AMI

خطاب رئيس الدولة أمام سكان مدينة ألاك

ترأس العقيد اعل ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية، رئيس الدولة مساء اليوم الأحد في ألاك مهرجانا شعبيا أكد في بدايته الفرح بالحشد الجماهيري الكبير وتنادي السكان من كل انحاء الولاية إلى مدينة ألاك لحضور هذا المهرجان .
وتناول العقيد رئيس الدولة في خطابه التغييرات التي عرفتها البلاد منذ الثالث أغسطس 2005، مبرزا أنها عبر الدستور الجديد، المقترح للاستفتاء في يونيو القادم، بصدد تحول جذري يعتبر في التحليل النهائي أمرا أساسيا ومصيريا بالنسبة للشعب الموريتاني ومستقبل بلده.
وأضاف رئيس الدولة أن الفرصة السياسية مواتية لان تكسب البلاد الرهان وانه يتعين على كل الموريتانيين اغتنامها بالتصويت للدستور والتعبير للعالم بأسره عبر ذلك عن قدرتهم وذكائهم وأهليتهم لولوج الديمقراطية الحقيقية من أوسع الأبواب .

وهذا نص خطاب رئيس الدولة أمام سكان مدينة ألاك:

“بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله

– السادة الوزراء

– السيد الوالي

– أيها السادة والسيدات

أود في البداية أن أعبر لكم عن مدي فرحتي بوجودكم المكثف اليوم معنا في مدينة ألاق، وأن أثمن حرصكم علي حضور هذا المهرجان، المحطة الثالثة من الجولة التي شملت ولايات غيدي ماغه وغورغول قبل لبراكنة، هذه الولايات التي تتمتع بمميزات أود الاشارة اليها هنا.

فولاية غيدى ماغه ترتبط بحدود مع دولتين صديقتين هما مالي و السينغال في حين ترتبط ولايتا غورغول ولبراكنة بحدود مع دولة السينغال.

لقد أشرت الى هذا لأشيد بالعلاقات المثالية التى تربط بلادنا وهتين الدولتين، سواء علي مستوى رئيسيهما: السيد تومانى تورى و السيد عبد الله واد، أو علي مستوى الحكومات، فنحن نعمل بكل جدية من أجل تطوير هذه العلاقات خدمة لمصالح بلداننا.

و فى هذا الصدد، أؤكد أننا لم ندخر أي جهد من أجل توطيد هذه العلاقات لقناعتنا الراسخة بأن تطويرها مسألة أساسية بالنسبة لبلادنا، كما أؤكد أننا سنستمر فى ذلك..

هذا ما أردت أن أشير إليه فى البداية قبل أن أتطرق إلى الهدف الأساسي من زيارتى، المتمثل فى الحديث إليكم حول أهمية ومضامين التعديلات الدستورية المقترحة.

و أود في البداية أن اشير الي أننا شهدنا مؤخرا تغييرا سياسيا عميقا، وأن التعديلات الدستورية المقترحة تشكل العمود الفقري للتطور السياسي لبلادنا، وهي تعديلات تضيف قضايا أعتبرها جوهرية بالنسبة لشعبنا ومستقبله السياسي.

وكما تعلمون عاشت بلادنا نظاما سياسيا معينا منذ استقلالها وحتي تغيير الثالث من أغسطس، وهو نظام كان مقبولا فى فترة الستينات والسبعينات والثمانينات، إلا أنه لم يعد مقبولا في القرن الواحد والعشرين وأصبح عاجزا عن الاستجابة للمشاكل المطروحة والتطلعات السياسية لشعبنا ومواكبة التطور الحاصل علي مستوي الساحة الدولية.

ولكن كيف ذلك؟

إن تتبع الوضعية السياسية للبلاد خلال الأعوام الأخيرة يوضح بجلاء أنه لم يحدث تغيير سياسي الا عن طريق انقلاب وليس من خلال عملية دستورية وقانونية.

وأريد أن أتناول هذه النقطة بشيء من التفصيل، لأنه بدون وعيها لن يكون بالامكان ادراك أسباب التعديلات الدستورية المقترحة.

لقد ولد آخر هذه الانقلابات وضعية جديدة من الانحراف السياسي باتت تهدد بلادنا بدخول مرحلة خطيرة مشابهة لتلك التي حدثت في دول أخري حين انجرت الي حروب أهلية مازلت تعيش ويلاتها ولا تدري متي ستخرج منها.

ولعل السبب فيما شهدته هذه البلدان من اقتتال داخلي يرجع الي كونها ظلت ترضخ تحت حكم واحد طيلة عشرين أو خمس وعشرين سنة أو أكثر من ذلك، تماما كما كان سائدا لدينا.

وحين يواصل شخص واحد الانفراد بالحكم طيلة هذه الفترة، فانه يبدأ فى تسيير الأمور وفقا لمزاجه، وبمنظور آحادي كما لوكانت أموره الشخصية،متصورا أنه لاتمكن مراقبته، وأنه عند ما يرغب فى التخلى عن السلطة يوليها لمن يختار.

وعندما يحصل التغيير نكتشف أن الخسارة التي لحقت بالبلاد طوال تلك الفترة كبيرة ولايمكن تعويضها.

ان مثل وضعية كهذه تؤدي بدون شك الي الاحتقان السياسي بما ينطوي عليه من عواقب وخيمة.

أما التناوب علي السلطة كما يقرذلك الدستور فى صيغته المقترحة، فانه يمنع ممارسة الحكم أكثر من خمس أو عشر سنوات ويفتح المجال أمام من سيأتي من بعد ليدقق فى جميع القضايا بطريقة لا تترك كبيرة ولا صغيرة الا أحصتها ومحصتها، ليعاقب في حال ما اذا اكتشف سوء تسيير أو خيانة وبذلك يتم تدارك الفساد وتلافي الموقف في الوقت المناسب.

وعلي خلاف ذلك فان الاستبداد بالسلطة كلما استمر كلما ربي في عقلية صاحبه نزعة شخصنة الامورلأنه لم يعد يري الأشياء الا من منظوره الخاص ويعتبر كل نظرة مغايرة تعني رفضه شخصيا وحينها ينسد الأفق أمام حل المشاكل لتتفاقم مع مرور الزمن حتي يصل الأمر حد الانزلاق.

وعند ما يحصل الانزلاق فان ذلك يؤدي بالبلاد الي دخول دوامة العنف والحروب الداخلية كما سبق أن بينت ذلك.

تلك هي الإيجابية الأولى للتناوب السلمي على السلطة.

أما الإيجابية الثانية ، فتتمثل فى تجنب النقمة التى تنجر عن ممارسة الحكم لفترات طويلة، ذلك أن أي ممارسة للسلطة من طرف فرد أو جماعة، لا بد وأن تثير بعض النقمة عليها، وبطول فترة ممارسة الحكم تتفاقم المشاكل وتتراكم الأحقاد، مما يؤدى إلى الانفلات ومن ثم الحروب الأهلية وعدم الاستقرار السياسي.

إن التناوب السلمي على السلطة لا يتأتى فى غياب وجود رجال سياسيين يشكلون بديلا حقيقيا، وهو ما لا يمكن حدوثه فى ظل الأنظمة الفردية، لأن أي شخص أراد أن يشكل بديلا للحاكم يتم قمعه بقسوة حتى تتبخر فرص بروزه كبديل.

إن هذا التعديل- إلى جانب ما تقدم من إيجابيات- يشكل ضمانة أساسية ضد أساليب تغيير السلطة بالقوة، فهو يتيح تغيير النظام بطريقة سلمية ودستورية، ويزيل دواعى اللجوء إلى التغيير بالقوة، وحين تزول تلك الدواعى والمبررات، تفقد هذه الأساليب أي شرعية أو مبرر أخلاقي أمام الرأي العام الوطني والدولي.

إن الخيار متوح اليوم أمامنا، فإما أن نكون من بين الشعوب المتحضرة القادرة على ضبط أمورها على أساس دستوري وقانوني، وإما أن نبقى فى دائرة الشعوب المتخلفة التى لا تستطيع ضبط شؤونها، ولا تتم التحولات فيها إلا بأساليب العنف والانقلابات والحروب الأهلية، وهي سياقات نستحق أفضل منها بكثير.

وهذا ما جعلنى أحرص على أن تدركوا، ويدرك الموريتانيون كلهم، أنه ما لم نستطع إيجاد نظام سياسي جديد على النحو الذى يقره التعديل الدستوري المقترح، فإننا نكون قد فوتنا فرصة سياسية ثمينة، وضياع الفرصة السياسية خسارة لا تعوض، ورجائي أن لا يفوت شعبنا هذه الفرصة، وأن نضبط أمورنا وفق الأسس المقترحة فى الدستور.

وهنا أطلب من الجميع التعامل مع هذا الأمر بجدية، وإدراك أن هذه قضية مصيرية لشعبنا ولمستقبل بلدنا، وما لم نتمكن من تحقيق هذا الهدف، فسندفع الثمن غاليا.

وأجدد الدعوة للجميع، شبابا وشيوخا، رجالا ونساء، مهما كانت مسؤولياتهم، وأيا تكن توجهاتهم، أو أماكن إقامتهم، أن يصوتوا بكثرة للتعديلات الدستورية المقترحة فى استفتاء الخامس والعشرين من شهر يوليو المقبل.

هذا ما أردت أن أقوله بشأن النقطة الأساسية التى استدعت وجودى معكم اليوم، والمتعلقة بالتعديلات الدستورية.

غير أن هنالك نقاطا أخرى أود أن أتحدث عنها.

إننا مقبلون على نظام سياسي ديمقراطي يوفر مساحة واسعة للحريات، نحاول أن يجد فيه المواطنون الموريتانيون أكبر قدر من الحرية، غير أن للحريات ثمنها، وضوابطها، ويجب أن نكون مستعدين لدفع هذا الثمن، واحترام تلك الضوابط، لنتجنب الفوضى والانزلاق إلى ما هو أسوأ من الأحكام الاستبدادية.

وفى هذا المجال لا وجود للكثير من الخيارات أمامنا، فإما الاستبداد، أو الفوضى، أو الديمقراطية المحكومة بضوابط القانون والوعي.

وهذا الخيار الأخير هو وحده الذى يناسبنا، فقد جربنا الاستبداد ولا نريد العودة إليه، ونرفض الفوضى لأننا ندرك مخاطرها، ومن ثم فليس أمامنا سوى خيار شعب ديمقراطي، يؤسس نظامه على التقيد بالقانون، والالتزام بضوابط الحريات، واحترام المبادئ الديمقراطية.

وأود أن يكون هذا واضحا ومفهوما من قبل الجميع، لأن أي تصرف آخر قد يعيدنا إلى الوراء، أو يسبب انفلات الأمور، وكلاهما أمر خطير، وإن كان الأخير أخطر من الأول.

إن المسؤولية الأولى فى هذا المجال، تقع على الشعب الموريتاني، لأنه وحده من يحدد الاتجاه الذى يسلكه، فباستطاعته أن يقبل الانسياق وراء من يختار طريق الاستبداد والفوضى، وباستطاعته أن يرفض ذلك ويختار طريق الحرية والديمقراطية، والمحدد الأساسي هنا هو وعي الشعب الموريتاني وإدراكه أن الخيار الديمقراطي هو وحده الأصلح لشعبنا وبلدنا.

ومن المؤسف أن البعض فقد الثقة فى نفسه، وفى وطنه وشعبه، واقتنع أنه غير قادر على تحقيق أي إنجاز فى بلده دون الاستناد على جهات أجنبية، يسلمها أمره لتحركه وتوجهه.

وأي إنسان اختار هذا المنهج، ووضع نفسه هذا الموضع، فليكن واثقا بأنه لن يقدم أي خدمة لشعبه أو بلده.

إننا- كباقى الشعوب- لدينا مشاكل ندركها ولن نتنكر لها، غير أننا يجب أن نتعاطى معها انطلاقا من أنها مشاكل تخصنا، ويجب أن نسويها بطريقتنا، وليس هنالك أي شخص أدرى بها ولا أقدر على تسويتها منا، فنحن شعب عظيم، لديه حضارة عريقة، ومن غير الوارد، ولا المعقول أن نعتمد فى حل مشاكلنا وتسوية أمورنا على أي كان.

ولا يعنى هذا أن نتجاهل مشاكلنا، بل ينبغى أن نكون مستعدين لمواجهتها وحلها بأنفسنا، وبطريقتنا، ووفق المنهج الذى ظل أبناء هذا البلد يعالجون به مشاكلهم.

وهذا ما يجب أن ندركه ونعيه، وإلا فإننا نكون قد ارتكبنا خطأ كبيرا فى حق شعبنا وبلدنا.

وأعود هنا لأكرر ما قلته فى سيليبابى حول المواطنة، فالمواطنة تعنى الانتماء لوطن داخل حدود معينة وليس خارج هذه الحدود.

إن لكل أفرادنا وقبائلنا وأعراقنا امتدادات فى بلدان أخرى، لكننا لسنا معنيين بتلك الامتدادات، فما يعنينا هم المواطنون الذين ينتمون للوطن، وهؤلاء معنيون بأمور وطننا فقط، وليس بأمور الآخرين فى الشمال أو الجنوب، أو فى الشرق أو الغرب.

ويجب على شعبنا أن يحاسب نفسه ويدرك أنه ليس معنيا إلا بما يخص وطنه، لا بما يخص انتماءه العرقي أو القبلي فى دولة أخرى.

هذا ما يجب أن ننطلق منه دائما ونبنى حساباتنا عليه، وإلا نكون حركنا أمورنا فى اتجاه غير صحيح، ونحن جميعا سندفع ثمن ذلك.

وكما قلت من قبل، فإنه إذا كانت لدينا مشاكل أو قضايا تخصنا، فلن نتجاهلها أو نهملها، لكن يجب التعامل معها من قبل الموريتانيين، وعلى أساس أنها قضايا تخصنا، ويجب أن لا نقبل أن يتدخل الآخرون فى شؤوننا الداخلية، أو يحاول تسوية مشاكلنا من خلال أشخاص أو مجموعات منا..

وإذا ما انساق بعضنا للآخرين، فيجب أن ننبذه ونرفض أطروحاته، بل نطلب منه الانسجام مع خياراتنا ويتحاور معنا لنتوصل معا إلى حل لمشاكلنا.

هذا ما أردت أن أوضحه لكم، وأوصيكم به وأؤكد لكم أهميته لوطننا.

وأشكركم.”

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد