لا يغيب اليوم عن ناظر أي أحد، أن أقوى الجسور التي عبَرت عليها غالبية الأمم والشعوب إلى درجات عليا من التقدم والتطور والنماء على كثير من الأصعدة، هي بدون شك نتيجة تغلغل ثقافة الولاء للموطن، وثقافة المواطنة الصحيحة في الشعور الجمعي للمواطنين بمختلف درجات إدراكهم للمنظومة التشريعية والأخلاقية للمواطنة والاستجابة التلقائية لمحددات ومقتضيات هذه المنظومة.
ولا يغيب أيضا عن ناظر من تتوفر في عقله وضميره مقومات الشعور بضرورة الارتقاء بوعينا الجماعي إلى مستويات عليا من النضج، أننا مدعوين إلى التحدث بلغة واعية أساسها التآزر والوحدة المصيرية التي تترجم حتمية الاستمرار وإثبات الذات، وبذلك فقط تتحرك دوافع العمل والإنتاج وانطلاق الطاقات للبناء داخل منظومة يؤسس عناصرها الداخلية والخارجية الشعور بالانتماء للوطن ومنظوماته المؤسسة للنشاط السلوكي للفرد والجماعة.
ينبغي إذن، أن نعطي في هذا الظرف من تاريخنا قسطا وافرا من العناية بتنمية قيم الولاء للوطن ونسعى جاهدين لتجذير مفاهيم الانتماء وتعزيز روح المواطنة وغرسها في النفس والضمير.
إنما يطالعنا به واقعنا اليوم من تصد ملموس لمسلكيات ضارة بالمصلحة العمومية كعدم احترام الحق العام بمختلف معانيه، والتحايل على المال العمومي، والابتعاد عن الوسطية الإسلامية، كل ذلك يدعونا إلى تجذير هذه الثقافة الوطنية وخدمتها ورعايتها ضمن ديمومة لا تعرف الملل والفتور، بعيدا عن التوظيف الأيديولوجي، بمعنى ممارسة هذه الجهود طبقا للمصلحة العامة فقط.
إن تجذير ثقافة المواطنة ورعايتها يمثلان أكبر عطاء يمكن لنخبنا وقادة رأينا تقديمه للقاعدة العريضة من مجتمعنا، لكن ضمن وعي هذه النخب وتلك القيادات بأن هذا العمل المقدس، تتوقف نتائجه على الحزم والعزم الصادقين على استئصال معوقات رقي الوعي بمفهوم الدولة ومقارعة رواسب التخلف التي ما زالت تفعل فعلها المشين في مجتمعنا العربي الإفريقي المسلم.
إن ما يبرز كموضوع دائم لهذا الحزم والعزم هو تجذير ما دعانا إليه القرآن العظيم في مقدمة كل تصرف من وسطية وتسامح، وما دعتنا إليه السنة الغراء من حب للوطن وتعلق برفاهه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
إن مسئولية الفرد اتجاه وطنه تضعه لا محالة أمام ضرورة تنقية الضمير من أدران الاغتراب السلبية، والشوائب المتمثلة في الركون للتحجر داخل ضروب التعامل مع الشأن العام على كافة مستوياته، فإذا ما جعلنا من أنفسنا جنديا مجهولا لمقارعة هذه المعوقات واستئصالها من مجتمعنا، فسنبقى ـ لا قدر الله ـ مرشحين للبقاء على هامش الزمن الحضاري.
الموضوع الموالي