انصب نقاش شهدته قاعة الجمعية الوطنية مساء أمس الأربعاء في إطار تخليد اليوم العالمي للصحة العقلية حول أهم القضايا المتعلقة بالصحة العقلية، تعريفاتها المتعددة من وجهة نظر المدراس النفسية المختلفة وكذا أهم العوامل المؤثرة في وجودها وتعامل المجتمع مع المصاب بالمرض العقلي إضافة إلى الطرق المستخدمة في العلاج.
وقد بدأ النقاش بعرض قدمه الدكتور احمد ولد حمادي مدير مستشفى الأمراض العصبية والنفسية بنواكشوط تناول فيه بعض التعريفات الممنوحة لمفهوم الصحة العقلية، مؤكدا أنها أكثر تعقيدا في مفهومها العلمي من المرض النفسي وأنها ليست مجرد خلو الإنسان من الأعراض المرضية الظاهرة التي تبدو للعيان في صورة وساوس أو توترات أو قلق أو هذيان أو اكتئاب بقدر ما تشكل خصائص موضوعية أيضاً تطبع شخصية صاحبها.
وتطرق إلى أهم العوامل المؤثرة في وجود الأمراض العقلية التي تأتي في مقدمتها الثقافة والدين بوصفهما المؤثر الأبرز والمحدد الأساس لشخصية الفرد وكذا العوامل الاقتصادية المختلفة من ظروف وكوارث ومشاكل مادية تلعب هي الأخرى دورها في توسيع دائرة الإصابة بالمرض العقلي.
وأوضح بشأن تقييم واقع الصحة العقلية في موريتانيا أن التحضر السريع غير المقنن الذي عرفته البلاد و تحطم الإطار التقليدي للمجتمع تحت وطأة الثقافة الوافدة للمدينة كان له الانعكاس الأكبر على واقع الصحة العقلية في موريتانيا.
وأبرز أن موريتانيا مرت بمرحلتين مختلفتين في التعامل مع المريض النفسي، الأولى ما قبل العام 1975 واتسمت بتحكم العادات التقليدية من رقية “أحجاب ” و تنجيم ” أكزانة”.
وتميزت المرحلة الثانية بتخرج أول طبيب نفساني موريتاني وتأسيس أول قسم للأمراض العقلية بالمستشفي الوطني إضافة إلى ما تم تحقيقه في المجال وخصوصا إنشاء مستشفى خاص في العام 1990، شكل نقطة تحول في مجال الصحة العقلية بالبلاد ومحركا أساسيا للاهتمام بالمرضي العقليين من قبل منظمات المجتمع المدني العاملة وخلق وعي حيال التعامل مع هذا النمط من الأمراض وضرورة اعتباره كسائر الأمراض الأخرى.
وركز الدكتور صال عصمان احد المتدخلين خلال جلسة النقاش على أهمية الانطلاق من البعد الاجتماعي الثقافي للمجتمع، مشيرا إلى أن توفير الأدوية ووجود البنى التحتية الملائمة والأطباء المختصين لا يكفي لإحراز تقدم في مجال الصحة العقلية ما لم تكن ثمة سياسة علاجية منطلقة من مسؤولية المجتمع عن المصاب.
ودعا منظمات المجتمع المدني والفاعلين في المجال إلى تضافر الجهود التعبوية والمادية للقضاء على المرض النفسي .
وتطرق احد المتدخلين إلى الفوضى وغياب سياسة للدولة بخصوص ميدان الصحة العقلية حتى في مجال التنظيم، مؤكدا وجود عشرات المصابين بالأمراض العقلية في سوق العمل في الوقت الذي يتوفرون فيه على شهادات صحية تثبت خلوهم من الأمراض.
وتناول البعض المشاكل التي يطرحها رفض المجتمع أصلا للمرض العقلي وانعكاس ذلك سلبا على واقع العلاج.
وأشار احد المتدخلين إلى أن الأرقام المقدمة من طرف منظمة الصحة العالمية لا تعكس واقع الصحة العقلية في موريتانيا انطلاقا من التعتيم المفروض على المرض من قبل المجتمع.
وابرز البعض أن القطاع الوصي هو الذي يمثل العائق الأكبر بفعل غياب ما وصفوه بالإرادة السياسية، والوعي لدى المواطن الذي يتجلى في العزوف الملحوظ عن الاستشارات النفسية.
وشارك في النقاش أطباء و متخصصون في مجال الصحة العقلية والأمراض النفسية وعدد هام من الباحثين الاجتماعيين والسياسيين وناشطي المجتمع المدني.