ارتبط الشناقطة في أذهان العالم، بتعمقهم في الثقافة الفقهية والأدبية، حتى ساد اعتقاد لدى الأحفاد الموريتانيين، بأن تميز آبائهم ينحصر في قدرتهم على التفاعل الأدبي والفقهي، وهذا ما بدا واضحا في التخصص، الذي صاحب المحظرة الشنقيطية، فلم تتحفنا المصادر بأي محظرة متخصصة في غير الفقه والأدب واللغة .
لكننا نجد في بعض المحاظر غير المتخصصة، مجالا لتدارس بعض المعارف الأخرى، كالعلوم البحتة والمنطق والحجاج وعلم الكلام وغيرها.
إلا أنها معارف تكاد تكون ثانوية، مقارنة بالوقت المخصص للدراسات الأدبية والفقهية، فهي مجرد نشدان للموسوعية، التي كان الشنقيطي يطمح إلى بلوغها .
لقد حفظت لنا المكتبات الشنقيطية العتيقة مئات المصنفات العلمية، ما بين مؤلّف ومنقول ومختصر ومشروح ومصحح… مما يدل على أن تعاطي العلوم البحتة والطبيعية كان شائعا لدى القوم، فبالإضافة إلى الطب، انتشرت كتب الفلك والرياضيات والزراعة والجغرافيا وعلم الحيوان والطبيعة والكيمياء وغيرها .
1- الحساب (الرياضيات) :
لقد أدت حاجة القوم لتطبيق أركان التركة والبيوع، إلى معرفة الرياضيات والحساب، مما جعلهم يتعمقون في مسائلها المعقدة مع تعريب كامل للمصطلحات، فكانوا يدرسون فيه بعض المؤلفات مثل منظومة ابن غازي.
وكانوا يطلقون على الرياضيات (علم الحساب العددي) تمييزا لها عن (علم الحساب الزمني) الذي يعنون به علم الفلك .
و من أقدم المؤلفين في هذا المجال :
– الطالب محمد بن الطالب أعمر الخطاط الولاتي (ت 1165 هـ) الذي ألف في علم الرياضيات وقام بشرح باب التربيع من نظم السراج في علم الفلك للاخضري، كما اختصر كتاب الدميري (حياة الحيوان) في مؤلف سماه (خواص الحيوان ) .
– زين العابدين بن الفغ الأمين الفاضلي (ت 1185 هـ) الذي يعتبر من أبرز المختصين في علم المعقول، وقد ترك آثارا علمية أهمها (نظم في الجبر) و مسائل في علم التناسب من الحساب، يقول فيها :
” هذه مسائل استخرجها زين العابدين بن الفغ الأمين من نفسه. أولها : إذا قيل لك : الذئب يأكل الشاة في نصف النهار والليث يأكلها في ثلثه، أي جزء يأكلانها فيه إذا اشتركا؟
فخذ النصف والثلث واقسم إمام كل على بسطه، واجمع الخارج وسم منه واحدا يخرج لك اسم الجزء، وذلك خمس. وصورة ذلك أن تقسم إمام الثلث وهو ثلاثة على بسط،ه وهو واحد، تخرج لك ثلاثة، وتقسم إمام الضرب على بسطه كذلك، يخرج اثنان، فتجمع الخارجين بخمسة، فتسمي منها واحدا بخمس .
ثانيها : إذا قيل لك ظبي أرسل عليه كلب، وثلاث خطا للكلب أربع للظبي، وبينهما ثلاثون خطوة، كم قدر الخطا التي إذا قطعها الظبي لحقه الكلب؟
فاقسم الثلاثين على الربع يخرج لك عدد الخطا، وذلك بأن تضرب بسط الصحيح، وهو ثلاثون في إمام الكسر وهو أربعة، وبعشرين ومائة، وتحفظها وتضرب بسط الكسر وهو واحد في إمام الصحيح وهو واحد بواحد، وتقسم المائة والعشرين المحفوظة على الواحد بنفسها .
ثالثها : إذا قيل لك حية تخرج منها ثلاثة أخماس، وتدخل خمسين في يوم واحد، كم تخرج فيه من الأيام؟
فقل في يومين وثلاثة أخماس . وبيان ذلك : أنها في اليوم الأول يخرج منها خمس، لأنها أخرجت ثلاثة أخماس وأدخلت منها اثنين فبقي واحد، وفي اليوم الثاني كذلك، فبقيت ثلاثة أخماس فسمها من خمسة، التي هي مجموع أجزاء الخروج الثلاثة، وجزأيْ الدخول بثلاثة أخماس .
ومنها : إن سئلت عن قدر العدد الذي يخرج من ضرب نصفه في ثلثه ستة، فاقسم إمام كل من النصف والثلث على بسطه، وسطح الخارجين، واضرب خارج التسطيح في الستة، وخذ جذر الخارج وهو ستة يكن الجواب ” .
هكذا يتضح كيف أن الشناقطة ،كانوا يمزجون بين البيئة والعلم، فكل الأمثلة التي أوردها الفغ الأمين، نابعة من بيئته ومشاهداته، مما يجعلها أقرب إلى فهم الطلبة والدارسين، وتلك رؤية بيداغوجية لافتة.
كذلك ألف احمد بن الحاج حماه الله (ت 1193 هـ) في علم الحساب .
– محمد عبد الله بن الطالب عبد الله المحجوبي (ت 1220 هـ) له تأليف فيه.
– سيدي عثمان بن اعمر بن سيداتي (ت 1237 هـ) له تأليف في الحساب وآخر في الهندسة
– انبوي أعمر بن الإمام المحجوبي (ت 1260) له : (نزهة الألباب في علم الحساب)
– سيدي محمد بن حبت الغلاوي (ت 1288 هـ) وهو الشيخ الأول لمحظرة آل حبت له تأليف فيه.
– الشيخ أحمدو بن سليمان الديماني (ت 1300 هـ) له نظم فيه
– محمد احمد بن البخاري الغلاوي (ت 1335 هـ) له نظم فيه
– محمد يحي بن سليمة اليونسي (ت 1345 هـ) له نظم فيه
– سيدي بن احمد بن حبت الغلاوي (ت 1371 هـ) له فيه نظم وشرحه
– محمد امبارك اللمتوني له شرح نظم السملالي وذيله للرسموكي في الحساب
– الشيخ البناني العلوي له نظم فيه
– احمد بابا بن حامدت التندغي له تأليف فيه
عبد الله بن محمد سالم المجلسي له مؤلف فيه
محمد الأمين بن اعبيدي الجكني له (نظم في فرض العين من الحساب)
المختار بن محمذ بن اغلمنيت الديماني له فيه نظم وتعليق
إن هذه الأسماء قد لا تشكل إلا النزر اليسير من العلماء الشناقطة، الذين اهتموا بعلم الرياضيات، وبرزوا فيه، فبالإضافة إلى تمكنهم من التأليف، استطاعوا إظهار قدرة اللغة العربية نثرا ونظما على استيعاب العلم التجريبي.
ويبقى الإسهام العلمي لهؤلاء الآباء، بحاجة إلى من يعمق البحث فيه، حتى لا يطمسه الاهتمام المتزايد لدى الدارسين، بعلوم الفقه واللغة . في الحلقة القادمة (الطب).
يتواصل
الموضوع السابق
الموضوع الموالي