ربما يكون جيل الرواد والمخضرمون من الزملاء الصحفيين، الذين عاصروا بدايات تأسيس جريدة الشعب وواكبوا خطواتها الأولى، وتعهدوها حتى استوت على سوقها، وأصبحت معلم الصحافة المكتوبة، وكعبة سدنة القلم في هذه البلاد، من ينتظر القارئ تقييمهم لواقعها الحالي، ومقارنته بحقبة النشأة، لاستخلاص الدروس والعبر، من مسيرة أكملت اليوم خمسة وثلاثين حولا، واكبت خلالها الشعب أهم مراحل تأسيس الدولة الموريتانية الحديثة، ومثلت الشاهد الحي والناقل الأمين، في بعض الأحيان لأحداث فارقة، ومحطات مفصلية في تاريخ البلد ما بعد الاستقلال.
ورغم ذلك سأضرب صفحا عن تلك الملاحظات الوجيهة، وأغض الطرف عنها، ولو إلى حين بسط وجهة نظر تروم تسليط أضواء كاشفة وعاكسة لحقيقة واقع صرح إعلامي مهيب، لا أبالغ إذا تجرأت على القول إنه يختصر في تقاليده المهنية وتراكم خبراته عصارة تجربة أجيال بكاملها، من الإعلاميين العصاميين والمثقفين الموسوعيين، الذين عبدوا بإصرارهم على النجاح والتميز الطريق سالكا، أمام طاقم الصحفيين الذين يضطلعون في الوقت الحالي بمهمة إدارة عجلة جريدة الشعب في صمت وهدوء، يخفي وراءه كفاحا أسطوريا، من المعاناة ومقاساة ظروف عمل لا تعبأ أو تقدر كثيرا تضحياتهم في الغالب الأعم.
وجريدة الشعب التي تعتبر إحدى قطاعات الوكالة الموريتانية للأنباء، من الطبيعي أن يتأثر أداؤها سلبا وإيجابا بالوضع العام لهذه المؤسسة العمومية، التي تحدد وترسم التوجه العام للخط التحريري لهذه الجريدة، والذي غالبا ما يميل، حيث مال موقف السلطة القائمة من الإعلام والإعلاميين، وما تتيحه من هامش الانفتاح والحرية لهذا القطاع، دون أن نغفل دور ما يعرف بالرقابة الذاتية، التي كرستها سنين طويلة من أحادية الرأي، واعتبار الجريدة لسان حال السلطة الحاكمة، بعد أن بدأت مسيرتها تصدح بوجهة نظر الحزب الواحد، وتكرس صفحاتها للدعاية لأيديولوجيته الفكرية وبرنامجه السياسي.
والجريدة اليوم تسعى وفق رؤية جديدة تسترشد بمناخ الانفتاح الإعلامي الذي تنتهجه الدولة حاليا، إلى أن تكرس وترسخ ممارسة إعلامية جادة مهنية ومنفتحة، على مختلف الآراء مهما كانت اتجاهاتها، تبني على تراكم خبرات خمسة وثلاثين سنة من الممارسة الإعلامية الملتزمة بضوابط المهنية المسؤولة، وبخبرات طاقم من الصحفيين والفنيين المتمرسين، يعود لهم الفضل في المحافظة على وتيرة عمل الجريدة حتى في أصعب الفترات، التي مر بها هذا الصرح الإعلامي الوطني.
ومهما يكن من أهمية ومحورية انفتاح جريدة الشعب وجعلها مساحة مفتوحة للرأي الحر والمستنير على مختلف الآراء والاتجاهات، ومدها بالوسائل والإمكانات التي تمكن طاقمها من أداء عملهم في ظروف طبيعية وعادية، كما تشي بذلك الإجراءات التي باشرت بها الإدارة الجديدة للوكالة الموريتانية للأنباء، يبقى الرهان الأكبر ومربط الفرس في كل محاولة تنشد تطوير أداء جريدة الشعب متوقفا على مقاربة شمولية في مجال الإعلام العمومي، تبتعد عن التوظيف المرحلي والحلول المفصلة على مقاسات سياقات بذاتها، وتضع نصب عينها كأولوية على ما سواها تحسين وتطوير أداء العنصر البشري الذي يسير الجريدة.
وتعتمد جريدة الشعب في الوقت الحالي على طاقم من الصحفيين والفنيين من ذوي الخبرة والكفاءة المشهود لهم بالصبر والقدرة على التحمل والتعاطي مع ظروف عمل غير مواتية، وأكثر من ذلك على مغالبة النعاس ومداومة السهر، يرددون في الهزيع الأخير من الليل على ألحان الباعوض، “فما أطال النوم بقاء ولا قصر في الأعمار طول السهر”.
ومع أن مدير تحرير الشعب أو مدير الجريدة من الناحية الإدارية الشخصية الأولى في هرم الجريدة، إلا أن الأستاذ (أحمد سالم ولد المختار السالم) كسر بدماثة أخلاقه وقناعته بأن الصحافة زمالة وصداقة وعلاقات إنسانية، قبل أن تكون عسكرة وتسلسلا هرميا من إعطاء الأوامر الجافة المتكلسة، ذلك الحاجز النفسي بينه والزملاء الذين يعملون تحت إمرته، مما كان له الأثر الطيب، وفي نفس الوقت الفعال على انسيابية العمل وسهولة أدائه على الزملاء، الذين أصبحت العلاقات الإنسانية وجو الثقة وروح الصداقة السائدة حافزا آخر يدفعهم لمزيد التضحية في العمل والتفاني فيه.
وإلى جانب هذه البساطة في التعامل مع الزملاء، والتي قد تكون وراء اختياره أمينا عاما لنقابة الصحفيين الموريتانيين، يعرف عن الأستاذ أحمد سالم حبه للنظام والضبط الإداري، وميله إلى تشجيع الكفاءات الجديدة واستعداده للتعاطي معها، وإتاحة الفرصة أمامها لصقل تجاربها وتطوير معارفها المهنية.
كما أهله كونه واحدا من الجيل الثاني من الصحفيين في الوكالة الموريتانية للأنباء، إضافة إلى مؤهلاته العلمية والمناصب التي تقلدها، علاوة على البعد الإنساني في شخصيته المشار إليه آنفا، إلى أن يحافظ على علاقات متميزة مع الجيل القديم أو بالأحرى جيل الرواد وجيل الصحفيين الجديد.
ويجسد رئيس التحرير الأستاذ صالح ولد المامي، المثال الحي على الصبر والعمل في صمت ودون ضوضاء أو صخب وبلا منّ أو أذى، يغبطه عليه كل الزملاء الذين عملوا معه في المطبخ الداخلي لجريدة الشعب على مدى خمسة عشر سنة الماضية، أو جمعتهم وإياه ظروف العمل في مختلف القطاعات الصحفية بالوكالة الموريتانية للأنباء.
فقد أصبح بتفانيه في العمل ومهنيته العالية التي شحذتها تجربته الطويلة في التنقل بين فروع الجريدة المختلفة، والتقدير الذي يلقاه من كل الزملاء الذين عرفوه، إيقونة التضحية في أداء العمل بمهنية عالية وشرف وتواضع يعزان في حقل الإعلام المليء بالطواويس المزهوة المنتفخة بخيلائها الكاذب النخب الهواء.
ومع أن الأستاذ صالح من سكان المناطق الشرقية المعروف عنهم في النكات الشعبية سرعة الغضب والاستجابة الفورية لداعي الاستفزاز مهما كانت درجته ومستواه، إلا أن أستاذنا، يثير حنق شيوخ منطقة “أكيدي” ببرودة أعصابه وصبره الأسطوري على تحمل حماقات وسقطات، وربما استفزازات كل من له سابق ثأر مع جريدة الشعب، أيام كانت لسان حال ومقال السلط ، ووسيلتها للانتصار لنفسها.
وهناك في جزيرة من جزائر الشعب يتربع أمير المساء، السكرتير العام لتحرير الجريدة، الأستاذ جمال ولد إبراهيم بمساعديه وجنوده في سكرتاريا المركزية، يوزع الأدوار ويتفقد الخطوط الأمامية، قبل تسليم الجريدة للطباعة، ولا ينسى أن يضفي على الجو مسحة من المرح والحيوية، التي تكسر رتابة المساء وسكون المكان الموحش، بنقاشات عادة ما يكون بطلها المدقق اللغوي الزميل المصطفى ولد أحمد ولد حبيب الله.
ومن المعروف عن الزميل الأستاذ جمال امتلاكه لحاسة سادسة من الفطنة، والانتباه لأدق التفاصيل والوقوف عند أبسط الجزئيات، ربما تكون تجربته الطويلة في العمل بسكرتاريا التحرير، قد شحذتها وشذبتها لتتحول إلى ديناميكية ونشاط، أعطى لعمله طابعه وخصوصيته المتميزة، وأضفى عليه جوا من الجدية والانضباط، يحتاجه نمط ونوعية العمل الذي يضطلع به.
ومن الزملاء الذين ضحوا وأعطوا من حياتهم الكثير لصالح جريدة الشعب، الأستاذ الزميل محمد الأمين ولد سيدي، مسؤول الديسك الوطني حاليا، وعميد طاقم تحرير الجريدة، وأحد رواد الصحفيين الذين قامت على أكتافهم، وواكبوا مختلف المحطات والمراحل والمنعرجات التي مرت بها مسيرتها على مدى الثلاثين سنة الماضية.
كل هذه السنين الطويلة لم تفقد الزميل محمد الأمين حماسه لقول الحقيقة والانتصار لقضايا يعتبرها عادلة أو على حق، حتى ولو كان ذلك ضد مصالحه أو أقرب الزملاء إليه، يعبر عن آرائه دون تورية وأحيانا بصوت جهوري، يعكس عدم مساومته على ما يعتقد أو يناصر من أفكار وقضايا.
كما يعرف عنه نفوره من التقرب من مسؤولي المؤسسة التي ينتمي إليها، معللا ذلك بمخافة أن تكون هناك شبهة أو مظنة تزلف لمن بيدهم “الحل والعقد”، في زمن يصر الزميل محمد الأمين على أن قيمه تردت وقدمها أصحابها على مذبح الطمع والجشع.
وبالرغم من أن العنصر النسائي في جريدة الشعب دون نسبة ما يعرف ب “الكوتا”، التي تصر ماجداتنا على تشريعها قانونا حامورابيا، يكتب بماء الذهب ويرصع بالجواهر ويحلى بأساور من فضة ويعلق قصيدة من الغزل على أستار السفارات الأجنبية وواجهات المباني الحكومية، فان الزميلة لالة بنت أحمد سالم محررة الصفحة الدولية، بإصرارها على أن تختط لنفسها طريقها الخاص وتميزها في أداء العمل الذي أنيط بها أداؤه، ربما يغفر لجريدة الشعب سهوها ونسيانها في عدم بلوغ السقف أو النسبة المشروطة لبنات حواء.
وتتميز الزميلة لالة من بين طاقم جريدة الشعب بقدرتها على الحياد، وفي الوقت نفسه على الإقناع وتوصيل أفكارها بسلاسة ويسر، دون تكلف أو كبير مشقة، يساعدها في ذلك خلفية ثقافية ترى في تدليل المرأة نوعا من عدم الثقة في قدراتها، يرفضه مجتمع آدرار الذي نشأت في أحضانه وبين واحاته وارفة الظلال.
أما مدققنا اللغوي الزميل المصطفى ولد أحمد ولد حب الله، علما، فمعروف عنه في أوساط أصفيائه وخلصه من زملائه في قسم الماكيت، والعهدة في ذلك عليهم، بمطاردته لخيط دخان عبارة عن قسم للتدقيق اللغوي لا سبيل إلى وصاله ونواله، إلا بقبول شروط تعجيزية يريدون من أستاذنا المصطفى قبولها والبوح بذلك على رؤوس الأشهاد، وهو المعروف بميله إلى عدم التصريح أو الإجابة على الأسئلة الموجهة له بصورة مباشرة،بحيث يثير أحيانا بهذا الهدوء توتر بعض الزملاء المستعجلين.
والأستاذ مصطفى ضليع في اللغة والنحو، وهو ما أهله باقتدار لوظيفة المدقق اللغوي لجريدة الشعب، لكنه مع ذلك كاتب وصحفي من طراز رفيع أبان عن مواهبه عبر زاوية “مصابيح” التي كان يكتبها في مجلة “الموكب الثقافي” التي كانت تصدرها اللجنة الوطنية للثقافة والعلوم.
وقد يتبادر إلى غير المطلعين من القراء، أن الزملاء الذين أفردناهم بالحديث عنهم في هذه العجالة، هم وحدهم الجديرون بالتنويه والإشادة، أو أن طاقم الجريدة منحصر فيهم، متوقف عليهم، والحقيقة أنه لا هذا ولا ذاك، فالمسألة لا تعدو كونها دواعي تمثيل مختلف فروع الجريدة، وأجيال الصحفيين العاملين بها.
فقد أغفلنا الحديث مثلا عن زملاء وزميلات لهم تاريخهم وبصماتهم المشهودة، ليس لازورار في مقاماتهم عن قامات الذين تحدثنا عنهم، وإنما لاشتراكهم في قواسم مشتركة تجعل التطرق إليهم نوعا من التكرار الممل، الذي قد نكون في حل منه.
(أسلوب شيق وصدق والتزام)
عرفته من خلال كتاباته قبل أن أتعرف علي شخصه الكريم.. كتابات تطفح حيوية وتمردا لكنها تضع الأصبع على مكامن الداء.. كتابات لا تحابى ولا تداهن وكأن صاحبها يشهر سيفا بتارا في وجه كل من يحملهم مسؤولية تخلف هذا المجتمع.
خاض من خلال مقاله الأسبوعي في جريدة “الشعب” معركة ضارية ضد الفساد والمفسدين..
أسلوبه الشيق يفرض عليك قراءة كتاباته التي تلمس فيها الصدق والالتزام.
حينما تعرفت عليه شخصيا أعجبت بأخلاقه الفاضلة وهمته العالية.
انه الشاب الصحفي سيدي ولد أب الذي يعد حاليا من ابرز كتاب جريدة “الشعب “.
لقد تألق هذا الشاب في مجال الكتابة مما ينبئ بان له مستقبلا واعد ا.
بارك الله فيه .
وتهانئى له ولكل طاقم “الشعب” في ذكرى ميلادها.
محمد الحافظ ولد محم
الموضوع السابق
“الشعب”: طموح متجدد بقلم : شيخنا بن النني بن مولاي الزين المدير العام للوكالة الموريتانية للأنباء
الموضوع الموالي