اعلن الوزير الأول السيد السيد الزين ولد زيدان ان حل الملفات السياسية الحساسة:اللاجئين الموريتانيين في الخارج، والإرث الإنساني ورواسب الرق، هو ضمان النهوض بمستقبل موريتانيا باعتباره أولوية لدى السلطات العمومية.
وقال خلال كلمة افتتح بها اليوم الخميس بقصر المؤتمرات في نواكشوط، باسم رئيس الجمهورية،السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الفعاليات الرسمية لانطلاقة عمليات صياغة “رؤية مستقبلية لموريتانيا في أفق 2030 “ان خلق اجماع وطني حول افضل الاليات والسبل لمعالجة واغلاق ملفي المهجرين والارث الانساني ، بدأ مع انطلاق هذاالتشاور الوطني الذي يشمل جميع الفاعلين من أحزاب سياسية ومنتخبين ومنظمات مدنية وشخصيات مرجعية”، وانه سيتم في هذاالصدد ايفاد بعثة رسمية للاتصال بالمستهدفين وتفقد المناطق المعنية باستيعابهم.
وفيما يلي نص خطاب الوزير الاول بهذه المناسبة:
“انه لشرف لي عظيم أن أشرف اليوم باسم فخامة رئيس الجمهورية، السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله على الفعاليات الرسمية لانطلاقة عمليات صياغة رؤية مستقبلية لموريتانيا في أفق 2030.
ولاشك ان وضع هذه التظاهرة تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية ، يعطيها وزنا كبيرا بقدرما يقتضي منها الاستقلال في التفكير والحرية في العمل والتحلي بالموضوعية.
وأود أن أؤكد بادئ ذي بدء أن بلادنا لم تشهد مثيل لهذه العملية من قبل، بل لقد ظلت جهودها التنموية يطبعها في كثير من الأحيان الارتجال وغياب رؤية مستقبلية واضحة تحدد معالم المشروع المجتمعي الذي نريده للبلاد اقتصاديا وسياسيا وثقافيا.
لذا، ينبغي أن تجسد رؤية موريتانيا 2030 تصميم جميع الموريتانيين على بناء مشروع مجتمع اجماعي قادر على بعث الرغبة والتطلع الى المستقبل وانعاش الأمل وحفز التعبئة الضروية لقدرات وطاقات كافة مكونات الشعب.
كما ينبغي ان تقدم هذه الرؤية عناصر فعالة لتحديث نظام البرمجة وتسيير التنمية واحداث قطيعة مع كل مظاهر ” منهجية” تسيير الطوارئ التي درجنا عليها في السابق .
وغني عن البيان ان نجاح مثل هذه المبادرة يتطلب مشاركة جميع مكونات شعبنا، دون استثناء، في بناء هذه الرؤية المشتركة انطلاقا من ماضي بلادنا وحاضرها كما يتطلب منا جميعا بعد الاتفاق عليها الالتزام التام بتجسيدها على أرض الواقع بوصفها الضمانة الاكيدة لتحقيق مطامحنا الى الوحدة والوئام الوطنيين والى الانماء الاقتصادي والرقي الاجتماعي والتطور السياسي.
وبطبيعة الحال، فستكون الوثيقة المجسدة لهذه الرؤية الاجماعية هي المرجعية المؤسسة لجميع الخطط المستقبلية على المديين المتوسط والبعيد.
أيها السادة والسيدات،
ان النهوض ببلادنا الى المستقبل الذي نصبو اليه يتصدر أولويات السلطات العمومية. وفي هذا الاطار، تندرج الملفات السياسية الحساسة آلاوهي ملف اللاجئين الموريتانيين في الخارج وملف الأرث الانساني وملف رواسب الرق.
وكما أوضح فخامة رئيس الجمهورية في خطابه الاخير الى الامة وفي خطاب التكليف الذي تشرفت بتسلمه منه غداة تقلدي مهام الوزيرالاول، فسيكون تعزيز الوحدة الوطنية هو هدف ومرجع هذه العملية برمتها.
وهكذا سيتم” تحقيق الوئام بين جميع مكونات شعبنا، من خلال ايجاد الحلول المناسبة للمشاكل الناشئة عن أحداث 1989 الاليمة وتعزيز نظام محاربة الرق والقضاء على رواسبه.
وفضلا عن تضميد جراح الماضي فسيتعلق الامر بالعمل على تهيئة الظروف المواتية لجعل جميع الموريتانيين يشعرون بالفخر المشروع لانتمائهم لامة عظيمة تحميهم وتعاملهم على قدم المساواة، دون أي اقصاء وتضمن لهم نفس الحقوق وتفرض عليهم نفس الواجبات كما تمنحهم نفس الفرص أمام المرفق العمومي”.
وبخصوص اللاجئين، أود التأكيد بما لايدع مجالا للشك أن جميع الموريتانيين المعنيين ستتاح لهم العودة الكريمة الى الوطن واسترجاع كافة جقوقهم في جو من الاطمئنان والمساواة والعدل والمسامحة.
وفي الاطار نفسه، ستتم معالجة واغلاق ملف الارث الانساني بما يضمن جبرالضرر وتضميد الجراح . ولن يكون هناك، بحال من الأحوال، أي مجال للتوظيف السياسي المغرض لهذه العملية، كما لن يكون هنالك بالأحرى أي مجال لتسوية الحسابات.
وسعيا الى خلق اجماع وطني حول أفضل الآليات والسبل لمعالجة واغلاق ملفي المهجرين والارث الانساني ، سيتم ابتداء من اليوم انطلاق تشاور وطني واسع النطاق يشمل جميع الفاعلين من أحزاب سياسية ومنتخبين ومنظمات مدنية وشخصيات مرجعية.
كما سيتم ايفاد بعثة رسمية للاتصال بالمستهدفين وتفقد المناطق المعنية باستيعابهم.
وسيفضي هذا المسار التشاوري الى وضع خطة عمل سيتم عرضها على مختلف الفاعلين اثناء أيام تشاورية تنظم لهذا الغرض، قبل المصادقة عليها والشروع من ثم في تنفيذها على الفور.
وبخصوص الرق ، فسيتم بالاضافة الى استكمال الاطار القانوني اعاداد برامج واسعة النطاق لدمج الشرائح المعنية على المستوى الاقتصادي وذلك بناء على مسح شامل وفي اطار خطط ملائمة تهدف الى استرجاع تلك الشرائح كامل حقوقها وتقليص الفوارق بينها وبين سائرمكونات المجتمع الأخرى ضمن سياسة متكاملة لمحاربة الفقر.
أيها السادة والسيدات،
ان تقدير المسؤولية حق قدرها يقتضي منا الوقوف وقفة تأمل ومكاشفة. ذلك ان بلادنا تعيش وضعية صعبة ناشئة عن تضافر مجموعة من العوامل والتحديات الداخلية والخارجية ينبغي ادراكها على حقيقتها . ولعل من أهم المعوقات على هذا الصعيد غياب الوعي بمتطلبات مواجهة تلك الوضعية على المستوى الداخلي. فنحن – للأسف – شعب لا يقدر قيمة العمل ولاينتهز الفرص المتاحة لكسب العيش الكريم، وآية ذلك ان المسح الدائم حول ظروف معيشة الأسر لسنة 2004 يشيرالى أن نسبة البطالة تبلغ 33%، في حين تتجاوز نسبة المواطنين غير النشطين 6،40% .
غير أن الأسوأ من ذلك أن مواطنينا لايبدو أنهم يدركون العلاقة المنطقية بين سلوك الفرد الآني وانعكاساته على مستقبل الجماعة لذلك نجدهم يتحايلون واحيانا بالتواطئ مع الادارة على القوانين والنظم ويتعاطون ممارسات الرشوة والغش المشينة لا يلقون لها بالا والحال انها تضعف قدرة البلاد التنافسية في مجال جذب الاستثمارات وتوقعها لامحالة في مزالق التخلف .
وفي هذا الاطار يتعين علينا ان ندرك ان قراراتنا الحالية تؤثر بشكل مباشر وجذري على بناء مستقبلنا ومستقبل ابنائنا. فالذي يجترح رشوة موظف لاجتلاب منافع عاجلة يؤثر سلبا على تسيير البلد وبالتالي على مستقبل الاجيال بمن فيهم ابناء المنتفع ظرفيا من تلك الممارسة الضارة.
كما ان ممارسة التقري العشوائي – على سبيل المثال – تجعل من المستحيل توفير الخدمات للمواطنين بالشكل المرضي. وهلم جرا.
ان معالجة الوضعية الصعبة التي تعيشها بلادنا ووضع الأسس السليمة لنهضتها تقتضي تعبئة موارد كبيرة داخلية وخارجية لتمويل المشاريع والخطط التنموية التي سيتم وضعها في اطار رؤية موريتانيا في أفق 2030.
ومن المؤكد، في ظل المناسفة العالمية الشديدة على الموارد والاسواق، ان الحصول على احتياجاتنا التمويلية سيكون أمرا صعبا بل مشكوكا فيه بدون التخلص من المسلكيات الضارة والانكباب على العمل والتطبيق الصارم لقواعد الحكم الرشيد.
وبالجملة، فاننا ننتظر من رؤية موريتانيا 2030 أن تحصن الامة ضد دواعي الانقسامات وتعزز وحدتها الوطنية وتزودها بالادوات المناسبة للتحكم في مستقبلها بما يحقق تطلعاتها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتلك مسؤولية نتاقسمها جميعا كل حسب موقعه.
أيها السادة والسيدات،
لايفوتني، قبل أختتم هذه الكلمة، أن أقدم الشكر لشركائنا الداعمين لمسار صياغة رؤية موريتانيا في أفق 2030، خاصة برنامج الامم المتحدة للتنمية والبنك الافريقي للتنمية اللذين قدما دعما فنيا وماليا معتبرا لهذا المسار.والشكر موصول هنا خاصة للسيدة سيسيل مولني، الممثلة المقيمة لبرنامج الامم المتحدة للتنمية فى بلادنا للعمل الجبار الذي قامت به خلال مأموريتها في هذا البلد.
وأنتهز هذه الفرصة لدعوة الممولين لدعم الاصلاحات العميقة التي ستعكف السلطات العمومية على تنفيذها خلال السنوات المقبلة والتي ستدمج فيها كافة الاستراتيجيات الحالية والمستقبلية لتنمية بلادنا. وسيحتل تعزيز الشفافية وجدوائية النفقات العمومية مركز الصدارة في جميع تلك الاصلاحات والاستراتيجيات .
كما ادعو المستثمرين الخصوصيين الوطنيين والأجانب الى مواكبة هذا المسار وخصوصا فيما يتعلق بتمويل تشييد البنى التحتية وتوفير الخدمات الاساسية للمواطنين. وستعمل الحكومة بكل ما أوتيت من قوة وحزم لجعل بلادنا وجهة تنافسية في جلب الاستثمار .
وبطبيعة الحال، فلن يقيض النجاح المرجو لجهود بلادنا التنموية مهما كان الدعم الخارجي الذي تحظى به من قبل الاصدقاء والشركاء ما لم ينخرط جميع ابنائها في صياغة رؤية موحدة للمستقبل وفي العمل على تجسيدها بصبر ودأب. لذلك أدعو كافة المواطنين الى انتهاز الفرصة السانحة لمراجعة النفس وحزم الامر واتخاذ القرار الصائب الذي يتوقف عليه مستقبلهم ومستقبل بلادهم، الا وهو قرارالمشاركة الواعية والمسؤولة في بناء موريتانيا الغد، موريتانيا التي ينعم جميع ابنائها بثمار النمو الاقتصادي في كنف مجتمع ديمقراطي عصري يصون الحريات ويحفظ كرامة الانسان .
وصفوة القول أن أمام بلادنا مستقبل وضاء بامكاننا أن نحقق فيه لجميع مواطنينيا تطلعاتهم الى المزيد من الحرية والمساواة والانعتاق الفردي والجماعي اذا ما توفرت لدينا الارادة والحزم للقطيعة مع الممارسات المعيقة للتنمية المستديمة والتحلي بالقيم الايجابية المساعدة على تثمين مقدراتنا المادية وطاقاتنا الخلاقة .
وأشكركم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.
وأوضح السيد عبد الرحمن ولد حم فزاز وزير الاقتصاد والمالية في كلمة بالمناسبة ان الدراسات المستقبلية تشهد نموا متسارعا في الدول المتقدمة والشركات متعددة الجنسيات وان الحاجة الى هذه الدراسات في البلدان النامية اصبحت ضرورة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
واشار الى ان مشروع “رؤية موريتانيا 2030” يدخل ضمن هذا الاطار، حيث تم اعداده للتخفيف من هيمنة المدى القصير على منطق القرارات والتدخلات العمومية ومقاربة المشروع بوصفه اطارا لتصور وتفعيل السياسات التنموية.
وأبرز ان انجازه (المشروع) سيتم من خلال القدرات الوطنية التي تستفيد من الدعم المنهجي لمعهد مستقبل الأفارقة .
وأضاف ان المشروع يشكل برهانا على اهتمام الحكومة بالتخطيط لمستقبل البلاد واجيالها القادمة في اطار من الحرية والانسجام الاجتماعي والوئام الوطني في كنف دولة القانون والشفافية والعدالة والمشاركة الفعلية للسكان في تسيير أمورهم.
وشكر في الاخير شركاء موريتانيا في التنمية خاصة برنامج الامم المتحدة للتنمية والبنك الافريقي للتنمية على دعم صياغة وتنفيذ هذا المشروع .
وأكدت ممثلة برنامج الامم المتحدة، السيدة سيسيل مولنيي أن “رؤية موريتانيا 2030” مقاربة يتعين ان تركز على الحرص على تقاسم حكم رشيد متحسن في مختلف مكوناته.
وبينت ان موريتانيا قررت اعادة الثقة والقيمة للخبرات الوطنية الموجودة في القطاعات العام والخاص والجمعوي وتشجيع الحوار والتشاور لاستكشاف آفاق المستقبل.
وثمن السيد أحمد ولد داداه رئيس حزب تكتل القوى الديموقراطية، زعيم المعارضة الديموقراطية الموريتانية، الذي حضر الانطلاقة الرسمية لهذه التظاهرة،
في تصريح للوكالة الموريتانية للأنباء، مبدأ التشاور، معتبرا انه مفتاح لحل مختلف القضايا.
وقد صادقت الحكومة الموريتانية وبرنامج الامم المتحدة للتنمية على الوثيقة النهائية لهذا المشروع في شهر مارس 2007.
ويغطي المشروع فترة 18 شهرا، من أجل وضع رؤية توافقية لتنمية البلاد على المدى الطويل انطلاقا من استنطاق معمق للمستقبل وتعزيز قدرات الاستشراف والتخطيط الاستراتيجي داخل الهيئات الحكومية وفي القطاعين العام والخاص.
ويتعلق الامر بالبحث والعمل في آن واحد في اطار تشاركي موسع يشجع الحوار الاجتماعي ويسعى الى قيام اجماع وطني حول المستقبل.
وتتألف هيئات المشروع من لجنة قيادة تضم عشرة أعضاء مكلفة بتقديم الدعم المعنوي والسياسي عند الاقتضاء وخلية فنية وطنية، تتولى ادارة المشروع، فيما يتكفل شركاء موريتانيا في التنمية خاصة برنامج الامم المتحدة للتنمية والبنك الافريقي للتنمية،
بالدعم.