AMI

للمواطنة الصالحة شُعَبٌ كشُعَب الإيمان

بقلم: محمد فال ولد عبد اللطيف
من لي بالمواطن الصالح الذي إذا زيد في علمه زيد في عمله وإذا زيد في عمله زيد في تواضعه ورحمته للخلق، وكلما زيد في ماله زيد في سخائه، وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم؟
ذلك هو المواطن المؤثر في محيطه، القائم بحقوق نفسه ومجتمعه ووطنه وأمته.
أما المواطن الذي كلما زيد في علمه زيد في كبره وتيهه، وكلما زيد في عمله زيد في فخره واحتقاره للناس وحسن ظنه بنفسه، وكلما زيد في ماله زيد في حرصه وبخله وإمساكه، وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في كبره وتيهه، فذلك هو المواطن الفاسد المفسد الذي تنتشر عدواه في محيطه انتشار عدوى الجرب، وكل بناء له فيه ضلع فهو إلى عطب.
المواطن الصالح خلص من أربع: من الكبر والحسد والغضب والحرص وتلك هي أقفال القلوب، وهي التي اتصف بها المواطن الفاسد فمنعه الكبر من الانقياد إلى الحق والطريق المستقيم ومنعه الحسد من قبول النصيحة وبذلها، ومنعه الغضب من العدل وتوخي الصدق في القول والعمل، ومنعه الحرص من بذل المعروف والمشاركة في الأعباء العامة.
المواطن الصالح تخلص من تلك العيوب فانفتحت له أبواب الخير والعمل الصالح النافع له ولأمته فتركزت فيه صفات الإخلاص وقبول الحق والوفاء بالعهد ونصيحة المسلمين والتواضع لله ولخلقه، وأوتي فرقانا يفصل به بين الحق والباطل والضار والناس.
والمواطن الفاسد ترسخت فيه تلك العيوب فصارت ملكات ثابتة، لا يستقيم له معها عمل البتة، وكلما اجتهد في عمل أفسدته عليه لأنها استحكمت في قلبه فأرته الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل والمعروف في صورة المنكر والمنكر في صورة المعروف.
وإذا تمهد لديك هذا وعرفت الفرق بين كلا الفريقين وعلامات كل واحد فاعلم أن اتصاف المواطن بأحد المواصفات المذكورة ليس أمرا لازبا لا شيئا موروثا لا حيلة فيه وإنما هو نتيجة التربية والتدرب، فعلى المجتمع الصالح أن يتعاطى أسباب تكوين المواطن الصالح ولا تحيل إلى القضاء والقدر.
من هنا تبدو خطورة وظيفة التربية نارا على علم، ويتجلى البعد الاستراتيجي للتعليم، لا أقول تعليم المهارات والتخصصات الفنية والعلمية الضرورية لتقدم البلاد، ولكن أعني تنشئة الأجيال على قيم المواطنة الصالحة التي بها قوام وجود البلاد.
وهذه المهمة- وإن كان على قطاع التعليم منها العبء الأكبر- فإنها مسؤولية هيئات المجتمع ودوائر الدولة بأكملها، فبناء المواطنة الصالحة متعدد الشعب، كشعب الإيمان له أعلى وأدنى وما بين ذلك.
فهو يبدأ باحترام المرور في الجزع الأخير من الليل حيث لا شرطي ولا دركي، وبإطفاء المصباح الكهربائي الذي لا فائدة له، واحترام العلم الوطني وحفظ النشيد الوطني ومساندة المنتخب الوطني واستهلاك المنتوج الوطني، والغيرة على الموروث الوطني، واحترام المال العمومي والاستماتة تحت الراية الوطنية إذا اقتضى الدفاع عن الوطن ذلك.
فكل من اتصف بصفة من هذه الصفات فقد اتصف بشعبة من شعب المواطنة..
وغني عن القول إنه ما من مواطن إلا ويدعي لنفسه الصلاح وإن كان أفسد الفاسدين، والعبرة في ذلك بما يصدقه العمل الملموس فإن المواطنة الحسنة ليست بالدعاوي ولا بشيء يتفكه به، بل لابد من التحقق بها قولا وعملا ذوقا وسلوكا.
وهنالك أوضاع استثنائية وتجارب قد تضع المواطنين على محك التجربة فيظهر الخالص من البهرج ويمحص الصحيح من المغشوش.
ومن هذه الأوضاع حالة الأزمات الخانقة سواء كانت سياسية أو اقتصادية، ففي مثل تلك الأوضاع لا ينفع الوطن والبلاد إلا المواطن الصالح أما المواطن الطالح فلا يعول عليه لأنه كلما رد إلى الفتنة أركس فيها، وإذا وجد وليجة أو مدخلا ولى إليه وهو يجمح.
والظن قوي أننا- نحن الموريتانيين- وإن كنا بشرا عرضة للضعف البشري بخير فإن لنا أرضية صالحة من التاريخ والجغرافيا تجعلنا سريعي الارعواء إلى الحق وإلى الاتصاف بصفات المواطنين الصالحين ولو أن النفس والشيطان قد استقويانا إلى حين. وفي ذلك بشرى لنا وللوطن العزيز بصلاح الذرية وكفاية هم الدارين والله الموفق لا ربَّ سواه وهو أحسن الخالقين.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد