AMI

برنامج التدخل الخاص يستجيب لتطلعات الفقراء

اجتاحت العالم منذ بداية هذا العام موجة من الغلاء لم يعرف لها مثيل من قبل، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية الضرورية، وأسعار الحبوب في الأسواق الدولية بفعل عدة عوامل من بينها الارتفاع المتصاعد لأسعار النفط واستخدام مخزونات القمح العالمية في إنتاج طاقة بديلة وأزمة الرهن العقاري بالولايات المتحدة الامريكية التي يتحكم اقتصادها في مسار اقتصاديات العالم.
وعلى إثر هذا الوضع المقلق، تكررت التحذيرات وتعالت أصوات المنظمات الدولية والخبراء تنذر بوضع غذائي متدهور في مناطق واسعة من العالم، قد تنجر عنها اضطرابات لا يمكن التنبؤ بعواقبها.
وبالتأكيد فإن بلدا مثل موريتانيا لا يغطي إنتاجه من الحبوب أكثر من 24 بالمائة من حاجياته، وتبلغ وارداته السنوية 269 ألف طن من القمح و892ر50 طنا من الأرز يبقى شديد التأثر بهذا الوضع.
فقد انعكست اضطرابات السوق العالمية على موريتانيا من خلال صعوبات تموين السوق المحلية، وأثرت تقلبات الأسعار بصورة سلبية على حياة السكان في البلاد، وأظهرت نتائج المسح الذي قيم به في مارس الماضي حول الهشاشة، خطر انعدام الأمن الغذائي في أغلب البلديات، إذ تبين أن أكثر من 10 بالمائة من سكان الريف يعانون من نقص حاد في الغذاء، بينما تعاني نسبة 19 بالمائة منهم من نقص أقل حدة.
ولم يكن الوضع أفضل بكثير على المستوى الحضري، حيث أشارت التقديرات إلى أن النقص العام للغذاء بلغ 11 بالمائة.
وقد فرض هذا الوضع نفسه على أجندة السلطات الموريتانية ولما تمض سنة على تسلمها لمهامها.
ورغم أن الأجندة كانت مليئة بالملفات الكبرى، مثل ملفي عودة اللاجئين ومعالجة الإرث الإنساني، فقد بادرت إلى أخذ زمام المبادرة وتعاطت مع الأزمة بمستوى مناسب من الجدية والمسؤولية، جسده برنامج التدخل الخاص الذي أعلنه رئيس الجمهورية السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في الأسبوع الأول من أبريل الجاري.
وقد تبنى البرنامج حزمة من الإجراءات لا تقتصر على التصدي للواقع الراهن إلا بقدر ما تحاول الحيلولة دون حصوله في المستقبل.
وانقسمت الإجراءات التي رصد لها مبلغ 712ر28 مليار أوقية، إلى إجراءات استعجالية ترمي في المديين القصير والمتوسط إلى التخفيف من آثار ارتفاع الأسعار وتعزيز الأمن الغذائي والقدرة الشرائية للسكان، وإجراءات بنيوية، هدفها تحقيق مستوى لائق من الاكتفاء الغذائي والحيلولة قدر الإمكان دون التأثر بموجات غلاء الحبوب مستقبلا.
وتتنوع الإجراءات الاستعجالية المدرجة في إطار هذا البرنامج بتنوع المستهدفين بها، فهي تشمل دعم المواد الغذائية وزيادة الرواتب، وضمان تموين السوق، والتحكم في أسعار مواد أساسية في الحياة اليومية للمواطن، ورفع مستوى الأمن الغذائي في البلاد.
ولعل القاسم المشترك بين هذه الإجراءات هو استجابتها لواقع فئات واسعة من السكان الأكثر تأثرا بالفقر من خلال سلة متكاملة من التدخلات.
وتقوم الإجراءات المقررة على نمطين، أولهما يتمثل تموين السوق وتخفيف آثار ارتفاع الأسعار.
ويتجسد هذا النمط أساسا في:
– اقتناء مخزونات كبيرة من المواد الأكثر أهمية، بواسطة تعبئة تمويلات الواردات بحيث تكون متاحة لكافة الموردين، ولهذا الغرض ستتم تعبئة مبلغ في حدود 50 مليون دولار.
– الرفع من قدرات شركة سونمكس على تأمين ضبط السوق والنقل نحو المناطق الأكثر وعورة والأقل منافسة: تسهيل سحب بواقع 4ر3 مليار أوقية، ممنوح من الخزانة العامة للشركة بغية تمكينها من توسيع قدراتها التخزينية والتوريدية.
– إعفاء مادة الأرز من الرسوم الجمركية، بوصفها العنصر الأساسي في غذاء السكان.
– تحديد سقف مؤقت للقيمة المطلقة للرسوم على الواردات المطبقة على القمح والسكر والزيوت الغذائية في مستواها عند 31 مارس 2008، في حالة ارتفاع الأسعار عند الاستيراد عن هذا الحد.
– زيادة دعم الخبز الذي تؤكد التوقعات أنه لن يكلف أقل من 2ر1 مليار أوقية.
– زيادة دعم غاز الطبخ، وخدمات الكهرباء والمياه لمنع ارتفاعها، وهو ما سيكلف مبالغ مالية ضخمة، حيث ستكون زيادة دعم غاز الطبخ في حدود 5ر3 مليار أوقية، فيما ستصل تكملة تحويلات الشركة الموريتانية للكهرباء إلى 5ر1 مليار، وسيتم تبويب مساعدة قدرها 420 مليون أوقية لصالح الشركة الوطنية للمياه.
– زيادة 10 بالمائة من قيمة قاعدة أجور عمال الوظيفة العمومية وإعاشات التقاعد ابتداء من شهر يوليو 2008 وهو ما ينتظر أن يكلف ما يناهز 545ر3 مليار أوقية.
أما النمط الثاني من الإجراءات الاستعجالية، فيتمثل في العون الغذائي واحتياطات التموين، وسيتم ذلك من خلال:
– زيادة المخزون الوطني للأمن الغذائي من مادة القمح بحوالي 17000 طنا، ليفي باستهلاك ثلاثة أشهر.
– تنفيذ برامج الغذاء مقابل العمل الذي ينتظر أن يستفيد منه ما يناهز 463000 شخص، منهم 367000 في الوسط الريفي، و96000 في الوسط الحضري.
– التوزيع المجاني الذي سيقتصر على من هم في أقصى درجات الاحتياج، وليس في مقدورهم الاستفادة من الغذاء مقابل العمل.
ويقدر المبلغ الخاص بهذا الجانب ب 38ر2 مليار أوقية.
وستشفع هذه الإجراءات بتثبيت سعر القمح والعلف بأسعار اجتماعية في عموم التراب الوطني من خلال إقامة شبكة وطنية لبنوك الحبوب تشمل كل القرى التي يبلغ سكانها مائة نسمة.
كما ستعزز بتنفيذ برنامج استعجالي للمياه بغرض تسهيل انتجاع الماشية، وذلك بكلفة إجمالية قدرها 923000000 أوقية.
أما الإجراءات البنيوية في برنامج التدخل فتنطلق من إدراك حقيقة أن الإجراءات الاستعجالية مهما كانت قوتها وضخامة الإنفاق عليها، لا يمكن أن تشكل حلا ناجعا ودائما لمشكل يزداد تعقيده يوما بعد يوم، وأنه لا بد من البحث عن حل دائم لمشكلة نقص الغذاء وارتفاع الأسعار.
وفي ضوء ما تؤكده كل المؤشرات من أن ارتفاع الأسعار الملاحظ اليوم سيكون طويل الأمد، فقد ارتكزت الإجراءات على تحسين القدرة الشرائية للمواطن والدفع بالزراعة المطرية والمروية، بغية الإسهام في نقص تأثير الأسعار على قدرات المواطن في اقتناء المواد الضرورية، والحد من الاعتماد على الاستيراد من خلال الوصول إلى أعلى مستوى من الاكتفاء الغذائي في مجال الحبوب.
ففي مجال تعزيز الحملة الزراعية، سيتركز العمل على الرفع من الإنتاج الزراعي المحلي من خلال استثمار ما يقارب 30000 هكتار مروية، و239500 هكتارا من الأراضي القابلة للزراعة بشتى الأصناف.
وسيجري تعزيز هذا بواسطة تشجيع استخدام بدائل للمواد التي يقع عليها ضغط شديد.
ويتمثل الهدف الأساسي للحملة الزراعية المقبلة في إنتاج 190000 طن، من كافة أشكال الحبوب.
وفيما يخص الزراعة المطرية سيجري التركيز على الاستثمار في مناطق اديجيري التي تزرع عادة 147000 هكتار وفي مناطق فيضان النهر الخاضعة للرقابة (9500 هكتار).
أما فيما يخص تحسين القدرة الشرائية للمواطن فسيتم تطوير الأنشطة التكوينية وأنشطة الدمج، وكذلك الأنشطة المدرة للدخل من أجل تحسين تشغيل الشباب العاطل عن العمل، وإنشاء أنشطة مدرة للدخل.
وفي هذا الإطار سيتم تكوين ودمج 4000 شاب عاطل في إطار البرنامج الموسع عن طريق المؤسسات الوطنية ومراكز التكوين المهني، كما ستمول أنشطة مدرة للدخل لفائدة الشباب من حملة الشهادات، وسيوجه جزء من هذه الأنشطة إلى الحوانيت النموذجية في أطراف المدن الكبيرة، بغية تزويد السكان بالمواد الأساسية بأسعار في المتناول، هذا فضلا عن تأسيس صندوق لترقية تشغيل الشباب، وتوسيع أنشطة الدعم
وإلى جانب ذلك ستنفذ أنشطة مدرة للدخل لفائدة النساء العاطلات والأسر الأكثر احتياجا.
ولتلافي أي خلل قد يطرأ على مستوى التنفيذ فقد تم اعتماد آلية ترتكز على مبادئ الإنصاف، والمشاركة النشطة للمستفيدين، والسعي نحو التكامل بين الأنشطة والإدارة الرشيدة للبرنامج.
ويبقى النجاح في الوصول إلى الأهداف المرسومة لهذا البرنامج، في يد المواطن الموريتاني الذي صمم ونفذ من أجله.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد