AMI

لماذا لا نأكل السمك ونشرب اللبن بقلم: محمد فال ولد عبد اللطيف

هذه حقيقة يجب أن نقر بها ولا نجامل فيها أحدا.
لا عذر لنا- أهل هذا الصقع- أن لا نشبع ملء بطوننا وننام ملء جفوننا نوم العاطن الآمن فنحن شعب قليل، في بلد خيره كثير، بلى، شعبنا قليل عدده حتى أنه ليقل عن عدد ساكنة مدينة واحدة من غالب مدن هذا العالم الكبير، فنحن في مقياس سكان العالم أكلة جزور، أجل، نحن كذلك ولكن بلدنا يزخر بأنواع الخير مما يقذفه البحر أو ينبته البر، أو يرمي به الجو أو تخرجه الأرض في المعشر المقشر وغير المقشر، ومن المعادن التي لا ريح لها والتي لها ريح.
فهذه- على سبيل المثال- شواطئنا مكتظة بأنواع اللحم الطري، من اخطبوط وشبوط وسردين، وتربين ومليساء وحريشاء، وغيرها من الحيتان الطيبة الطاهرة..
وهذه مواشينا من بهيمة الأنعام تدر في فصل الخريف وغيره من خالص اللبن الأبيض، كميات تضيق عنها الملابن والمحاقن فيكون مآلها إلى أن تراق على الأرض كما تراق الخمرة النجسة..
فلماذا- والحالة هذه- لا نأكل السمك ونشرب اللبن وتساق لنا الدنيا بحذافيرها؟ والله ما أدري.
يبدو أن سمكنا خلق لغيرنا مكتوب ذلك في اللوح المحفوظ حيث لا تبديل ولا محو، وإلا فلم لا نرى هذا السمك يدخل علينا اليابسة إلا لماما، شيئا يسيرا يأتي به الصيادون ذوو العباءات الصفر على الزوارق الخضر، فتتخطفه أيدي الباعة ولم يسد من حاجة السوق أي مسد مع أن في الظروف الصحية التي يهيأ بها ما فيها.
ليس السمك للبداة الرحل، إنما السمك للأجانب هم أهله وهم أحق به، يشترونه رخصا ويأكلونه نيا وكثيرا ما يصبدونه اختلاسا ببواخرهم الصناعية التي تُسِرُّ حسوا في ارتغاء، ولا ندري على التحقيق ما يجري في طابقها الذي تحت الماء، وإنما ندرك منها الجانب البَرَّانِي فقط، ولا تسأل عن وضوحه وشفافيته والتزامه بالتزاماته، فلا صيد البتة إلا بالشبكات كبيرات العيون التي لا تمسك إلا الصيد الكبير البارز وينجو منها أجيال الغد من صغار الأسماك فلا تمسكها إلا كما يمسك الماء الغرابيل، ذلك أدنى أن يحافظ على هذه الثروة النفيسة- كل هذا تلتزم به البواخر الأجنبية وتؤمن به وتقول بموجبه، والله وحده يعلم ما تكن تلك البواخر في صدورها، هذا هو السر في أنا لم نأكل السمك.
أما اللبن فإننا نضيعه في الخريف ونحتاج إليه في الصيف، أفي ذلك شك: إننا ننتج منه سنويا ما يكفينا ويكفي الدول المجاورة لنا والدول المجاورة لها؟ ولكننا مازلنا ضالين عن الصيغة التي يمكن أن نختزن بها هذا الذهب الأبيض لأيام الضراء. أما أنه في بعض ولاياتنا الداخلية يكون للرجل الواحد تسعة وتسعون ضائنة تتبعها حملاتها لا يـأخذ من لبنها نغبة واحدة وإنما يتركها لبناتها لا تفطم حتى تلد أمهاتها الجيل الجديد، أما البقر فلا تسأل عن البقر، يفيض لبنه زمن الخريف حتى أنه لتحفر له الأخاديد في الأرض لقلة من له فيه حاجة.
فيا رجال الأعمال أين مصانعكم؟ يجب عليكم أن تصنعوا شيئا وتعملوا ولا تكتفوا بالقول فأنتم رجال الأعمال لا رجال الأقوال وقديما قيل: إن الناس إلى إمام فعال، أحوج منهم إلى إمام قوال.
ولعل قائلا يقول: هذا اللبن كيف نرده ونحن نستورده؟ وكيف نعلبه ونحن نستجلبه؟
صدق هذا القائل، ولكن هذا اللبن الغربي والشرقي- لو أنصف الدهر- يمكن أن لا نستورده، بلى قادرين على أن نستبدله بلبننا الموريتاني الخارج من ضروع مواشينا فعندنا لذلك القدرة فهل تعوزنا الإرادة؟
إن الوحدات الصناعية النادرة التي برزت حتى الآن لمعالجة الألبان لم تمد يدها إلى الولايات البعيدة عن المركز مع أن تلك الولايات أكثر لبنا وأغزر مادة، وتلك الوحدات قادرة على أن تنالها رحم الله احمد بن الحسين حيث يقول:
ولم أر في عيوب الناس عيبا
كنقص القادرين على التمام
في الحقيقة إن استيراد الألبان الأجنبية يكلفنا الكثير من العملة الصعبة وقد لا تفي بها عابرات سمكنا فنحن ببيعنا السمك واستيرادنا اللبن ينطبق علينا المثل الشهير: لقد باع صنبه حمارا واشترى حمارا، بل أخشى أن تنطبق علينا قصة الطائر المعروف بالرخمة بالخاء المعجمة وتسميها العامة عندنا: عيشه رخمة: زعموا أنها مكثت ستة أشهر تبنى عشا لها بالحشيش فلما أكملته باعته بكمية من الحشيش تكفي لبناء عش لها جديد، فذهب عمل يدها ضياعا.
هذا هو السبب في أننا لم نأكل السمك ولم نشرب اللبن، سبب اقتصادي بحت لا علاقة بعلم الطب ولا بعلم النحو.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد