في المهرجان الشعبي الذي نظم مساء اليوم الجمعة في النعمة، دعا العقيد اعل ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية، رئيس الدولة المواطنين الي المشاركة بكثافة في التصويت على التعديلات الدستورية المقترحة في الاستفتاء الشعبي المقرر يوم 25 يونيو المقبل. مبينا أن هذه التعديلات تكرس التناوب على السلطة وتمنع انزلاق البلاد في أتون الحرب الأهلية والانقلابات العسكرية.
وأكد رئيس الدولة في خطابه ان القوات المسلحة وقوات الامن قررت التغيير في الثالث أغسطس 2005 لإنقاذ البلاد من الورطة التي كانت تتخبط فيها مؤكدا أنها لم تأتي رغبة في السلطة ولا من اجل البقاء فيها.
وهذا نص خطاب رئيس الدولة:
“بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
أيها السادة أيتها السيدات،
أود في البداية أن أؤكد للسيد العمدة أن جميع المطالب التي وردت في كلمته ستتم دراستها بعناية وستبذل كل الجهود لتلبية ما أمكن منها في أسرع وقت ممكن بحول الله.
لقد جئت اليوم إلي مدينة النعمة لألتقي بالمواطنين فيها وأباشر الحديث معهم في قضيتين وطنيتين.
فبالنسبة للقضية الأولي اعتبر أنها أنجزت بنسبة خمسين بالمائة.
فمن خلال تواجدكم اليوم بهذا الكم ومن خلال قراءة الشعارات واللافتات، نجد أن كل الموريتانيين اليوم وايا كان انتماؤهم الحزبي او القبلي وبجميع فئاتهم وبمختلف مشاربهم يستقبلون اليوم رئيس الدولة معا وفي جو من التآخي والهدوء والانسجام.
وهذا في حد ذاته يعتبر أول المكاسب التي تم تحقيقها منذ تغيير الثالث اغسطس 2005.
لقد كنا قبل هذا التغيير في وضعية مزرية فكنا أشبه ما نكون بجماعة من الصم ، كل منا يسلك طريقا وحده، وله حزبه الخاص به، لا نتحاور ولا نتشاور، أما اليوم فقد أصبحنا في وضعية سياسية جديدة تمكننا من التواصل والتشاور، وهذا نعتبره مكسبا من أهم المكاسب بالنسبة لمستقبلنا.
وبالنسبة للقضية الثانية الأساسية والتي من اجلها جئت اليوم هي المشروع السياسي الذي تم عرضه عليكم ومن أساسياته الدستور الذي نستعد للاستفتاء عليه في ظرف شهر ونصف.
فما هي اذن أهمية الدستور بالنسبة لنا ولمستقبلنا؟
أشير في البداية إلي انه تم اقتراح إدخال تعديلات علي ثلاث مواد من هذا الدستور.
ويتعلق التعديل الأول بفترة انتداب رئيس الجمهورية وبحيث لا يمكن انتخابه أكثر من مرتين، فترة كل منهما خمس سنوات.
أما ثاني هذه التعديلات فيخص إدخال إجراءات قانونية يمنع بموجبها أي رئيس من تعديل أو تغيير هذه الترتيبات الخاصة بانتداب رئيس الجمهورية.
والتعديل الثالث يخص المادة 104 التي تعتبر غير دستورية وتمس بمصداقية الدستور الأمر الذي ينطوي علي مخاطر تؤثر علي قوانين البلاد.
واذا ما عدنا إلي أهمية هذه التعديلات بالنسبة لوطننا، نجد أن تمديد فترة انتداب رئيس الجمهورية بمأموريتين(خمس سنوات لكل منهما) يقطع الطريق أمام التمسك بالسلطة بل والتفكير في توريثها.
ومن الطبيعي أن من استمر في الحكم لفترة طويلة( 18 او 25 سنة او اكثرمثلا) يعطي لنفسه الحق في التصرف كيف شاء ومتي شاء يتلاعب بمصالح الشعب وخيرات البلد دون محاسبة. وبعد انقضاء هذه الفترة يصبح من الصعب إصلاح ما فسد ولن يبق أمامنا آنذاك سوي الحسرة والندم.
فالاستمرار في هذا الاتجاه يجعلنا نبقي دائما في دوامة احتكار السلطة ويدخلنا في ورطة سياسية يستحيل الخروج منها.
ان حصر فترة الانتداب الرئاسية في خمس سنوات يولد الإحساس لدى من سيحكمون بأنهم سيكونون عرضة لمساءلة من ستؤول اليه السلطة من بعدهم في حالة حدوث أي تلاعب او تفريط في شؤون البلاد.
ان التناوب علي السلطة ظاهرة صحية لايستغني عنها نظام الحكم في أي بلد كان.
اننا بوجه خاص بحاجة إلي التداول السلمي للسلطة بحكم العقلية التي واجهنا بها نظام الحكم في الفترة الماضية والتي رسخت فينا التشبث الحكم.
ان أي حكم سياسي لابد أن يصحبه تذمر معين وكلما طالت فترته، تجذر هذا التذمر، وتتزايد النقمة مما قد يؤدي إلي انفجار لا يمكن التنبؤ بعواقبه.
ولتفادي مثل هذا الوضع تبرز ضرورة التناوب علي السلطة لامتصاص النقمة وبروز رؤية جديدة وتسهيل التعاطي مع المشكلات المطروحة بصورة مرنة.
وفضلا عن هذا يؤدي احتكار السلطة وإغلاق الباب أمام التناوب مع مرور الزمن إلي التعامل مع المشاكل التي من الطبيعي أن تطرح علي أي نظام بوصفها أمورا فردية محسوبة على الحاكم.
وهذا ما يخرج القضايا الوطنية عن إطارها الصحيح لتغدو حسب اعتقاد المتمسك بالسلطة قضايا موجهة ضد شخصه يحركها الطامعون في الحكم للنيل منه.
ومن مساوئ احتكار السلطة كذلك هيمنة نظام الحزب الواحد الذي يحول دون ظهور طبقة سياسية بديلة نظرا للممارسات القمعية التي يتبعها للقضاء علي من يخالفونه الرأي.
وفي ظل غياب الطبقة السياسية البديلة ينشأ فراغ سياسي يفتح المجال أمام ظهور فكرة “القائد الضرورة” و “القائد الملهم” وهو ما يؤدي في المحصلة النهائية إلي السقوط في أوحال الحروب الأهلية وأخطار الانقلابات العسكرية.
ومن شأن التناوب علي السلطة إزالة العوامل التي تؤدي إلي أزمات سياسية تنجم عنها انقلابات عسكرية أحيانا عشناها
نحن وحروبا أهلية – وقانا الله منها – عاشها الآخرون من حولنا، وبفقدان تلك العوامل تنتفي الأسباب التي قد تقود لمثل هذه النتائج.
هذه هي مجمل النقاط التي كنت أود توضيحها والتي يمكن أن تجنب البلاد الوقوع في المشاكل التي عرفناها والأزمات التي عرفتها بلدان أخري.
وقد جاءت التعديلات الدستورية الأخيرة لتكون صمام أمان من الانزلاق في هذه المتاهات.
ومن هنا فان الاستفتاء علي هذا الدستور بأكبر نسبة ممكنة يصبح واجبا علي الجميع، لأنه بدون إجازة هذا الدستور سنعود الي العهود القديمة التي تميزت بأنظمة سياسية شمولية وعهود استثنائية لم تلب طموحات شعبنا.
فاذا عدنا الي الوراء قليلا نجد ان اول تغيير للحكم منذ الاستقلال حصل بانقلاب عسكري بعد ثمانية عشر سنة من حكم الحزب الواحد.
وبين 1978 و 1984 وقعت خمس انقلابات. وفي سنة 1984 حصل انقلاب عسكري كرس حكما فرديا كان لابد من ازالته وتطلب تغييره بعد 21 سنة القيام بانقلاب جديد.
وهذه النظرة التاريخية تؤدي الي استنتاج ان هذا النوع من الانظمة السياسية التي عرفناها في الماضي لم يعد ملائما في القرن الواحد والعشرين، كما ان اساليب الوصول الي السلطة التي كانت مقبولة في الستينات والثمانينات لم تعد مستساغة اليوم بفعل التغيرات التي شهدها محيطنا الإقليمي والدولي.
وعليه فانه لابد من إيجاد آلية دستورية تضمن التداول السلمي للسلطة.
هذه الآلية المطلوبة بإلحاح هي التي يضمنها التعديل الدستوري المعروض أمامكم للاستفتاء عليه. فهذا الدستور سيضع حلا جذريا للازمة التي عرفها نظامنا السياسي مما يضمن خروج البلاد من المأزق الذي شهدته في الماضي,
وهذا يتطلب منكم جميعا فهما عميقا لأبعاد ومرامي هذا التغيير حتي لانعود الي الوراء.
وعليه اطلب منكم الإقبال بكثرة علي التصويت لصالح الدستور في 25 يونيو المقبل.
وأود ان أؤكد لكم أن القوات المسلحة وقوات الأمن حينما انتشلت البلاد من الوضع المزري الذي كانت تتخبط فيه كان هدفها الوحيد هو إصلاح الوضع السياسي خصوصا وأوضاع البلاد عموما في ظرف زمني محدد ستعود بعده الي ثكناتها.
وأؤكد مرة أخري أن هذا هو هدفها الوحيد ولا غرض لها في البقاء في السلطة.
وعلي صعيد آخر أود أن اتحدث امامكم عن قضية أثرتها في الأيام الماضية ، اعتبرها جوهرية بل هي شرط أي اصلاح سياسي او قانوني الا وهي قضية اصلاح الانسان الموريتاني من خلال تغيير عقليته.
اننا كلنا معنيون بهذا التغيير احزابا سياسية وهيئات مجتمع مدني ومواطنين فالكل معني بهذا الاصلاح الضروري والملح.
وان القوات المسلحة الوطنية وقوات الامن مصممة علي احداث هذا الاصلاح وهذا هو هدفها الذي جاءت من اجله وهي من اجل الجميع ولمصلحة الوطن ككل.
وايا كانت الشائعات ومحاولات تأويل الخطاب الاخير فسيظل هدفنا نبيل ولصالح كل المواطنين بلا استثناء.
واناشدكم الاقبال بكثرة علي التصويت علي هذا الدستور الضمان الوحيد لخروج البلاد من الورطة السياسية التي ظلت تعيشها.
وإنني اتوجه بالشكر لجميع الحاضرين سواء كانوا ممثلين لاحزاب سياسية اووجهاء اومواطنين عاديين.
واتمني لكم التوفيق والنجاح. “