بلادي وإن جارت علي عزيزة
وقومي وإن ضنوا علي كرام
***
بيت عربي قديم.. حمل شحنة دلالية عميقة.. كشفت ما يضمره صاحبه من محبة ووفاء لوطن احتضنه وعشيرة ألفها على مر الحقب وتعاقب الفصول، مهما قست ظروفها.. أو اعتدت عليه بنابها.
شعر لخص علاقة وجدانية حميمة بين شاعر العروبة بوصفه حامل ضمير أمة أنجبت، وأرض أظلت، وبيئة اكتنفت، فكان في سبيلها أكثر صفحا.. ومع سكانها أشد تسامحا.. وفي هواها أكثر عشقا.
***
وسعيا منه للتعبير عما يجول في خلده.. اتخذ الشاعر من الفصل بجملة الشرط “وإن جارت علي” بين المتلازمين أصلا: المبتدأ: “بلادي”، والخبر: “عزيزة” وسيلة لفظية لتأكيد قناعة لديه، مؤداها أن المثبطات والمنغصات مهما تعاظمت، وبأي لون تلونت لا تنقص من منسوب حبه لبلاده مثقال ذرة، ولا تنال من وفائه لها أي مقدار.
***
في وقت عكس الشطر الأول كذلك درجة استعداد الشاعر للتضحية بالمصالح الشخصية الضيقة، بل وتحمله الأذى في سبيل الشأن العام والمصلحة العليا للبلد.. خالعا صفة “الكرم” المحببة على قومه باعتباره وساما يستحقه دون قيد أو شرط كل من يشاركه الانتماء، بغض النظر عن سلوكه غير المحبذ مع الأفراد.
***
فأين نحن من هذا الشاعر؟ وكيف يمكننا أن نتأسى به؟ وهلا جاريناه في نظرتنا للرموز الوطنية، وصيانتنا للسيادة ونحن من أهل الشعر إنتاجا وحفظا وتذوقا؟.. أم أن النداءات الداعية إلى الاهتمام بالعلوم الحقة ساهمت في جعل الذائقة العامة تنفر من كل ما يمت للشعر بصلة؟
إن علاقة المرء بأرضه التي عبر عنها البيت إنما هي علاقة أزلية.. تصل المرء بماضيه وتربطه بحاضره.. ليخلده الشعر في مدونته المتوارثة، كما جاء في المقطوعة التالية:
بلادي هواها في لساني وفي دمي
يمجدها قلبي ويدعو لها فمي
ولا خير فيمن لا يحب بلاده
ولا في نعيم الحب إن لم يتيم