AMI

تجسيدا للاستقلال…

بقلم: أحمد ولد مولاي امحمد
a.moulaye.md@gmail.com
قرأت باهتمام بالغ ما كتبه قبل أيام أحد زملائي من الرعيل الصحفي الأول الذي احترمه كثيرا، في مقال عن موريتانيا وفرنسا تحت عنوان “نحن وفرنسا”، وهو في الواقع مقال بالغ الأهمية حاول فيه كاتبه المحترم أن يحملنا على تناسي الإرث الاستعماري والانطلاق نحو تأسيس علاقات جديدة بعيدة عن الماضي الاستعماري والمآخذ عليه.
وتضمن المقال المذكور ما أعتقده مبالغة في وصف خصوصية علاقتنا بفرنسا وارتباطنا التاريخي والثقافي بها. وهنا أود التأكيد على أنني لست من خصوم هذا البلد الصديق لكنني كتبت دائما عن ضرورة الاعتذار والتعويض عن حقبة الاستعمار في موريتانيا وفي غيرها من الدول العربية والإفريقية والإسلامية، حيث لا يجوز أن نكتفي بتلقي الدعم من الصديقة فرنسا في مقابل تلك الإهانات التي لا تعوض والتي لحقت بنا وبآبائنا خلال حقبة الاستعمار، كما أنني لا أوافق زميلي الكاتب الكبير في قوله: إن الجميع لم يكن ضد حقبة فرنسا، ومبالغته في وصف الثقافة والأدب الفرنسيين اللذين اعتبرهما منهلا ثقافيا أساسيا لنخبنا، واصفا اللغة الفرنسية بأنها من أروع ما تركته لنا فرنسا دون أن ينسى أن لنا لغة وهوية يجب علينا إحياؤهما والمحافظة عليهما، كما وصف الفرنسية بأنها لغة تلاق وانفتاح.
وهنا أستطيع الجزم بأنه لولا الاستعمار لما احتجنا إلى لغة انفتاح جديدة حيث كانت لغتنا العربية تقوم بدور تواصلي رائع وفريد بين مكونات شعبنا المسلم، ولولا المستعمر لبقيت كذلك في كل مكان، لكن مكانتها تأثرت بفعل ثقافة جديدة ولغة جديدة وافدة فرضها المستعمر وأرادها وحيدة في هذا البلد العربي الإفريقي المسلم وفي شبه المنطقة.
لقد أخذت جل نخبنا المعاصرة من روائع الأدب الفرنسي ونهلت من الثقافة الفرنسية التي أخذت بدورها – كغيرها من الثقافات واللغات الأوروبية والعالمية- عن اللغة العربية وعن الثقافة العربية من خلال روائع الترجمات ومن خلال المستشرقين الذين حملوا ثقافتنا العربية وعلومنا الراقية إلى الغرب، وهو أمر لا ينتقص من أهمية النهل من الأدب والثقافة الفرنسيين لأن لكل لغة ولكل ثقافة- رغم التلاقح- ميزتها وخصوصياتها، لكنني لا أستطيع إلا أن أعرب عن خيبة أملي حين أجد- مثلا- بعض نخبنا، التي تحدث عنها زميلي في مقاله، تجيد لغة موليير ولديها كامل الإلمام بثقافته الفرنسية الخالصة ولكن الواحد منها في المقابل لا يستطيع قراءة جملة من اللغة العربية دون أخطاء وهو المسلم والعربي الأصل والمنشأ افتراضا مما يدعو إلى التساؤل: أليس هذا استلابا أكثر منه إلماما بثقافة الآخر وآدابه؟!
كما تحدث زميلي بالأرقام عن الدعم الفرنسي لبلدي- والذي أرجو أن يتضاعف ويتعزز- حيث قال إن فرنسا رصدت حوالي 50 مليار أوقية لموريتانيا منذ 2008، وهو أمر في غاية الأهمية ويعكس اهتمام فرنسا ببلدنا وبإرساء دعائم وأسس علاقات متميزة معه، وهو ما نحترمه في فرنسا الصديقة، لكن حديث الزميل عن هذا الدعم بدا وكأنه يربطه بما يشبه التعويض عن حقبة الاستعمار البغيضة، وإن لم يفصح، وهو ما يدفع إلى التساؤل: هل يمكن لفرنسا بكاملها أن تعوض لحظة إهانة لحقت بأحد شيوخ موريتانيا، وهل كان الموريتانيون فعلا ضد الاحتلال والوجود الفرنسي على أراضيهم كما أكدت ذلك معارك المقاومة التي استمرت حتى نهاية الثلاثينيات أي قبل أقل من 26 سنة على الاستقلال؟ أم أنهم كانوا مع الاحتلال مباركين ومؤيدين؟ أعتقد أن الجواب واضح وصريح ولا يحتاج إلى توضيح أكثر.
إن علاقتنا المتميزة مع الدولة الفرنسية والشعب الفرنسي الصديقين يجب أن تتعزز بما يخدم مصالحنا المشتركة، لكننا مطالبون بالعودة إلى هويتنا وثقافتنا وخصوصيتنا التي تأثرت كثيرا بحقبة الاستعمار وما تلاها، وعلينا أن نعمل جاهدين على أن نبني موريتانيا الجديدة انطلاقا من المحافظة على تميزنا الثقافي دون أن نتقوقع على ذواتنا إذ يجب أن نأخذ من الآخر ونتفاعل معه، وهو ما يعني مثلا أننا مطالبون بإدراج لغات عالمية أساسية في مناهجنا التربوية وفي مقدمتها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والصينية مع فرض اللغة العربية بحيث لا يمكن لأي طالب أن يتجاوز إلى الصف الموالي إذا لم يحصل على المعدل في مادة اللغة العربية التي هي لغة القرآن.
وبذلك نحافظ على هويتنا من الاستلاب والذوبان في الآخر، إذ من العيب أن لا نستوعب مخاطر التبعية والاستلاب الثقافيين على هويتنا العربية الإفريقية الإسلامية خصوصا وأننا سنحتفل بعد أشهر قليلة بالذكرى الخمسين لاستقلال الجمهورية الإسلامية الموريتانية عن الاحتلال الفرنسي.
فهل علينا أن نجسد المعاني السامية للاستقلال الحقيقي الذي يعني بالأساس التميز الثقافي والحضاري واستقلالية القرار السياسي عن كافة أشكال الوصاية والهيمنة والتبعية….

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد