تفسير جوهرها وأسبابها الحقيقية، حيث تؤولها أطراف في الأغلبية على أنها ردة فعل من المعارضة على “النتائج القاسية” التي تحصلت عليها في الانتخابات الرئاسية المنصرمة، بينما تُرجعها المعارضة إلى “تنكر الأغلبية الحاكمة لمضمون وروح اتفاق داكار” الذي أنهى حالة سياسية استثنائية عرفتها البلاد ما قبل انتخابات يوليو الماضي.
ولأن الحوار الجاد والبنّاء كفيل غالبا بحل كافة الإشكالات وتذليل مختلف العقبات والقضايا الخلافية المؤجلة، أيا كانت طبيعتها، فإنه من الضروري إطلاق حوار من هذا القبيل بين الفرقاء السياسيين الوطنيين يتناول مختلف الإشكالات وعوائق التلاقي بين الأغلبية والمعارضة، بعيدا عن الاشتراطات المسبقة التي تعيق انطلاق الحوار والتواصل بين هؤلاء الفاعلين السياسيين.
إن ما تحتاجه موريتانيا اليوم هو التوافق والانسجام سبيلا للانطلاق في عملية بناء وطنية شاملة بتناغم يتناسب ونضج الشعب الموريتاني وتطلعاته في الرقي والرفاهية التي يحق له أن يتمتع بهما، خاصة وأن لديه من الإمكانات والموارد ما يؤهله لذلك إذا تضافرت الجهود للتنمية والبناء وتفرغ أصحاب الهمم لتشييد دولة عصرية مبنية على القانون والمؤسسات.
إن احتياجاتنا الأساسية اليوم – كمواطنين موريتانيين – هي لبناء موريتانيا دولة حديثة بكل المقاييس، وتوفير الرخاء عبر تعميم المرافق الصحية والتعليمية وتشييد المنشآت الضرورية، وتوفير أسباب الرخاء والرفاه المختلفة مادية ومعنوية، ولسنا بحاجة، قطعا، إلى مناتفات سياسية لا أول لها ولا آخر، لأنها في جميع الأحوال تعيق سير قطار التنمية ولا تترك لنا مجالا للتقدم خطوة نحو الأمام.
إن على الأغلبية أن تدرك أهمية دعوتها للحوار على أن لا تتضمن اشتراطا مسبقا، تماما كما على المعارضة قبول دعوة الحوار دون اشتراطات، وحين يلتقي الطرفان فكل شيء قابل لأن يطرح على طاولة الحوار إذا كان الهدف من هذا الحوار فعلا هو تحقيق المصالح العليا لموريتانيا ولشعبها وليس الحصول على امتيازات ومكاسب شخصية آنية وأنانية.
وأعتقد أن كل الفرقاء مستعدون لمثل هذا الحوار الجاد، ولكن تنقصهم الخطوة الأولى التي ستذيب الجليد وتزيح الحاجز النفسي الذي يعيق عملية التلاقي المطلوبة، وإذا تمكنوا من الجلوس إلى طاولة حوار بالمواصفات آنفة الذكر فإن كافة الإشكالات المطروحة سيتم تجاوزها ليتفرغ الجميع لعملية البناء والتنمية بعيدا عن التصعيد السياسي الذي لا يخدم أي طرف على الإطلاق.
إن موريتانيا بحاجة إلى سواعد وجهود كافة أبنائها، كما هي بحاجة إلى إخلاصهم ووطنيتهم، وإذا استطعنا أن نتخلص من رواسب الماضي في التعاطي مع الشأن العام، وفي النظرة إلى الدولة وإلى المواطن ومفهوم الوطنية، مهما كانت مواقعنا وانتماءاتنا السياسية، فإننا سنخطو بذلك خطوات كبيرة في الاتجاه الصحيح بما يحقق أهدافنا الوطنية الكبرى وفي مقدمتها تكريس مفهوم الدولة وسيادة القانون واحترام الثوابت الوطنية والتفاني في خدمة هذا الوطن الذي لا نملك غيره، انطلاقا من مساهمتنا الجادة والمسؤولة في عملية التنمية الشاملة التي نتطلع جميعا إلى أن يكون لكل منا إسهامه الإيجابي فيها وأثره الملحوظ، وأن نتنافس على العطاء لهذا الشعب الذي يستحق علينا الكثير بعد طول عناء.
إن الدعوة للحوار ليست ضعفا، تماما كالقبول به، إنما الضعف والوهن هما الارتهان للأهواء وللحساسيات الضيقة التي تضر أكثر مما تنفع وتسيء لميزة السكينة وطابع الطمأنينة اللذين ميزا بلدنا وشعبنا عن غيرهما على مر العصور، ولا يجوز أن نقبل بما يسيء إلينا مهما كانت الدوافع والأسباب، خاصة وأننا أثبتنا في ظروف أصعب قدرتنا على احتواء اختلافاتنا بنضج غير مسبوق وبمسؤولية تامة، وعلينا فقط أن نحيي سنة التشاور خدمة لأهدافنا الوطنية الكبرى تجاوزا لكل ما يعيق عملية البناء والتنمية.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد