بدأت وزارة الداخلية والبريد والمواصلات اليوم السبت إرسال بطاقة الناخب الوحيد،ة بعد وصولها نواكشوط مساء أمس، إلى جميع مكاتب التصويت (2336مكتبا) التى سيقترع فيها الناخبون الموريتانيون (1069375ناخبا ) يوم 19/11/06 ويكتمل بهذه الخطوة مجمل الضمانات القانونية والإجرائية والتنظيمية والمادية التي تمت بالتشاور بين السلطات الانتقالية والفاعلين السياسيين من اجل الشفافية والمصداقية التامة لعمليات الاقتراع فى الاستحقاقات الانتخابية المقررة ضمن المرحلة الانتقالية .
وتجسدت الضمانات المذكورة، فى كنف التشاور، من تعديل المدونة الانتخابية وانفتاح الإعلام الرسمي الذى أصبح مرفقا عموميا للجميع الى تنظيم الإحصاء الإداري ذي الطابع الانتخابي وما أشفع به من إحصاء تكميلي اتاح تسجيل حوالي ثمانين الف ناخب.
وجاء فى هذا السياق كذلك وفضلا عن المراقبين الدوليين و بتوافق الجميع قيام اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية والمرصد الوطنى لمراقبة الانتخابات .
وأعلنت وثبتت الكترونيا وفى الوقت المناسب،قوائم المسجلين للانتخابات على المستوى الوطنى وتفصيلها حسب الولايات وفقا لنتائج الاحصاء الاداري وتكملته وكذلك تشكيلة مكاتب للاقتراع، وكلها معلومات على موقع الوكالة الموريتانية للانباء.
كما تم تعزيز حضور وأهلية وأحقية الفاعلين السياسيين فى ميدان الاقتراع (مكاتب التصويت ) ورسم التسهيل المادي لها نقلا وضيافة واستحدثت اللائحة الوطنية التى رشح لها فى انتخابات 19/11/06 خمسة وعشرون حزبا سياسيا وكذلك البطاقة الوحيدة للتصويت ذات المزايا والضمانات الكفيلة بعدم التزوير .
يضاف إلى ذلك، فى سياق ترسيخ وتوسيع نطاق الممارسة الديموقراطية، اقرار نسبة
20% للنساء فى الترشحات والتحفيز على تجاوز التشكيلات السياسية لها فى اللوائح المترشحة والباب الذى فتحته فرصة استقلالية الترشح على مصراعيه أمام هذا العنصر وغيره فى الفعل السياسى الموريتانى، وعكسته لوائح حزبيه ومستقلة، سواء بسواء،
ليس فى ترتيب القوائم فحسب، وانما أيضا فى اكتساح العنصر النسوي لتشكيلات برمتها، كما هى حال بلدية “ام لحياظ” فى الحوض الغربى .
والمهم ، على الصعيد العملي، ان الحملة الانتخابية الجارية، من انطباعات مختلف الفرقاء، اظهرت المسافة االثابتة التى تقفها الإدارة من جميع المترشحين وارتياح هؤلاء إزاء اقرار حملة انتخابية للشوط الثانى المحتمل فيما خرج من الدوائر الانتخابية عن النسبة المعتمدة لكل من نواكشوط وانواذيبو وسيلبابى .
وزاد من سكينة الحملة الانتخابية الجارية، ما حظيت به من تطبيق لضوابط حرية الجميع دون افراط او تفريط ، عن طريق كفالة ممارسة حق توصيل الخطاب الانتخابى من جهة وحريات الاخرين والحرمة العامة، من جهة أخرى .
لقد بدأت هذه الحملة التى تدخل اليوم أسبوعها الثانى، بعد تفاعلات للساحة السياسية الموريتانية، هزت تموقعات كانت تحسب نفسها، حصينة راسخة، وجاءت بوجوه لم تكن فى قاموس الكثير من الفاعلين السياسيين ولا الناخبين …
لكن ما صاحب تلك التطورات من هواجس وامتعاض ازاء سلطات المرحلة الانتقالية التى جددت حينئذ التمسك الحازم بتعهدات التغيير والتقيد التام بتوصيات التشاور، تبدد
قبيل الحملة الانتخابية وانقلب انفراجا فى الخطاب والتخاطب بين الفرقاء وبينهم والسلطات العمومية التى حيدت المال العام والادارة عن ميدان التنافس .
ويقرأ المهتمون بالشأن الموريتانى فى انضباط مافات من الحملة وعدم تذمر اي من الفرقاء، لاأفقيا (مع المترشحين ) ولا رأسيا (مع السلطات )، مؤشرا ايجابيا لمستقيل الديمقراطية فى البلاد، خاصة وان عيون الرقابة الدولية فى كل انحاء البلاد والاليات الاخرى (لجنة الانتخابات -سلطة الاعلام -مرصد المجتمع المدنى )تعمل بانسياب .
ويتوقع الكثيرون ان تكون الايام الخمسة القادمة هى الحيز الزمنى الذى تعد اللوائح النيابية والبلدية المترشحة لاستعراض القوة فيه، خصوصا فى نواكشوط، عبر تجمعات ومهرجانات حاشدة، وان كان الجامع لصفوف الناخبين الموريتانيين هو خيبة الامل ازاء الوعود الانتخابية التى تعودوا على تلاشيها بعد الاعلان عن نتائج مافات من استحقاقات العقود الاربعة المنصرمة من تاريخ دولتهم الحديثة .
ومع ذلك، يسجل المراقبون المحليون على البرامج الانتخابية المقترحة فى هذه الحملة، تشابها يصل احيانا الى حد التداخل ولا يستبعدون نظريا، على الاقل، ان يترجم الواعى من جمهور الناخبين، تلك الخيبة، تصويتا للاصلح، بعيدا عن المؤثرات المحتملة الاخرى .
وينتظر فى الاوساط المهتمة بنجاح التجربة الديمقراطية الموريتانية، بعض النظر عن من يفوز فيها، ان تعكس نتائج اقتراع 19/11/06/ تنوعا برلمانيا وبلديا ماكان له ان يتحقق فى ظل ثنائية الاستقطاب التى خيمت على الطيف السياسى وتعامل بها كثيرون مع ارادة الناخبين ،عنوة واعتباطا …
واذا كان اصحاب هذا الطرح قد تجاوزوا تلك الذهنية او جرفهم تيار “الانفتاح” للتعامل مع الواقع ، فالمؤكد ان افرازات هذه الانتخابات كفيلة بتفاعلها السليم مع مبدا التناوب السلمي على السلطة الذى كرسته تعديلات 25 يونيو 2006 الدستورية، بتحديد الملامح الجادة لرئاسيات 2007 .
وما لاشك فيه، هو ان التشكل الحقيقى للساحة السياسية محكوم بمدى النجاح الذى ستحققه نتائج الاقتراع على البلديات والبرلمان، لانها بمنطق الاستدلال، فى طليعة الحسم للرئاسيات ، ولان نجاح التجربة لكل الموريتانيين وفشلها عليهم ، دون استثناء.