أكد السيد سيد محمد ولد الشيخ عبد الله رئيس الجمهورية انه سيقوم بمحاربة حازمة للفساد بكل مظاهره وتجلياته والجريمة المنظمة بكل أشكالها، ومكافحة استعمال المخدرات والاتجار بها، ومواجهة ظواهر الغلو والإرهاب.
وأضاف في خطاب ألقاه اليوم الثلاثاء لدى افتتاحه السنة القضائية 2008 بصفته رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء إن الدين الإسلامي الحنيف يحرم الفساد بكل أنواعه، وفي مقدمته الرشوة، مؤكدا أن الفساد معول هدم لكيان الدولة، ومثارا للفوضى، وعقبة في وجه التنمية.
وأضاف رئيس الجمهورية أن البرنامج السياسي للحكومة يتوخى العمل على بناء دولة القانون، وإضفاء الأخلاق على الحياة العامة.
وفيما يلي النص الكامل لخطاب رئيس الجمهورية:
“بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي الأمين
– السيد الوزير الأول؛
-السيد زعيم المعارضة الديمقراطية
– السادة الوزراء؛
-السيد رئيس المحكمة العليا؛
-السيد المدعي العام لدى المحكمة العليا؛
-أصحاب السعادة السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية؛
-السيد نقيب الهيئة الوطنية للمحامين؛
-السادة القضاة؛
-أيها السادة والسيدات أعضاء الأسرة القضائية؛
-أيها الحضور الكريم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
يطيب لي بادئ ذي بدء أن أهنئ الأسرة القضائية بحلول العام الهجري الجديد 1429 والسنة الإدارية 2008، وبافتتاح السنة القضائية التي يرمز الاحتفال بها إلى المكانة الحساسة والجليلة للسلطة القضائية بصفتها ركيزة أساسية في بناء صرح دولة القانون.
ولا شك أن اختيار: “محاربة الفساد” موضوعا لهذه السنة يعكس اهتمام الأسرة القضائية بمشاركة المواطنين في تطلعهم العميق والمشروع لمحاربة ظواهر الفساد، وصيانة قيمنا الدينية وتقاليدنا الحميدة المبنية على الورع والكسب الحلال والإيثار.
أيها السادة والسيدات
إن ديننا الحنيف يحرم الفساد بكل أنواعه، وفي مقدمتها الرشوة، فقد ورد في الحديث النبوي الشريف:” لعن الله الراشي والرائش والمرتشي”.
وإضافة إلى ذلك، يعد الفساد معول هدم لكيان الدولة، ومثارا للفوضى، وعقبة في وجه التنمية لكونه يحد من فاعلية أداء الإدارة، ويهدد تماسك المجتمع، ويخل بالمنافسة النزيهة، ويحرم الفئات الأكثر فقرا من التطلع لحياة أفضل، ويجعل المال دولة بين الأغنياء.
ووعيا مني بمخاطر تلك الظواهر، أخذت على نفسي عهدا أمام الشعب بمحاربة حازمة للفساد بكل مظاهره وتجلياته. وهكذا تضمن البرنامج السياسي للحكومة العمل على بناء دولة القانون، وإضفاء الأخلاق على الحياة العامة.
وفي هذا الإطار، صادقت بلادنا على قانون للشفافية المالية، بمقتضاه أصبح أعضاء الحكومة والمسئولون السامون في الإدارة ملزمين بالتصريح بممتلكاتهم. وهو إجراء بادرت أنا وأعضاء الحكومة بتنفيذه طواعية، قبل صدور القانون، تجسيدا لعزمنا على رعاية حرمة المال العمومي وبناء الحكم الرشيد. وستتم المصادقة قريبا، إن شاء الله، على إستراتيجية وطنية شاملة لمحاربة الفساد.
وانطلاقا من إرادتنا الواعية والصريحة في إقامة دولة عادلة تصون الحقوق وتكفل المساواة، وتوفر المناخ الآمن للبناء والاستثمار، قررنا العمل على جبر مظالم الماضي، ومحاربة الجريمة المنظمة بكل أشكالها، ومكافحة استعمال المخدرات والاتجار بها، ومواجهة ظواهر الغلو والإرهاب.
ولو كان لمجتمع من مجتمعات الأرض أن يسلم من هذه الظواهر لسلم منها مجتمعنا المسلم المسالم. لكنها ظواهر عابرة للحدود، وهي في بلدنا حالة شاذة، سنواجهها بحزم وصرامة معتمدين على الله سبحانه وتعالى، متسلحين بفهمنا الصحيح لديننا الحنيف، وبقضائنا المستقل العادل، وبقواتنا المسلحة وأجهزة أمننا، وبإجماع شعبنا ووعيه ويقظته، وبكل ما أوتينا من قوة وحكمة، لنصون الأرواح والممتلكات المعصومة، ولنجعل بلدنا بلدا آمنا مطمئنا سائرا في معارج الرقي والعزة بإذن الله وبعونه وتوفيقه.
وأود هنا أن أتوجه بالشكر إلى البلدان الشقيقة والصديقة التي تعاونت معنا في مكافحة الجريمة المنظمة وإلى تلك التي أعادت إلينا، أحرارا، مواطنين كانوا رهن الاعتقال أو السجن خارج بلدهم، بمن فيهم مواطن كان معتقلا في غوانتانامو. كما أؤكد عزمنا على العمل الجاد لجعل موريتانيا، كما كانت وكما ينبغي أن تكون دائما، واحة أمن وسلام وسكينة ورخاء لمواطنيها وضيوفها.
أيها السادة والسيدات،
لا يخفى عليكم أن مواجهة ظواهر الفساد وسائر التحديات المذكورة تتطلب تضافر جهود السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية ومؤسسات المجتمع وقواه الحية. وعلى الفاعلين الاقتصاديين وسائر المواطنين أن يمتنعوا عن تعاطي الرشوة وأن يساهموا بجد ومسئولية في محاربة ظواهر الفساد والغلو والانحراف. كما أن للقضاء بشكل خاص دورا أساسيا في هذه المعركة.
ونحن عازمون على أن نوفر لقضائنا الظروف الضرورية لإنجاز مهمته على أحسن وجه، بما يقتضيه ذلك من تعزيز استقلاليته وفعاليته، ومن الاحترام الصارم لمبدأ فصل السلطات. وستشهد الامتيازات الممنوحة للقضاة زيادات منتظمة ومعتبرة كما ستتحسن الظروف المادية لكتاب الضبط.
أيها السادة والسيدات ،
إن نجاح العدالة في محاربة الفساد رهن بالتطبيق المنهجي والمحايد والصارم لأحكام القانون، وبأداء العاملين في الحقل القضائي لواجباتهم المهنية والأخلاقية، وبسهر القضاة على أن يرقى أداؤهم باستمرار إلى المستوى المثالي الذي تقتضيه عظمة الأمانة المنوطة بهم. وكلنا ثقة في الاستعداد الكامل لدى العاملين في الحقل القضائي لمواجهة الفساد الذي يشكل في نهاية المطاف نفيا لمبدإ العدل نفسه، ذلك المبدأ الذي لا مبرر لوجود السلطة القضائية سواه.
ولنا كذلك الثقة الكاملة في قدرة شعبنا الموحد والواعي بمسؤولياته التاريخية على مواجهة التحديات والتحلي بالجد واليقظة والمثابرة لتحقيق طموحاته المشروعة في حياة كريمة ومزدهرة.
وفي الأخير، أعلن على بركة الله افتتاح السنة القضائية 2008 .
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.
وتطرق رئيس المحكمة العليا والمدعي العام والمتحدث باسم القضاء ونقيب سلك المحامين إلى ظاهرة الرشوة والوقاية القانونية منها ومعالجتها.
وأكد السيد محمد ولد حناني رئيس المحكمة العليا في هذا الصدد أن وضعية الموظف أو القاضي متواضع الدخل مع النية المبيتة للمواطن في البحث عن الوسائل مهما كانت من خلال منظور مصالح ضيقة لتحقيق هدف منشود، تشكل تربة خصبة لظاهرة الرشوة.
وأضاف أن للرشوة أسبابا عديدة لا يمكن حصرها وأن دوافعها تختلف من فرد لآخر كما هوالحال بالنسبة لجميع الظواهر الاجتماعية والنفسية.
وأشار إلى أن تعقيد النصوص التنظيمية وطول وبطء الإجراءات وانعدام الشفافية في تسيير المال العام وتدني دخل المعرضين للرشوة مع ماينجر عن ذلك من صعوبة ظروفهم المادية والضغوطات المعنوية التي يتعرضون لها مع ضعف الوازع الديني وأزمة القيم الأخلاقية، كلها أسباب تساعد على تفشي هذه الظاهرة.
وقال أن منظمة “الشفافية الدولية” لخصت آثار الرشوة على المستوى الإنساني بأنها تحد من مسيرة التنمية وتحرفها عن مسارها وتساهم قي تصاعد خروقات حقوق الإنسان.
وأوضح أن الوقاية من الرشوة تتطلب دفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية وإزالة العقبات في وجه الاستفادة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية،وخلق الظروف الضرورية لمراعاة الشفافية وإلزامية المساءلة في تسيير المال العام والخاص،وبإشراك المجتمع المدني في الوقاية من هذه الظاهرة.
وأضاف أن تامين نجاح معالجة ظاهرة الرشوة يحتم تبني سياسة صارمة لمكافحتها بالتوازن مع سياسة محاصرتها ومواجهتها الإستباقية،من خلال تفعيل أجهزة الرقابة سواء منها تلك القضائية كمحكمة الحسابات أو غير القضائية المفتشية العامة للدولة المفتشية العامة للمالية والرقابة المالية على مستوى القطاعات الوزارية المفتشية العامة للإدارة القضائية والسجون .
وبدوره أوضح السيد شريف المختار باله المدعي العام لدى المحكمة العليا أن الرشوة من أخطر الأمراض على المجتمعات لما تسببه لها من خراب وتدمير للبنية الاقتصادية والاجتماعية وتحطيم المنظومة الأخلاقية.
وأضاف ان الرشوة اقتحمت الكثير من جوانب الحياة في المجتمعات وخصوصا في العالم الثالث منذ نشأة الدولة العصرية، وان التشريعات قامت بوضع آلية لمحاربتها بدءا بتجريمها وانتهاء بإنزال العقاب بمقترفيها، لما تخلفه من آثار سلبية على الحياة العامة.
وأضاف ان على القضاء وأعوانه بذل مجهود غير مسبوق في هذا المجال ردعا لهذه الجريمة القذرة،مع مراعاة ان قيام الدليل على ارتكاب الرشوة من الصعوبة بمكان وهو ما تؤكده قلة المتابعات في هذا المجال ،إذ لم يعرض على القضاء سوى ثلاث حالات متفاوتة تتعلق بالرشوة.
وأكد الأستاذ احمد ولد يوسف ولد الشيخ سيديا نقيب المحامين في كلمة له بالمناسبة أن اختيار موضوع الرشوة كموضوع لافتتاح السنة القضائية الجديدة يعد تتويجا للخطوات الهامة التي قطعتها البلاد في سبيل مكافحة هذا الداء الخطير.
وطالب بتذليل الصعوبات الإدارية والمالية التي تعرقل تنفيذ الأحكام النهائية الصادرة ضد الدولة والحائزة على قوة الشيء المقضي به ،والموجودة حاليا عند وزارة المالية تنتظر التنفيذ دون فائدة.
كما طالب بالعمل على تعديل قانون المحاماة بما يضمن تدخل المحامي في جزء من أعمال التوثيق من أجل تعزيز الأمان القانوني للمعاملات في المجتمع من جهة،وتحسين المستوى المادي للمحامين من جهة أخرى، داعيا إلى إصدار وتوقيع النظام الأساسي لكتاب الضبط، وتقنين وترسيم تعرفة المصاريف القضائية.
كما طالب نقيب سلك المحامين باسم الهيئة الوطنية للمحامين باتخاذ الإجراءات الإدارية والدبلوماسية التي تضمن عودة موريتانيين مازالا يقبعان في سجن غوانتنامو،مبرزا ان تجربة الدول الأخرى أظهرت بان استعادة الدول لرعاياها من ذلك السجن يتطلب تدخلا منتظما ومستمرا.
وبدوره أكد القاضي محمد ولد محمد محمود في كلمة باسم القضاة ان الإدارة تعتبر أحد أوكار الرشوة المفضلة وبإخضاعها لإصلاح وإعادة تنظيم مناسبين، يمكن من تمهيد الطريق أمام الإجراءات الوقائية من الرشوة.
ودعا إلى إعادة هيكلة الوظيفة العمومية وأجهزة التسيير والرقابة المالية .
وأشار إلى أن ميدان إبرام الصفقات العمومية يعد مرتعا للرشوة على نطاق واسع وفي أكثر البلدان توفرا على وسائل محاربتها.
وأشاد بالجهود التي بذلتها الدولة في مجال محاربة الرشوة من خلال استحداث لجنة مركزية للصفقات ولجان مقاطعية وبلدية انيط بها السهر على احترام ترتيبات وإجراءات عرض المناقصة وإبرام الصفقات العمومية، وإعلانها في وسائل الإعلام ونشر قرارات منحها والتنظيم بصفة مسبقة لشروط المشاركة.
وجرى حفل افتتاح السنة القضائية بحضور الوزير الأول السيد الزين ولد زيدان ورئيس المعارضة الديمقراطية والوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية ووزير العدل وأعضاء الحكومة وقائد الأركان الخاصة لرئيس الجمهورية وشخصيات سامية في الدولة والسلك الدبلوماسي وممثلي المنظمات الدولية وجمع من القضاة وأعوان القضاء .