في الجنوب الغربي على الحدود مع الجارة السنغال، وجدت جوهرة قل نظيرها وعز وجود شبيه لها على طول خارطة البلد، جوهرة تعانق فيها الطبيعة سماء الأنهار وتغازل بحياء أمواج البحار الهادئة هدوء ليل المنطقة ونسيمها العليل، في جو يتسم باللطافة والعذوبة، جو يتيه فيه الزائر لجمال المنظر الذي لم يألفه في المعتاد، منظر يبهر الزائر بجمال المنطقة الأخاذ والطبيعة الساحرة وهدوئها المميز، مما أضفى عليها رونقا خاصا أكسبها بجدارة واستحقاق، التربع على عرش الجمال في المنطقة.
في الرابع عشر يناير من سنة 1991، وبموجب المرسوم الوزاري رقم 91/005، تم إنشاء المحمية الوطنية لجاولينك على مصب نهر السنغال، وتتبع إداريا لولاية اترارزة، وتحديدا مركز انجاكو الإداري التابع لمقاطعة كرمسين.
شكل تناوب مياه البحر المالحة ومياه النهر العذبة من النهر في المنطقة نمو عينات من الأشجار النادرة ووفرة في المراعي الدائمة، مشكلة بذلك نظاما بيئيا متكاملا جعل اليونسكو تعتمدها كمحمية عابرة للحدود في إطار برنامج “الإنسان والبيئة”.
وتغطي المحمية مساحة قدرها 16000 هكتار، تم تصنيفها سنة 1994 كمنطقة رطبة ذات أهمية دولية بموجب اتفاقية “رامسار”، ليتم إدراجها سنة 2005 كمجال حيوي عابر للحدود بالإضافة إلى محمية ادجود في السنغال.
ويقدر عدد سكان المحمية ب 12322 نسمة يتوزعون على أكثر من 15 قرية، كما تتكون المحمية من ثمانية أحواض طبيعية هي: آفطوط، وشط اطبول، وانديادير، وجاولينك، وتيشيليت، وبل، وجمبر، وانتلاخ، وكيلوبو.
وتمتلك المحمية مناظر طبيعية خلابة ومتنوعة من السباخ المالحة والغابات، كما لها شاطئ من أجمل الشواطئ المطلة على المحيط الأطلسي، إذ يمكن للزائر الاستمتاع بالبحر من جهة والرمال البيضاء من جهة أخرى وأشجار النخيل وغير ذلك من المناظر الطبيعية الخلابة والساحرة.
ومن ناحية التنوع البيولوجي أو الإحيائي فإن المحمية تتوفر على تنوع الأصناف الحيوانية والنباتية من جهة، كما تتوفر على تنوع الأوساط البيئية من جهة ثانية، ومن أهم العوامل التي ساعدت في التنوع البيولوجي في المحمية هو اختلاف واختلاط المياه المالحة بالمياه العذبة، مما زاد من أهمية الحياة النباتية والحيوانية، واستفادة الساكنة لاعتمادها على الموارد الطبيعية بالمحمية.
وقد اشتهرت محمية جاولينك على المستوى العالمي بتنوعها الإحيائي الغني بالأصناف المختلفة من النبات والحيوان، إذ تتواجد بها العديد من أنواع الطيور والبرمائيات والحشرات والزواحف والثديات وأسماك المياه العذبة والمالحة والمياه قليلة الملوحة.
وتستقبل محمية جاولينك سنويا أكثر من 300 ألف من الطيور المائية والقارية من بينها 92 نوعا تستخدم المنطقة للعيش، وقد تمت استعادة التنوع البيولوجي بصورة مذهلة، إذ عاد الكثير من الطيور التي اختفت تماما من المنطقة بعد بناء سد دياما في الثمانينيات، وبما أن الطيور تعتبر ثروة طبيعية مهمة في المحمية وتلعب دورا هاما في النظام البيئي الوطني، فقد لوحظ أكثر من 250 نوعا في المحمية بعضها مستوطن بشكل دائم والبعض الآخر يتوافد بغرض التكاثر والبقية تأتي في مواسم الهجرة الكبرى.
أما من حيث الثروة السمكية في المحمية، فقد وفرت الدراسات المتوفرة من إحصاء 94 نوعا، وبها 39 عائلة من أسماك المياه المالحة والمياه العذبة في جاولينك، أما الثدييات فيوجد منها 20 نوعا، ويمكن مشاهدة الخنزير البري طوال اليوم، في حين يتم رؤية ابن آوى الذهبي والثعلب والقط والنمس خلال الليل.
وقد تم إحصاء ما لا يقل عن 14 نوعا من الزواحف والضفادع، كما تحتوي المحمية على العديد من أنواع الحشرات والرخويات والقشريات، كلها تلعب دورا هاما في التوازن البيئي والتنوع الحيوي.
أما من حيث التنوع النباتي، فإن منطقة دلتا نهر السنغال ومحمية جاولينك تتواجد بها 32 نوعا من النباتات الخشبية و128 نوعا من النباتات العشبية، وقد شهد الغطاء النباتي والتنوع النباتي تراجعا بسبب تأثيرات المناخ.
وبفضل الحفاظ على التنوع البيولوجي فإن ساكنة محمية جاولينك استفادوا من بيئتهم عن طريق الوصول إلى الأنشطة المدرة للدخل وتلبية احتياجاتهم الغذائية، واستعادة توازن النظام البيئي في المحمية، مع تجدد المراعي والثروة السمكية وعودة الحياة البرية والنباتات ذات الاستعمالات المتعددة.
وتتميز محمية جاولينك بتواجد صيادين تقليديين عرفوا بمزاولة مهنة الصيد وممارسة تقنياتها منذ عشرات السنين، ويعتمد وجود هذا النشاط الاقتصادي الهام، الذي يساهم في معيشة مئات الأسر، على تدفق المياه العذبة من النهر بشكل دوري، والذي تشرف عليه منظمة استثمار نهر السنغال بالتعاون مع المحمية.
ومن حيث الأنشطة المدرة للدخل، فإن عملية قطف وجمع سيقان نبتة تشانت تعتبر من أهم الأنشطة المربحة للتعاونيات النسوية، كما تسهم في ازدهار الصناعة التقليدية الوطنية، وتعتبر الحرف مصدرا مهما لساكنة المنطقة، خاصة من فئة النساء اللواتي يمارسن هذا النوع من الأنشطة الحرفية في القرى، وتتمثل الحرف التقليدية في تصنيع وبيع حصائر “تشانت” ودباغة الجلود باستخدام حبات القرظ “الصلاحة” ويتم إنشاء الحصائر عن طريق عملية تشاركية تسمى “اتويزه”، إضافة إلى ممارسة بعض النساء للخياطة والصباغة.
أما من ناحية الجانب الزراعي لمنطقة جاولينك فإن المنطقة مواتية للزراعة، خصوصا تطوير البستنة في ظل وفرة المياه العذبة، إذ يمكن ممارسة الزراعة على مدار العام مع فوائد عالية الربح، حيث يتم شحن غالبية الإنتاج الزراعي للمحمية للبيع في انواكشوط، ومن أهم الخضروات الرئيسية التي تتم زراعتها في البساتين هي الملفوف، واللفت، والبصل، والبنجر، وتتركز الحدائق في بو حجرة، وبيرت، والزيرة.
أما من الناحية الرعوية، فإن المحمية تزخر بسهول وكثبان قارية تمتاز بجودة مراعيها وغزارتها، ويمارس فيها النشاط الرعوي على نطاق واسع في منطقة الدلتا وذلك عائد بالأساس للمناخ المناسب، كما أن أحواض جاولينك وبيل لديهم إمكانيات جذب قوية للثروة الحيوانية من خلال المراعي الخضراء الشاسعة.
وبفضل الإستصلاحات المائية التي أنجزت في المحمية وعودة التساقطات المطرية إلى معدلاتها السابقة، فقد عاد الغطاء النباتي مجددا واخضرت البراري واعشوشبت، وتكاثرت الثروة الحيوانية، مع انتاج الألبان واللحوم مما يعود بالنفع الكبير على السكان.
وتعتبر السياحة مصدرا هاما للدخل، ويلاحظ الزائر للمنطقة تزايد أعداد السواح القادمين من بلدان مختلفة لزيارة المحمية والاستمتاع بمناظرها الخلابة وجوها الهادئ، مع مشاهدة أسراب الطيور بعينات مختلفة وهي تحوم حول الماء، وتكاثر أعداد الخنزير البري الذي لا يخطئ الزائر مشاهدته طول النهار.
وتمتلك المنطقة عوامل جذب مختلفة وبها مقدرات سياحية فريدة مما يجعلها وجهة سياحية هامة في الحاضر والمستقبل، ومن أهم عوامل الجذب السياحي بالمنطقة، كثرة الطيور وتنوع المظاهر الطبيعية والقيمة التاريخية والمواقع الأثرية والمناخ اللطيف، إضافة لكونها منطقة حدودية.
وتهدد التغيرات المناخية بإحداث تغيير كبير في المناخ بفعل ما يسمى بظاهرة الاحتباس الحراري ويمكن أن يسبب هذا التغيير أضرارا كبيرة كارتفاع منسوب مياه البحر واستفحال الظواهر الجوية المتطرفة كالجفاف والفيضانات والأعاصير إضافة إلى تدهور الغطاء الغابوي وتهديد ديمومة موارد المياه العذبة والتصحر وفقدان التنوع البيولوجي وتسبب الأمراض كالملاريا.
تقرير: محمد يحظيه سيدي محمد