AMI

الفساد الاجتماعي الأخطر بقلم/ المختار السالم: elmoctar@gmail.com

في الدراسة التي نشرت الأسبوع الماضي، وشكلت صدمة للرأي العام العربي، كشفت الأرقام أن ثلث مداخيل الدول العربية مجتمعة تذهب جراء الفساد، والثلث الثاني في السلاح، والثلث الثالث في البنية التحتية، ويعني هذا أن 70% من المال العربي لا تستفيد منه التنمية.
ورغم ذلك شكك الكثيرون في دقة الرقم المتعلق بالفساد، وذهب بعضهم إلى أن 80% من المال العام يذهب جراء الفساد في الأغلبية الساحقة من الدول العربية.
ولا يخفى على أحد أن الفساد هو الفساد فقط، وتحت أي لافتة ظهر، لكنه أصناف أيضا بحسب الاقتصاديين، وأضراره متباعدة الأثر، إذ لا يتساوى الضرر في الحالتين التاليتين مثلا: شخص سرق مليون دولار وأنشأ به شركة في بلده، وشخص آخر سرق مليون دولار وأودعه في الخارج أو أنفقه كتكاليف لمتابعة أفراد أسرته لمونديال سابق.
في الثامن من الشهر الجاري سمعت الوزير الأول يقول للنواب في البرلمان إن بعض الوزراء كان يدفع فاتورة طبيب أسنانه من المال العام.
ولم تفاجئني هذه المعلومة أبدا، بل لعل أي شيء يخطر على البال لا يفاجئ المواطن الموريتاني إذا تعلق الأمر بأصناف الفساد، ومنها فواتير الملايين التي تصرف على “النعناع”، وملايين الملايين التي كانت تسجل كفواتير لتكاليف “الكِباش المشوية” في دعوة ضيوفنا، والسيارات الحكومية التي ترعى قطعان الإبل والغنم، والأعلام الوطنية التي ترفرف على سفن صيد أجنبية لأن وجيها موريتانيا أجر رخصة صيد “ولا هم يحزنون”.. وغير ذلك.
لا يمكن التكهن بحجم الفساد الذي مورس في هذا البلد، الفساد على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، أي الفساد الشامل.
ومن طريف الأمور أن المواطن الموريتاني اليوم يعتبر إيقاف الفساد مجرد مزحة أو محاولة محكومة بالفشل مهما كانت نية صاحبها. ومرجع ذلك إلى ما شاهده هذا المواطن طوال خمسين سنة الماضية من استخفاف بعقله قبل بدنه، ومن عمل مسرحي ممجوج غطى على عملية هدم الكيان الوطني من كل أساس.. وهكذا شاعت ثقافة الفساد، بل وتحولت إلى بطولة وسبيل للمجد والنبل الشخصي.
ومن المؤلم أن الفساد في البلد وصل حدا لم يصله في أي بلد في هذه الدنيا، حتى في جنسية البلد، وفي قيمه الحضارية، وكأن البلد ابتلي بقوم ناقمين على وجوده أصلا يسعون للقضاء عليه وتحويله إلى رماد تذروه الذكريات.
ما هي أسباب هذه العاهة وتفشيها في مجتمع مسلم، وما هي أسباب سكوت “الأغلبية الصامتة” من هذا الشعب على هدر مواردها وخنقها حتى الموت، بل كيف نفسر عملية “الفرجة” على تفكيك البلد والاستهزاء به إلى هذه الدرجة من طرف أبنائه.
لقد قرأت الكثير مما كتب في هذا المجال، ويخيل إلي أن هناك ما هو أبعد مما ذهب إليه الكثيرون من أسباب مباشرة وغير مباشرة كنظرة المجتمع الموريتاني نفسه للدولة ذاتها وهي النظرة الموروثة عن “دولة الاستعمار”، وكذلك الطاقم الإداري الأول للدولة وغير ذلك.
يخيل إلي أن هناك “تصادما” اجتماعيا، حاول كل طرف من خلاله الوصول إلى أهدافه “الإستراتيجية” عبر إضعاف كيان الدولة الموريتانية.
وهذا “الصدام الاجتماعي” لم تحيّد مخاطره بعد، بل إنه ينمو كالفطر في عقول أوساط وشرائح واسعة من المجتمع، حتى أنه أخطر في أوساط المتعلمين والمثقفين، وهذا ما يخيف بحق.
والخلاصة هنا أن آلية مكافحة الفساد الاجتماعي والسياسي يجب أن تعمل بالتوازي مع آلية مكافحة الفساد المالي والإداري، إذا أراد صانع القرار الموريتاني حقا أن يصل إلى نتائج مبهرة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد