بقلم: أحمد ولد مولاي امحمد a.moulaye.md@gmail.com
وجدتني وأحد الزملاء نقارن بين مستوى الحياة المعيشية لمواطني بلدنا وبين مستوى المعيشة والتطور المدني والعمراني والوعي في فلسطين المحتلة وبصفة حصرية في قطاع غزة الذي دمرته المحرقة الصهيونية الأخيرة، ولم تترك به أية معالم للبنية التحتية ولا لمرافق الخدمات العمومية، وخربت شبكات المياه والكهرباء.. أما عندنا فإننا نتساءل عمن تسبب في كل ما نحن عليه من انعدام للبنية التحتية وللمرافق الخدمية العمومية والماء والكهرباء وغياب الثقافة المدنية والوعي الذي تتطلبه المرحلة وسيادة الفوضى الخلاقة في كل مجالات الحياة؟.
فإذا كانت أسلحة الدمار الشامل الصهيونية هي التي دمرت كل تلك المرافق والخدمات في فلسطين وفي قطاع غزة بالذات، رغم أن فلسطين ما زالت تحت الاحتلال، فما الذي تسبب في حالتنا المتردية هذه، وهل يجوز القول إن نخبنا السياسية المتعاقبة على الحكم منذ الاستقلال عام 1960 هي بمثابة أسلحة دمار شامل تتعرض له بلادنا منذ ذلك التاريخ؟!
إننا حقا لا يمكن أن نجد أية مسوغات لحالة التخلف الشامل التي تميز بلدنا وشعبنا عن محيطنا العربي والإفريقي – رغم الثروات الهائلة التي يتردد على مسامعنا منذ الأزل أن بلدنا ينام عليها- إلا إذا صارحنا أنفسنا بأننا لا وطنيين، وكل ما يفكر فيه مسئولونا ونخبنا السياسية المتعاقبة هو جيوبهم وأن تظل منتفخة بالمال العام على حساب مشاريع وخطط عملية البناء الوطني!!.
لقد تحول رموز ومتنفذو أحكامنا المتعاقبة إلى أثرياء من الطراز الأول، ولم ينعكس ذلك أبدا على الحالة العامة للوطن والمواطن إيجابا، وما تزال تلك الرموز والشخصيات تسعى للمزيد من الإثراء الفاحش وغير الشرعي على حساب الوطن والمواطن حيث تزاحم النخب والأجيال الجديدة التي تتألم للواقع المرير الذي تعيشه موريتانيا منذ الاستقلال، والتي لم تجد أي مبرر لاستمرار حالة التردي المزمنة لوطننا ومواطنينا، وبالفعل يصعب أن نستوعب إصرار أولئك، الذين اختلسوا المال العام ونهبوا ثروات البلاد، على أن يظلوا في مواقع القرار يمارسون ذات الأسلوب الذي لا يعكس سوى انعدام المسؤولية وغياب الحس الوطني.
فقبل أشهر قليلة وأينما التفت في هذا الوطن فلم تكن لترى سوى طرق متآكلة وشبه معبدة في أحسن الأحوال ومبان تعكس حالة التخلف والأمية الحضارية لكنها لا يمكن أن تقارن، في كل الأحوال، بأكثر قرى العالم المتمدن تخلفا، ولا يمكن مقارنة عاصمتنا بأية مدينة عادية في إفريقيا المجاورة أو في الوطن العربي أو أوروبا، رغم أننا أغنى من أغلبية تلك الدول بثرواتنا الطبيعية الهائلة والمتنوعة؟!
إن انعدام الحس الوطني جعلنا لا نستشعر انتماءنا لهذا الوطن، حيث طبقت نخبنا السياسية المتعاقبة القاعدة المعروفة في المثل المشهور: “خذ خيرها ولا تجعلها وطنا”، مما جعلنا ندفع ثمن ذلك غاليا، إذ يجوز القول إننا ما زلنا نعيش خارج الزمن وبعيدين كل البعد عن القرن الذي نعيش فيه؟!.
كل شيء فوضوي في هذا الوطن بدءا بحركة المرور وتنقل الأشخاص والبضائع مرورا بالعشوائية في التعيينات التي لم تحتكم من قبل إلى معايير الكفاءات، بل اعتمدت المحسوبية والقبلية والزبونية وغيرها.. فوضى في التجارة وتموقع المحلات التجارية وفي الأسعار وصلاحية السلع.. وفوضى في الصحة وخدماتها سواء تعلق الأمر بالمراكز الصحية والمستوصفات أو بنظام الولوج إلى الخدمات الصحية..
وفي النقل العمومي حدث ولا حرج فكل شيء يسير بالمقلوب عكس جميع شعوب الأرض، كل شخص يمارس عمل سائق الأجرة من دون معايير ولا ضوابط، والسيارات تسير وتتوقف في المكان والزمان الذي يراه السائق مناسبا بما في ذلك التوقف في عرض الشارع، أما احترام إشارات المرور وقانون السير فلا أحد يهتم بذلك إلا من رحم ربك؟!.
وفي الإدارات والقطاعات والمؤسسات العامة يصبح المسؤول الأول مالكا لرقاب مرؤوسيه وكأنهم يخدمون في بيته..
إن أقصى ما يفكر فيه جل من تحملوا المسؤوليات منذ عقود في بلدنا هو سرعة الكسب مهما كانت الطرق ملتوية وغير شرعية أو قانونية، فالمهم فقط هو أن نكسب حتى ولو كان ذلك من المال العام ومن ممتلكات الشعب، وربما نلجأ إلى التعامل مع جهات غير وطنية ولا تخدم مصالح الوطن سعيا للحصول على المكاسب المادية والامتيازات الآنية، فكيف نبني وطنا ونشيّد دولة قانون ومؤسسات وحالتنا هذه؟!
يصعب حصر مواقع الخلل لدينا، إذ أنها أكثر وأعمق من أن تحصى في هذا الحيز، وهو ما يستدعي من صناع القرار السرعة في احتواء الوضع وإعادة تطبيق القانون وتحكيمه حتى نتدارك ما أمكن من مشروع الدولة الموريتانية الذي هدّته حقب عجاف لم تبق ولم تذر، فلا بد من التسريع في إنعاش البلد والعمل الدؤوب على إعادة بعث الحياة فيه بما يتناسب وتطلعات مواطنيه البسطاء الذين يأملون في رؤية وطن يحكمه القانون وتسوده العدالة والإنصاف ويستشعر الجميع دفئه دون تمييز.
لقد فقد المواطنون ثقتهم في وطنهم، ولا يمكن أن يستعيدوا تلك الثقة إلا إذا واصل صناع عملية إعادة ترميم الدولة وبعث الحياة فيها وبوتيرة متسارعة، من خلال محاربة كل تلك الأدواء الفتاكة وما نجم عنها من ترد للأوضاع جعل الجميع في حالة بحث دائمة عن وطن…..
الموضوع السابق
الموضوع الموالي