AMI

نحــن وفرنــــسا

بقلم: امبارك ولد بيروك
منذ زمن ليس بالقصير يرتبط ذكر فرنسا في هذه البلاد بمسألة الاستعمار.
ولا يتطلب الأمر منا التفكير مليا في الموضوع إذ أن السنين العديدة المتتالية ساهمت إلى حد كبير في ترسيخ هذه الصورة النمطية.
وكثيرا ما نردد حديثا مرصعا بكلمات ممجوجة تحمل شحنة من الغضب اختفت من الاستخدام ونحن نخالها حديثة فى المعجم اليومي فنظن أننا بذلك نتفجر ثورة كما لا يفارقنا كذلك الصياح بخطابات لاكتها الألسن ونعتقدها رؤية أو فكرا.
أعتقد أننا حين نتحدث اليوم عن فرنسا أو أي بلد آخر يجب أن ننسجم ضمن نسق المنطق. أي أن نعود قليلا إلى الماضي ثم إلى الحاضر حتى نفكر ببصيرة وروية بعيدا عن الأحكام الصدئة والتى تستوطن الكثير منا.
لا أحد ينكر أن الاستعمار كان جريمة وليلا طويلا حالك الظلام إلا أن علاقتنا مع الآخر لا يمكن أن تنبني على وجه واحد من الماضي مهما كانت مأساويته. إن علينا أن نعود فى بعض الأحيان إلى الذاكرة لنستحضر أن قدوم المستعمر وتمركزه في البلاد لم يكن غير مرغوب فيه لدى كل الموريتانيين كما أن الدولة الفرنسية احتضنت هذا المولود الجديد الذي أصبح يعرف فيما بعد بالدولة الموريتانية رغم كل العراقيل والصعوبات التي اكتنفت ذلك.
لقد تمكنا بمساعدة فرنسا من إنشاء دولة حين مضينا فى طموح جنوني يسعى إلى خلق نسيج دولة ونحن قبائل بدوية شتى تتأبى على كل نظام وترفض الانصياع لأية سلطة.
وحين أصبحت الدولة الموريتانية مهددة في صميمها بعد دخولها حرب الصحراء علينا أن نتذكر أن فرنسا تدخلت ساعتها لتنقذ الموقف. كما يجب أن نتذكر كذلك أن التعاون الفرنسي شكل رافدا أساسيا لتنميتنا.
فعلى سبيل المثال منحت فرنسا لموريتانيا ما مجموعه 193 مليون دولار (50 مليار أوقية) على شكل مساعدات للتنمية خلال الفترة من 2008 إلى حين انعقاد الطاولة المستديرة في ابروكسل وهو ما يجعلها الشريك الأول للبلد. ومع أنني وإن كنت اليوم من الذين يشككون بما نسميه التعاون الشمال – جنوب إلا أننى أرى أنه يجب أيضا أن لا يغيب من منظورنا أن نخبتنا تستخدم اللغة الفرنسية في حياتها اليومية وأن اللغة الفرنسية كانت دائما بالنسبة لنا لغة انفتاح، لغة معارف وعلوم، لغة تقدم ومساواة لأننا قرأنا عيون الثقافة والأدب الفرنسيين وغذت فكرنا كما فعلت ذلك بنا الثورة الفرنسية وحتى بلدية باريس.
أعتقد شخصيا أن اللغة الفرنسية من أفضل ما اقتبسناه من فرنسا وأنه في جميع البلدان الإفريقية والمغاربية كانت هذه اللغة شيئا من ذواتنا التصق بحياتنا اليومية.
لقد عبرت هذه اللغة عن الكثير من آمالنا وانفعالاتنا ومشاعرنا واليوم بمقدوري القول- ولست وحدي في هذا الطرح- بأن هذه اللغة هي ملك لنا نحن أيضا. ولا يعني هذا أننا نتنكر للغة أجدادنا وثقافتنا فهذه هي الثوابت التي يتأسس عليها وجودنا ولكننا لا نرى ضيرا من أن نثريها بما نقتبسه من الآخر وبفهمنا لهذا الآخر وتقديرنا لما ينتجه من كل جميل.
إن علاقاتنا اليوم مع فرنسا متشابكة لدرجة أننا نتأثر جدا بحوارها داخليا فنتموقع أحيانا مع اليمين أو اليسار أو نحسب أنفسنا “ديغوليين” أو “ميتراهيين” وكأنما الأمر يعنينا حقيقة. وفى بعض الأحيان وعندما لا تروق لنا السياسة الفرنسية نصرخ بملء حناجرنا ونعبر عن استيائنا كما لو كنا نحن من صاغ تلك السياسة. ونعتب على فرنسا – إفريقيا (التي لا أعرف) وعلى فرنسا بشكل عام كما لو كان لزاما على التاريخ أن ينحني أمام اخفاقات الحاضر.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد