التقى العقيد اعل ولد محمد فال، رئيس المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية، رئيس الدولة اليوم الخميس فى قصرالمؤتمرات، مسؤولي الدولة والفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاعلاميين وممثلى مختلف هيئات المجتمع المدني، حيث استعرض لهم وضعية البلاد قبل
تغييرالثالث اغسطس 2005 وشفا الهاوية الذى كانت قاب قوسين او أدنى منه، وما تم تحقيقه من خطوات تكريسا لتعهدات المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية.
وفيما يلي نص الخطاب الذي القاه العقيد اعل ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية، رئيس الدولة خلال هذا اللقاء:
“انتهز فرصة اللقاء بكم اليوم، مسؤولين إداريين في الدولة الموريتانية وفاعلين سياسيين، دعوتهم للحضور هنا لأوضح بعض الأمور والإنجازات التي حققها المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية منذ تغيير الثالث أغسطس 2005 .
وكما تعرفون فمن الأسباب الرئيسية لهذا التغيير والتعهدات الأساسية للمجلس العسكري للعدالة والديموقراطية، إصلاح الوضع السياسي للبلاد وكذلك الوضع الاقتصادي، او علي الاقل محاولة السير بهذا الأخير إلى أقصي ما هو ممكن، خلال الفترة الانتقالية، ليكون قاعدة يمكن البناء عليها، ان لم يكن قد تم إصلاحه بالكامل.
وبودي هنا ان أوضح بعض الأمور، دون مجاملة لان مصلحة البلاد تستدعي منا جميعا وتتطلب ان لا نجامل فيما يتعلق بالمصالح العليا للأمة.
وسأتحدث هنا عن الوضعية التى كانت عليها البلاد فى الوقت الذى حصل فيه التغيير، وهي بإيجاز: انعدام الدولة ووجود كشكول يحركه جهاز سياسي حل محل إدارة الدولة ووجودها وافقدها كل مدلول، إلى حد أن كل الأمور المتعلقة بتسيير الدولة ومؤسساتها أصبحت لا علاقة لها بما يجب أن تكون عليه دولة ذات مؤسسات دائمة وقائمة وملك للجميع.
وتمثلت انعكاسات ذلك في تحكم رأي ومزاج كل مسير في المرفق الذي يتولى مسؤوليته وسادت الولاءات والأمزجة في تسيير الوزارات والإدارات والشركات …
تلك هي الحقيقة، دون مجاملة، وكلنا يعرف أن استمرار البلاد علي ذلك النهج مآله زوالها بشكل أو بآخر، خاصة وان الأمر يتعلق بعقلية سادت وأصبح معها إسناد الحقائب الوزارية للفرد وللقبيلة، والمؤسسات لهذا اوذاك من الخواص، وحين يتقدم المواطن التماسا للخدمة، يتحدث عن ما قدمه له فلان او فلان في الوزارة كذا او المؤسسة كذا.
وبذلك، فان المواطن لم يعد يتعامل مع الدولة ومؤسساتها وحق له، واجب الإسداء، بل أصبح تحت رحمة المزاج والنزوات والأهواء، الأمر الذي لامناص مع استمراره من القضاء علي دولتنا وشعبنا ومستقبلنا.
وما نتج عن ذلك هو انعدام الحد الادني من القيم التي يمكن أن يتحلى بها مسؤول وكذلك انعدام الحد الادني من الحياء الذى يجب ان يكون لدى الناس اتجاه المال العمومي وتسيير الشأن العام فىالبلاد.
ان ما وصلنا اليه وضعية عرفناها جميعا وعشناها وتدعو للتساؤل والتعجب، لان من قام فيها بأكبر خيانة، رغم معرفة الجميع لذلك، يصبح بطلا، محط التقدير والإعجاب، تتوافد عليه القبائل والمسؤولون! وكذلك الشأن بالنسبة للص المحتال علي المال العمومي والمعروف بذلك، حين يؤخذ متلبسا ويقدم للعدالة، يصبح بطلا في الشارع!
وفي الحقيقة، فان أمة وصلت الي هذه الدرجة من الانحطاط وتضعضع التفكير وسقوط التصرف، لا يمكن التنبؤ بمآلها الأمن قبيل ان هذه هي عين فناء الأمم وخرابها.
وعلي كل حال، فنحن لا نعرف كيف ترانا الأمم الاخري، لكن من يتمتع بنقير من الضمير والوطنية والغيرة علي الوطن لن يكون في موقف يحسد عليه وهو أمام وضع كهذا.
وبذلك كان لابد من وضع حد لهذه الحالة، اذ لا يمكن ان يظل أراذلنا هم الأخيار واللصوص أبطالا والخيانة فضيلة، حيث لا تطلع مع ذلك إلى المستقبل والتاريخ.
وبوضوح شديد، ليس ثمة خيار في مثل هذه الحالات، لان مستقبل البلاد في مهب الريح، والوضع يستوجب ان يتحمل كل مسؤولياته،لانه من غير المستساغ ان يجد الترحيب من هو وراء المساس بالمصالح الفردية والجماعية، بل حتي ان نقبل منه المجالسة اوالتبرير.
وهنا،ألفت انتباه جميع الموريتانيين الي انه لابد من مراجعة النفس وتحمل المسؤوليات فرديا وعلي مستوي المؤسسات والدولة والاحزاب السياسية والمجتمع المدني، والا، فسندفع الثمن باهظا.
واذا ظلت هذه هي قيم الشعب الموريتاني، فلا يمكن الحديث عن الاختلاس والتلصص ، وليس ثمة ما هو مطلوب من الشرطي والدركي والإداري والمثقف،لان المسألة سلوك وعقلية شعب، ومثلا اعلى، والكل جزء من الشعب ومتشبث بقيمه.
ذلك هو ما يخص الرأي العام الذى لابد ان يتحمل المسؤولية فى هذا الصدد ويبتعد عن احتضان مثل هذه القيم، تماما كالنخبة والمسؤولين وأصحاب الوعي الذين يتعين عليهم قبل غيرهم ان يتخلوا نهائيا عن مثل هذه الممارسات والتصرفات، حتي يتداركوا الامور ويضمنوا بقاء الشعب والبلد.
وبودي علي هذا الصعيد ان اوضح ما قطعه المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية من خطوات تكريسا لتعهداته ضمن مجابهة هذا الوضع الذي لابد من كسب الرهان فيه للنهوض بالبلاد، حيث تم إنشاء مفتشية علي مستوي كل وزارة وألزم كل وزير بالسهر علي ان تؤدي هذه المفتشية مهمتها أسبوعيا في حدود وصاية قطاعه كما أنشئت مفتشية عامة علي مستوي الدولة عموما وفضاؤها كل لا يتجزأ، لا استثناء فيه ولن تهمل فيه صغيرة ولا كبيرة تتعلق بتسيير الدولة والمال العام من قريب آو بعيد.
وأؤكد في هذا السياق انه ليس ثمة من هو فوق التفتيش الذي سيشمل الجميع دون استثناء ويريح النزهاء التواقين الي مصلحة البلاد ومستقبلها ويأخذ الثمن من الخونة الذين لم يعد لهم مكان في تسيير الشأن العام.
لقد سجلت للخطوات آنفة الذكر نتائج واضحة أنقذت مئات الملايين من الأوقية التي تبين أنها صرفت خارج القانون، وسيتم تفعيل هذه الآليات أكثر وستمنح الإمكانيات البشرية والمالية اللازمة لحسن أدائها.
أما الآلية الثالثة فهي محكمة الحسابات التي تواصل عملها علي نحو منتظم وسيتم تفعيلها وستلعب الدورالتقليدي الذي كانت تؤديه.
ان السلطات ماضية فى تعزيز هذا التوجه باختيار أصحاب الكفاءات انطلاقا من المستوي والأخلاق والالتزام من اجل الدولة الموريتانية، لانه من دون هذه المعايير الثلاثة، لن يحقق المسؤول، مهما كان موقعه، للبلد شيئا.
وأؤكد هنا واكرر انه اذا كان المجتمع المدني عاجزا عن الاضطلاع بدوره، فليست ثمة إمكانية لتحسين تسيير البلد والقضاء علي اختلاس الأموال العمومية.
ذلك أن مختلف هيئات المجتمع المدني معنية بالإبلاغ موضوعيا عن المخالفات والانحرافات في تسيير الشأن العام، وأبوابنا كمسؤولين مفتوحة أمامها، ولم يحدث ان طرحت علينا اي من هذه المؤسسات قضية موضوعية ولم تحظ بالتحقيق الفوري للوقوف علي الحقيقة بشأنها.
وعلي هذا الصعيد يمكن للصحافة ان تساعد بتقصي الحقائق وجمع المعلومات والنشر بموضوعية بعيدا عن المؤثرات المغرضة، وسيتم بصورة فورية إجراء الرقابة اللازمة، كما يمكن لمنظمات المجتمع المدني المتخصصة، ولها الحق في ان تبلغ عن كل الممارسات المخالفة للمصلحة الوطنية.
ومن حق الاحزاب السياسية وواجبها، الإبلاغ عن الإخلال بالمصلحة العامة، وبإمكان قادتها طلب لقاء المسؤولين المعنيين بذلك ولفت انتباههم إليه.
ولاشك فى انه اذا تم استخدام كل هذه الوسائل وتفعيلها بعقلانية للصالح العام سنتوصل قريبا إلى حد مقبول في هذا المنوال.
وعلي سبيل المثال ، من نتائج ما تم من خطوات في هذه الفترة الوجيزة، ان مائة سيارة كانت مستخدمة في أغراض ليست ضرورية، تم تحويل خمسين منها الي اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة والباقي ستستخدمه الدولة في أغراض أكثر جدوى.
ثم انه منذ الثالث أغسطس 2005 وحتى اليوم لم تتوفر الي حد الآن موارد جديدة للدولة الموريتانية، ومع ذلك وبفضل تحسن التسيير أمكنت زيادة الرواتب بنسبة 50% وشمل التحسين الجميع وأتيح إنفاق عشرات المليارات سدادا لالتزامات سابقة وتسيير أمور الدولة بوجه عام.
كل هذه النتائج تحققت والمشوار في خطواته الأولي، و لاشك انه اذا وصل حسن التسيير الي نسبة 70% او اكثر، ستتحسن الأمور، فموريتانيا بلد غني لا ينقصه سوي حسن التسيير، وموارده واعدة بنهضة اقتصادية كبري إذا كانت مصلحة الوطن هي الغاية والترشيد والتوجيه السليم هما النهج.
هناك فئة من المجتمع اخصها في هذا المقام، وهي رجال الأعمال والذين يتفاعلون اقتصاديا مع الدولة وهم السباقون إلى التظلم من الرشوة والتجاوزات الإدارية.
وبكل وضوح، نحن مستعدون لتحمل المسؤولية، لكنه (لا يوجد مرتش دون راش) والقانون يضع الراشي والمرتشي في نفس الدرجة القانونية تماما كالشريعة الإسلامية.
وعليه يجب أن يتعاون الجميع بوقوف كل عند حقه وأداء كل لواجبه، فبذلك سيتم كسب الرهان والقضاء علي هذه الظاهرة، بعيدا عن تشابك مختلف المعنيين بقيامها.
وعلى كل حال، ومن الان فصاعدا، سنفعل الرقابة والقانون، لكن ذلك لن يغني عن مساعدة الجميع والإجماع علي مكافحة هذه الظاهرة وقيام عقلية مناهضة لها.
واختتم بان إقناعنا للآخرين مرتبط بقناعتنا بذاتنا، خاصة وان عالم اليوم مترابط، ولا يمكن لاي كان ان يعيش فيه بمعزل عن الآخرين، ومشكلة بلدنا تكمن في حاجته الي الاستثمار الخارجي وهو ما لا يتأتي في ربوع يمتهن أهلها اللصوصية.
وعليه، فان خروجنا من هذا المأزق يتطلب المعالجة، خاصة واني في اكثر من مرة التقيت رجال اعمال دول اجنبية لاطلعهم علي الفرص الذهبية المتاحة للمستثمرين في بلادنا، لكنهم يعربون بجلاء عن تجارب مريرة مرت بهم في معاملات مع موريتانيين.
وما لا يعرفه من فرطوا في تلك المعاملات، انهم الحقوا ضررا كبيرا بأنفسهم وبالبلد، شأنهم في ذلك شأن الادارة التي تلحق نفس الضرر بسمعة البلد بالعراقيل والروتين الزائد.
ولا أخفيكم كل مفاجأتي بالصورة ا لتي يري بها المستثمرون بلدنا ومعاملاته في عالم مترابط تستشري فيه المعلومة السيئة والطيبة بدرجة حتمية تشابك العلاقات الدولية والتفاعل بين الشعوب والأمم.
إن الجميع على استعداد للتعامل معنا والمساعدة في تنمية بلدنا علي أسس قوامها النزاهة.
وما هو من قبيل المحال، هوان تكون للشعب الموريتاني ثقة في بلده اذا كانت إدارته ودولته من النوع الذي سبق وأشرت إليه، وبالتالي لا يتوقع منه تفاعل معها، بل انكماش وعودة تعامل عهد الاستعمار.
ولابد، كحد أدني من ربط الشعب بالدولة والإدارة عن طريق التعامل معه بشكل نزيه يشعر معه أن الأمور تعنيه وان الإدارة والدولة في خدمته.
ومهما يكن من أمر، فلا بد من وعي الحقيقة ومصارحة الذات والتعامل مع الزمن لننهض ببلادنا بعيدا عن الانتظار، فالسماء لا تمطر ذهبا، وسنكون بقدر عملنا”.