بقلم: أحمد ولد مولاي امحمد
a.moulaye.md@gmail.com
توقعت- كغيري من المواطنين- أن يتضمن بيان منسقية المعارضة تحميل كامل المسؤولية عن نتائج المعارك التي شهدتها المناطق الحدودية مؤخرا لتنظيم “القاعدة” الإرهابي وحده، وأن يذكّر هذا البيان جماهير شعبنا بالعمليات الإجرامية المتتالية التي نفذها هذا التنظيم ضد قواتنا المسلحة وقوات أمننا ومواطنينا والرعايا الأجانب منذ العام 2005 وحتى عملية النعمة الانتحارية التي روعت الآمنين من متهجدين ومعتكفين في العشر الأواخر من رمضان. لكن بيان المنسقية صيغ بطريقة غريبة يمكن لمن لم يتابع تسلسل الأحداث أن يعتقد أننا دولة معتدية، وأن قواتنا المسلحة تُغير على الآمنين في دول الجوار!!
ونسي هذا البيان أيضا أو تجاهل رد الرئيس المالي قبل أيام قليلة على سؤال لإحدى الإذاعات الدولية حين قال بالحرف: “إن شمال مالي هو شرق موريتانيا وهو جنوب الجزائر” وأعتقد أن هذا الرد من البلاغة بحيث لا يترك مجالا للتساؤل عن مواجهة جيشنا للمعتدين في معاقلهم، وهو بالتالي رد على أولئك الذين ارتضوا أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك. وهكذا حمل هذا البيان مغالطات كثيرة أقلها أنه لم يشر من قريب ولا من بعيد إلى أن موريتانيا في وضعية دفاع عن النفس بعد عملية النعمة الانتحارية وما سبقها من عمليات قتل وذبح وتمثيل بالجثث واختطاف وسطو مسلح وغيرها من الاعتداءات التي لا يمكن المضي في السكوت عنها إلى الأبد حتى ولو اضطررنا إلى خوض هذه الحرب بمفردنا لأنها حرب وقائية ورد للعدوان الآثم والمتواصل، كما أن هذا البيان لا يترك الفرصة لخبرائنا العسكريين لتحديد طبيعة الرد ونوعية الدفاع عن النفس التي تتطلبها الظرفية، وهو ما لا يجوز أن يشرك فيه السياسيون بالضرورة.
ولا أعتقد أن موريتانيا – نظاما وجيشا وشعبا – تبحث عن الحروب والمواجهات المسلحة ولا عن المتاعب الأمنية لها أو لغيرها، ولكنها وجدت نفسها في حالة حرب معلنة منذ أكثر من خمس سنوات من طرف تنظيم مسلح استباح دماء وأمن وسلامة مواطنينا وضيوف بلدنا، وأصبح يشكل تهديدا جديا حقيقيا وبوتيرة متصاعدة لم يعد من الممكن السكوت عنه مهما كلف الأمر، وكما قال رئيس الجمهورية، فنحن لسنا في حرب مع القاعدة، لكننا نواجه غلاة متطرفين يستبيحون كل شيء.
فهل يبقى النظام الحاكم والجيش الوطني في موقف المتفرج من كل هذه الأعمال الإجرامية، أم من حقه أن يبادر بالرد في الوقت والمكان المناسبين له، خاصة مع وجود اتفاقيات أمنية بين موريتانيا وجل دول الجوار بما فيها الشقيقة مالي لصد المعتدين ومطاردتهم؟.
ومع كل ذلك، وكما كتبت في مقالات سابقة في هذا الحيّز، فإن الحوار الذي بدأته نخبة علمائنا وبرعاية رسمية مع بعض شبابنا المغرر بهم قد نجح في تبصير هؤلاء الشباب بمخاطر الغلو والتطرف والخروج على الجماعة، وأنا واثق من أن إطلاق عفو عام عن كافة الموريتانيين في هذا التنظيم، الموجودين في صحراء مالي والعفو عن كل الشباب الذين أقروا بالخطإ وتابوا إلى الله من الغلو والتكفير سيكون له كبير الأثر في احتواء هذه الظاهرة واستئصالها من بلدنا وإنقاذ شبابنا من الضياع في الدنيا وفي الآخرة، وعلى العلماء والفقهاء ونخبة البلد العمل على استئناف هذا الحوار اليوم قبل الغد وتوسيع دائرة العفو لتشمل كل التائبين، وأعتقد أن العفو يأتي دائما من موقف قوة ولم يكن في يوم من الأيام دليلا على الضعف، كما أنه يفتح الباب للضائعين للعودة ومراجعة أنفسهم قبل فوات الأوان.
وكمواطن موريتاني غيور على وطنه وشباب أمته فإنني تألمت كثيرا حين شاهدت أشلاء مواطنين موريتانيين دفعهما الغلو في الدين والجهل بالعقيدة إلى الانتحار على هذا النحو البشع وترويع المسلمين المسالمين.
إن من يعتقد أن هؤلاء الغلاة غير مؤمنين “إيمانا راسخا” بمعتقداتهم إنما يغالط نفسه، فلولا قناعتهم المطلقة بأن حربهم وقتالهم لنا ولغيرنا من المسلمين جهاد في سبيل الله وقتلهم استشهاد لما كنا أمام ظاهرة كهذه في مجتمعنا المسلم اليوم، ولكننا أمام ظاهرة غلو في الدين وتكفير للمسلمين بلغت أوجها وعلينا أن نواجهها بلغة الإقناع والحوار قبل أية لغة أخرى، ولكننا ملزمون في نفس الوقت بدرء المخاطر والدفاع عن أمن وسلامة المواطنين والمقيمين والدفاع عن حوزتنا الترابية ضد أي اعتداء مهما كان مصدره، لذلك فمن واجب الجميع في الموالاة وفي المعارضة أن يتحلوا بروح الوطنية الصادقة وأن يتخلى بعضنا عن المزايدات السياسية في ظرفية استثنائية كهذه.
رحم الله شهداءنا الأبرار الأخيار وتغمدهم بواسع رحمته وأدخلهم فسيح جناته مع الصدّيقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقا وألهمنا وذويهم جميل الصبر والسلوان، و شفى الله جرحانا وجرحى المسلمين.
الموضوع السابق
الموضوع الموالي