ألقى العقيد اعل ولد محمدفال رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية ، رئيس الدولة مساء اليوم السبت أمام سكان مدينة لعيون ضمن زيارة الاتصال والاطلاع التي يؤديها لولاية الحوض الغربي خطابا دعا فيه جميع المواطنين الي التصويت بأغلبية ساحقة في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية المقترحة في 25 يونيو 2006.
وأكد رئيس الدولة ان البلاد قطعت منذ تغيير الثالث أغسطس 2005 أشواطا كبيرة علي طريق الإصلاح السياسي وإرساء دولة القانون.
وقال رئيس الدولة ان الهدف الأساسي من هذه الزيارة هو اطلاع المواطنين على أهمية إنجاح التعديلات الدستورية المقترحة مبرزا أهميتها لمستقبل البلاد السياسي وما يعنيه فشلها لا قدر الله لمشروع الإصلاح السياسي الجاري تنفيذه وان البعض قد لا يدرك أهميتها في هذا الإطار…
وهذا نص خطاب رئيس الدولة أمام سكان مدينة لعيون:
“بسم الله الرحمن الرحيم
السادة الحضور
أيها المواطنون
أيتها المواطنات
السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته،
اسمحوا لي في البداية ان أقول لكم بأنني فخور بالشعب الموريتاني وبطبقته السياسية كما انني فخور- وكما قلت أمس في النعمة – بأننا قطعنا أشواطا كبيرة نحو ما كنا نصبو إليه خاصة حينما انظر الي مستوي الحضور علي هذه المنصة.
ذلك اننا كنا نعيش بالأمس وضعية خاصة تتسم بقطيعة تامة بين الشعب علي مختلف مستوياته أفرادا وأحزابا سياسية.
اما اليوم فقد اصبحنا في وضعية سياسية مغايرة، وهي الوضعية التي يعكسها هذا الحضور الذي يضم مختلف رؤساء الأحزاب السياسية الذين جاؤوا من اجل قضية وطنية تم التشاور معهم عليها.
هذه القضية هي التي جئت اليوم إلي مدينة لعيون لأحدثكم عنها واشرح لكم إبعادها ومدي أهميتها الا وهي قضية الاستفتاء علي الدستور الذي سيجري يوم 25 يونيو 2006.
وبما ان البعض لايدرك أهمية هذا الاستفتاء فأنني اود أن اؤكد علي ضرورة التصويت بكثرة لصالح الدستور وبنسبة مشاركة عالية.
وأقول لكم بأنه بدون المصادقة علي هذا الدستور وباعلي نسبة مشاركة نكون قد فشلنا في مشروعنا السياسي الذي يضمن تطور وازدهار البلاد.
ان الفشل في هذا المشروع يعني العودة بعيدا إلي الوراء وهو ما سيكلفنا ثمنا غاليا.
ولابد من طرح السؤال التالي: لماذا يعتبر هذا الدستور مهما جدا ؟
لقد خضع الدستور لتعديلات جوهرية هي التي علي أساسها سنقيم نظامنا السياسي الجديد.
ولامناص من التاكيد في هذا المنحي انه بدون وجود هذه التعديلات سيظل الخلل السياسي قائما وسنظل معرضين دوما للعودة إلي العهود الماضية.
فما هي اذن هذه النقاط ؟
إن هذه التعديلات تتعلق بمأمورية رئيس الجمهورية، وكما تعلمون عندما كان ينتخب رئيس الجمهورية سابقا – بغض النظر عن الطريقة التي تم انتخابه بها- فالاحتمال القوي انه سيعاد انتخابه بشكل دائم ما دام يرغب في ذلك.
لقد كانت هذه الوضعية اكبر المشاكل التي تعاني منها بلادنا.
ولحل هذا المشكل كان لابد من وجود حصانة قانونية تحد المأمورية الرئاسية بحيث لا تتجاوز فترتين، لانه في غياب هذه الضمانة القانونية يصبح من السهل جدا الرجوع إلي الوضعية القديمة.
ولتامين هذا الإجراء ادخلت مادة اخري تمنع منعا باتا أي رئيس يتم انتخابه مستقبلا من تعديل هذه المادة او التعرض لها، وتلزم الرئيس المنتخب ان يقسم بذلك علي المصحف الشريف وأمام الهيئات الدستورية.
وبالتأكيد فان هذا سيمكن من التناوب علي السلطة الذي بدونه لا يمكننا إرساء دعائم دولة القانون، القادرة علي التطور والنماء.
فعبر التناوب علي السلطة يمكننا ان نصل الي ما نصبو اليه.
ان نظرة تاريخية للواقع السياسي لبلادنا تبين ان الرئيس عندنا يبقي في السلطة ما دام يرغب في ذلك، فمنذ استقلال البلاد في سنة 1960 كان اول تغيير للسلطة عبر انقلاب. وبين 1978 و 1984 حدثت أربع انقلابات.
وجاء انقلاب 1984 ثم الانقلاب علي الدستور1991 ليفتح المجال امام نظام لم يكن بالمقدور تغييره الا بانقلاب جديد.
وأمام هذه الوضعية من واجبنا ان نستخلص العبرة من ذلك، حيث اننا منذ 40 سنة من الحياة السياسية لم يجر في بلادنا تغيير للسلطة الا بواسطة انقلاب.
ان هذه الحالة لا تعني شخصا بعينه وانما هي قضية نظام سياسي يحتاج وبإلحاح الي تغيير جذري. وليس هناك من طريقة اخري للخروج منها غير هذه الصيغة التي نقترح عليكم اليوم والمتمثلة في تغيير الدستور الذي يضمن انه لا يمكن لاي رئيس ان يبقي في السلطة الا خلال مأموريتين فقط مدة كل واحدة منهما خمس سنوات.
وهناك ضمانة دستورية بعدم إمكانية الرجوع في هذه الضمانة وذلك ما سيجعل نظامنا السياسي لمصلحة الوطن بحيث نتفادي تغيير السلطة بالعنف وبالطرق غير القانونية.
نستخلص من كل ذلك ضرورة التناوب علي السلطة حيث اننا ندرك ان الرئيس حينما يبقي في الحكم فترة طويلة (20 سنة او 25 سنة او اكثر) سيصعب اصلاح ما فسد في تلك الفترة، خاصة اذا كان سيحاول اختيار من يخلفه في الحكم، فستتراكم التجاوزات ويصعب إصلاحها مستقبلا.
ان ممارسة الحكم (أي حكم) تتولد عنه بطبيعة الحال نقمة تتزايد باستمرار وتتفاقم كلما استمر هذا الحكم حتي تصل الي مرحلة ليس بعدها سوي الانفجار.
ان التداول علي السلطة من شأنه ان يجنب الوصول الي هذه المرحلة الخطيرة للغاية.
كما انه بدون التناوب علي السلطة لا يمكن بروز الرجل السياسي البديل حيث ان الطبقة السياسية في ظل الحكم الفردي تبقي معزولة ومبعدة مما يستحيل معه ظهور بديل له برنامجه ورؤاه السياسية المغايرة التي تساهم في مسيرة البناء الوطني.
كذلك فان التناوب علي السلطة يبعد النظرة الشخصانية للحاكم اتجاه القضايا الوطنية حيث انه حينما يستمر طويلا في الحكم يتصور ان الطرح المغاير لرؤيته لهذه القضايا هو بغرض معارضته وموجه ضده شخصيا.
وبذلك تتجه الأمور نحو رؤية أحادية للقضايا الوطنية، وما يكتنف ذلك من مخاطر علي الشعب والوطن.
وعلي العكس فان التداول السلمي للسلطة يمكن البلد من حل قضاياه الوطنية الجوهرية ويبعده عن خطر الانهيار واللجوء الي اساليب ليست ملائمة ولا مقبولة.
ان نظام التناوب الذي نطمح اليه سيمكننا من ازالة كل مبررات تغيير السلطة بطرق غير دستورية لان البلاد ستعرف بموجبه نظاما قادرا علي تسوية المشاكل وإبعاد الأخطار، ومن ثم فان التغيير بالأساليب التي عهدناها سابقا لم يعد مقبولا لا داخليا ولا خارجيا.
ومن شأن إرساء نظام التناوب ان يضمن الاستقرار الذي يعد احد العوامل الأساسية لتنمية البلاد ورقيها.
هذه هي الامور التي كنت اود شرحها لكم حيث ان هذا التعديل في الدستور المعروض عليكم ، سيمكن من ان تكون التحولات السياسية في البلد مستقبلا دستورية تتم علي اسس شرعية تجنبنا اللجوء الي الاساليب السابقة وتاسيس نظام دولة عصرية.
ومرة أخري اطلب منكم جميعا (رؤساء احزاب ووجهاء وفاعلين سياسيين ومجتمع مدني ومواطنين) ان تساهموا في وضع البلاد في الاتجاه الصحيح وذلك بالتصويت علي الدستور المعروض عليكم.
واسمحوا لي ان اشير إلي ثلاث نقاط اود التأكيد عليها:
1-ان القوات المسلحة وقوات الأمن الوطنية عندما قامت بتغيير الثالث اغسطس ،2005 أعلنت اهدافها بشكل واضح والتزمت أمام الشعب بالوفاء بها. ولا داعي لإثارة الشكوك حول هذه التعهدات وليس هناك أي احتمال لأمر آخر غير ما سبق الالتزام به.
2 – هناك إصلاحات لابد منها فالبلاد اليوم ورشة للإصلاح علي كل المستويات ومسيرة التصحيح متواصلة و سنقوم بما يمكننا من إصلاح خلال الفترة الانتقالية ومن سيؤول اليهم الحكم في المستقبل عليهم مواصلة هذه الورشات لصالح الوطن.
3- لقد كانت البلاد تعيش وضعية مزرية بموجبها انقلبت الموازين وغدا أبناء الوطن النزهاء ذوو الكفاءات مهمشين, وفتح الباب امام الأسوأ ليحتل المناصب والوظائف وكرست الرداءة بحيث باتت هي المرجع الأساس والمعيار الذي يتم علي أساسه الاختيار.
هذه الوضعية المؤلمة هي التي تحدثت عنها بهدف توضيحها بعيدا عن المزايدات السياسية ودون ان يكون موجها لشخص او لنظام بعينه وذلك حتي لا يفاجأ أي كان مستقبلا حينما يبدأ تنفيذ هذا الإصلاح ليأخذ كل حذره ويلتزم بالطريق القويم.
لقد أردت توضيح هذه الحالة لاننا مسؤولون عن تغييرها وسنبذل كل الجهود لتصحيحها.
وأشكركم والسلام عليكم ورحمة الله”.