AMI

تراثنا الثقافي: الإحياء، الحماية، كضرورة حضارية!!!

بقلم:د. مــحمــد يــحـي ولد بـاباه
E-mail y.babah@yahoo.fr
يقول الدكتور الراحل محمد عابد الجابري: “حان الوقت لننتقل من الفهم التُّرَاثِّي للتراث، يجب أن نحييه ونعطيه طعم الفكر المعاصر، والقضايا المعاصرة”.
إذا كان ما يقصد المفكر المغربي الراحل من هذا الإثبات، هو توحيد رؤية شمولية تجعلنا نتعامل مع التراث لا كشيء محنَّطٍ، بل كشيء معاصر لنا، فإن ما يستقل سُلَّم الأولويات لدينا نحن اليوم، هو تدشين مرحلة جديدة من العناية بتراثنا باعتباره ممثلا للهوية الثقافية للأمة، وخلاصة ما خلفته وَوَّرَثْتْه أجيالنا السالفة لأجيالنا الحالية.
وإذا كنَّا اليوم نقف أيضا على عَتَبَات ما يمكن أن نسميه، النزوع إلى تشخيص مشاكلنا عموما، ثم إعادة النظر في طرق حلها بالصورة اللائقة والفعالة، والتغلب على ما بات في ماضينا القريب يقْبَعُ في سلة المهملات، فإن ما بدأنا تدشينه بالفعل في ميدان العناية بتراثنا الثقافي بأبعاده المختلفة يستدعي النظر برؤية نفَّاثَةٍ إلى ما تختزنه ذاكرة مجتمعنا مما بثته حواضرنا التاريخية من إشعاع علمي وثقافي مازالت بصماته تعلن عن نفسها في واقعنا المجتمعي الخاص، وواقع أمم أخرى تنَوَّرت به ووظَّفته في تجذير القيم الإسلامية السمحة المؤسسة على الصفاء السني كما تجسد في العصر النبوي المحمدي الذي هو سيد العصور.
وعليه فمن النتائج الأولى لتسليط هذه الرؤية النفَّاثَة على تراثنا ـ كما أسميناها ـ الوقوف لا محالة، أولا على ضرورة بعث هذه المقدرات التراثية المطمورة، وإحيائها عبر جهود من التقمص السليم لها بروح معاصرة تجعلنا نُفيد بها ونستفيد منها، بمعنى أن نجعلها حية ومتجددة ترافق مسارنا الإصلاحي التنموي وبوصفها تكوِّن أحدَ أعمدته الرئيسة، وذلك انطلاقا من كون هذا التراث بأبعاده المختلفة هو ما يعبر عن خصوصياتنا والشموخ الحضاري لأمتنا، ولعل ما سيكفل لنا ترقية هذا التراث الثقافي والنهوض به وحمايته، هو القيام بمضاعفة أعمال الترميم للمآثر التاريخية مع المحافظة على ما تكتنزه من فنون معمارية هندسية بالغة الروعة، وتكثيف أعمال الحفظ والتبويب والفهرسة للآثار العلمية الخالدة، وإدخالها وتنظيمها في قواعد البيانات وتثبيت تلك القواعد على شبكات المعلومات الوطنية التي تعد ذات دور كبير في اختصار الطرق المؤدية للمعلومات العلمية واختصار الوقت والجهد للمستغلين لهذه الكنوز الغالية، كما أن إحياء وبعث التراث الثقافي لا يتلخص في هذا فقط، بل يتجاوز ذلك أيضا إلى بذل مزيد من الجهود كذلك قصد توسيع دائرة حضور الجامعة الصحراوية المعروفة بالمحظرة التي ظلت عبر تاريخنا هي النموذج الفعال في الإنتاج المعرفي وعطائه.
هذا ومن نتائج هذه الرؤية ثانيا الوقوف لا محالة أيضا، وبكل جلاء على أن ما يتقدم اليوم كمهام رئيسية لرعاة الشأن الثقافي من أبنائنا، نخبة وقادة رأي ومسئولين، هو الانتباه إلى أن حماية التراث الثقافي، أصبح بدون شك يمثل ضرورة حضارية بكل المقاييس تتطلب جهودا جبارة وواعية بخصوصياته العربية والإفريقية التي هي عنوان وحدتنا وجذر انسجامها الوحيد.
إن السياق الزمني الذي يؤطر كل جهد تنموي اليوم، يدعونا إلى ممارسة فعل هذه الحماية وهذا الإحياء لتراثنا الثقافي والانطلاق في ورشات من العمل الدءوب لإبراز هذا المخزون الحضاري وإثرائه بكل ما تكفله لنا الطاقات الفكرية والفنية لأبنائنا، وخاصة في هذا المسار الذي دشن عناية غير مسبوقة بإعادة الاعتبار لماضينا وتثمينه وتوظيفه بموضوعية.
فلكل منا أن يغتنم ما يتاح من فرص لبعث التراث وإحيائه وحمايته ضمن الشروط الموضوعية التي ذكرنا، وبالروح التي تجعله منا وغير منفصل عن ذاتنا، مؤثرا ومتأثرا بنا، بالصور والأشكال التي تعزز كياننا الحضاري، وتدفع بنمائه إلى أعلى الدرجات.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد