AMI

غابة حول العاصمة.. وغابات في الداخل…

بقلم: أحمد ولد مولاي امحمد
a.moulaye.md@gmail.com

مليون شجرة هي هدف مشروع التشجير الذي انطلق قبل أيام تحت إشراف رئيس الجمهورية، وهو هدف يخدم البيئة كما يخدم عصرنة العاصمة فضلا عن أنه سيشكل حدودا طبيعية لمدينة ظلت تتمدد في كل الاتجاهات ومن دون حدود أو معالم لنهاياتها.
مليون شجرة حول العاصمة بعد أربع سنوات أي في أفق العام 2013 م، ستعني الكثير بالنسبة للبيئة، فهي ستوقف زحف الرمال الذي يهدد العاصمة والكثير من المدن في الداخل بما في ذلك مدن تاريخية عتيقة كشنقيط، كما أنه سيشكل حاجزا طبيعيا في وجه المد البحري الذي قد تعرفه العاصمة في أي وقت وهو مدّ لا يمكن التنبؤ به ولا بمداه.
حين تصبح العاصمة محاطة بغابة من مليون شجرة فلا بد أن تتحول هذه الغابة إلى متنفس طبيعي لسكان عاصمتنا التي لا توجد بها منتزهات ولا أماكن ترفيه باستثناء الشاطئ الذي لا يكون ملائما في كل وقت، وخاصة في فصل الشتاء، ستكون الغابة إذن رئة حقيقية لمدينة نواكشوط خاصة إذا حظيت بالعناية اللازمة من قبل السلطات المختصة، غير أنه من المفيد جدا أن تكون غالبية أشجار هذه الغابة مثمرة، وإذا كان هذا الثمر هو الصمغ العربي مثلا فإن فوائدها ستكون مضاعفة لما لهذه المادة من أهمية اقتصادية وتجارية وفوائد صحية.
إنه مشروع وطني بامتياز، ورغم أنه لا يؤكل- كما الطرق والشوارع المعبدة بالنسبة لمن يستعجلون ثمار التغيير أو يسخرون منه على حد سواء- إلا أنه سيعني الكثير حين يتحقق على الأرض وتقف مليون شجرة شامخة حول العاصمة لحمايتها، ولتحويلها إلى منتزه كبير ومتنفس حقيقي لأزيد من مليون ونصف المليون من سكان هذه المدينة التي لم تلق من قبل اهتماما يذكر لا ببيئتها ولا بساكنتها الذين يعايشون الملل منذ نشأتها قبل حوالي خمسين عاما.
ومن المفيد جدا أن يتوسع هذا المشروع ليصبح مشروع تشجير على مستوى كل الوطن لتستفيد منه كافة المدن والقرى التي يتهددها زحف الرمال، فمثلا لدينا مدينة شنقيط التاريخية بكل ما ترمز له وتعنيه لكل الشناقطة الموريتانيين، تكاد اليوم تختفي بصورة شبه كاملة تحت الرمال وإذا لم يتم التدخل في هذه المدينة التاريخية بمشروع تشجير نصف مليوني عاجل فإنها ستختفي في أقل من ثلاثة عقود على الأرجح لتصبح “ذكرى بعد عين”، فهل ستسارع السلطات المختصة إلى إنقاذها من خلال الشروع في غرس نصف مليون شجرة فقط، وليس مليونا لأنها قد تكون كافية لإنقاذ مدينة بحجم شنقيط، ونفس ما ينطبق على هذه المدينة الرمز ينطبق على مدن تاريخية وأثرية أخرى أصبحت مهددة بالفعل إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة لإنقاذها.
ومن وجهة نظري فإنه من المفيد لبلدنا أن تتحول سُنّة التشجير إلى عادة يمارسها الجميع في فترات محددة وبصورة جماعية، فاليوم يتم تشجير العاصمة وغدا مدن أخرى وبعد غد بعض المدن والقرى وحتى الصحاري القاحلة لتتحول هذه الأرض إلى غابات خضراء، بل يمكننا أن نمارس هذه السنة يوما في الشهر أو مرة كل أسبوعين، وهو ما سيغير معالم البلد ووجه الصحراء الموريتانية بما يفيد، كما أن له مساهمته الإيجابية في الحد من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية التي تنجم عن التصحر وارتفاع درجات الحرارة حيث تؤدي الشجرة دور توازن بيئي غير عادي في الطبيعة وهو ما يفرض علينا العناية بها والتركيز على مثل هذه المشاريع الهامة جدا.
قد يقول البعض إن الأمر لا يكتسي طابع الاستعجال عكس الاحتياجات الأساسية للمواطنين من غذاء ودواء وسكن لائق وغيرها من أساسيات الحياة، وأنا أوافقهم الرأي، لكنني أعتقد أن كل هذه القضايا يمكن أن تنجز وأن تتجسد متزامنة فليست مكافحة التصحر والمد البحري وتشجير الصحاري وحماية المدن من الاندثار بالأمر الذي يجوز التهاون فيه أو تأخيره، فهو أمر يعد من الأولويات التي يجب أن يشرع في تنفيذها مباشرة إذ كل ما ينفع الناس ويمكث في الأرض لا يقبل التأجيل وخاصة إذا كان نفعه للجميع.
ثم إن القول بأن التشجير مثله مثل تعبيد الطرق وتجهيز المستشفيات يعد أمرا غير ذي أهمية قياسا بأولويات المواطنين الأخرى، هو قول لا يخلو من مغالطة وتسييس، فأولويات المواطنين برأيي هي في توفير الغذاء والدواء والتعليم والسكن اللائق وحمايتهم من مخاطر الكوارث البيئية والتغيرات المناخية وغيرها ويخضع ترتيب الأولويات لمعايير بعينها وليس لأهواء السياسيين من معارضة أو موالاة، فالأمر هنا يتعلق بقضايا وطنية تهم الجميع وتستهدف الجميع، فليست الشجرة للموالاة فحسب تماما كما أن المستشفيات والمدارس والمساكن ليست للموالاة فقط إذن فلا يجوز تسييس مثل هذه القضايا التي تهم المواطنين في الصميم.
وأعتقد أن التشجير مثل تعبيد الطرق وتوسعتها وغير ذلك من تشييد البنى التحتية والمنشآت يعتبر من أولويات التنمية التي لا يجوز التفريط فيها أو تأجيلها تحت أي ظرف من الظروف.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد