AMI

الأمن الغذائي

بقلم: بابا الغوث
لقد أدرك الإنسان منذ بزوغ فجر الحضارة أهمية الحاجة إلى الغذاء في السلم والحرب، فعمد إلى اتخاذ التدابير اللازمة لاشباع هذه الحاجة بصورة دائمة وعلى نحو يبعد شبح المخاطر عن المجتمع. وكانت الوسائل الحاسمة في هذه الوجهة هي الأرض والماء.. والخبرة والقوة العاملة.. فحشدت هذه الوسائل ووظفت بعناية فائقة.. وكانت النتائج رائعة رغم بدائية العملية وكثرة التعثر الناجم أساسا عن مشكلة الخبرة.. ولكن الأيام ما لبثت أن أوضحت أن التغلب على تلك المعضلات شيء في الإمكان، فالخبرة في تزايد دائم.. وبتزايدها تتمهد السبل إلى تطوير آليات العملية برمتها. وهكذا ساعدت الخبرة المكتسبة من التجارب في صنع الآليات وبها تضاعف مقياس التحسن.. وكاد بتطورها أن يتم الاستغناء عن قوة الإنسان البدنية التي كان عليها المعول في البداية ولأشواط طويلة. وبالخبرة تحسنت طرق التعامل مع الأرض، وتم تمييز الجيد منها لنمو النبات عن الذي هو دونه. كما فهمت بفضل تطور العلم الخصائص التي تخص الأرض، وتلك التي تخص النبات، ففهمت مسألة ثاني أوكسيد الكربون ودوره في حياة البيئة، وبذلك وبنظائره فتح الباب على مصراعيه أمام الإنسان ليعمل على بناء الحياة وهو على بصيرة كاملة بما يمكنه من تحقيق ما يريد.
ولو أن الإنسان- وقد مكن له في الحياة وسخر له كل شيء- لو أنه كان على المستوى من حيث شعوره بالمسؤولية تجاه جنسه- وهم البشر- لانتفى عامل الحاجة إلى الأمن عامة وإلى الأمن الغذائي على وجه الخصوص إذ أن الامكانيات التي بين يدي الدول المتطورة في إمكانها تغطية حاجات الجنس البشري ويبقى فائض يسع الحيوانات التي تعيش على الأرض. ولكن هذا البعد لا يزال شاسعا وذلك بسبب أن وعي الانسان تجاه جنسه لم تنله يد التطوير.. بل لا يزال مريضا بعاهات بدائية تملي عليه أن يستغل ما بات بحوزته من قدرات، في بسط سيطرته على الذين هم دونه من أبناء جنسه.. وذلك بدلا من أن يقدم لهم المساعدة مجانا ودون تبعات تهدف إلى إذلالهم. وهذه الحالة هي مدار قول الله تعالى {إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى} هذه طبيعة أوضحها الله لنا.. والله العليم بكل شيء.. والعليم بالإنسان.
ومع أن جهودا متعثرة بعقدة البدائية هذه النزاعة إلى السيطرة.. تبذل من عقود لتذليل عريكة المتنفذين في شؤون الدول الغنية لتمديد العون مبسوطة للدول التي تعاني من ركود في موارد الحياة، ومن ضيق خانق في ذات اليد، إلا أن المؤشرات التي تملأ سماء المشهد السياسي تبرهن بما لا يدع مجالا للشك، أن أصحاب القدرات لا يزالون متمسكون بموقفهم.. إنهم يريدون المحافظة على وضعهم المتميز الذي أحرزته لهم فوتهم الفريدة، ولما كان حال العالم لا يزال يتميز بهذه الدرجة العالية من القسوة والنزوع الدائم إلى التسلط وتسخير القوة لذلك، فإن وعينا لذلك ينبغي أن يدفعنا بقوة في اتجاه العمل الجاد من أجل بناء استراتيجية تمكننا من سد حاجتنا إلى الأمن الغذائي، وهذا شيء في إمكاننا انجازه إذا ما شمرنا عن ساعد الجد ونصحنا أنفسنا وأخلصنا العمل. وإن عندنا لذلك لوسائل فعالة، نحن لا نستطيع بناء قوة عسكرية على المستوى الحديث.. لأننا لا نملك مصانع عسكرية لانتاج السلاح المتطور، وليس لدينا علماء في الميدان الصناعي العسكري.. وهذا أفضل فرب ضارة نافعة..
إن وضعنا الذي نحن فيه من ايجابياته أنه يبعدنا عن حلبة التسابق لاحراز القوة.. فهذه القوة المتسابق إليها رماد يكمن تحته جحيم يتأجج أواره ويوشك أن يتسرب إليه نسيم من الريح من الداخل قبل الخارج أو من الخارج فيحيل الأرض والبحر إلى عالم يشتعل لا يذر من شيء إلا أتى عليه. ناهيك عن كون الصراع لاكتساب القوة حمى أنانية مبعثها الخوف الشديد.. والانفاق في نطاق ذلك الصراع إهدار للمال في سبيل إبادة الحياة.. وهذا لا يخدم الإنسان بل يضر في البداية والنهاية.. الذي يخدم الانسان هو إثراء الحياة لا تدميرها. ونحن إذ نجانا الله من ذلك فإن مجالنا الحيوي هو إثراء الحياة.. ولدينا لذلك ميدانه الممتاز. إنه المجال الزراعي.. أدواتنا له: مياه النهر وأرضنا البكر الخصبة والإنسان الموريتاني، وإن كانت الخبرة تنقصنا، فهذا عامل لا يمكن أن يقف في طريقنا لأن التغلب عليه شيء ممكن، وأدوات استصلاح الأرض وسحب المياه كل ذلك موجود، وفي إمكاننا بالاعتماد على الله صيانة استقلالنا بما نحرزه في مجال الأمن الغذائي. إن إحراز نجاح قوي في هذا المجال يضعنا في مصاف الدول الحرة سياسيا.. مياه النهر وصلت انواكشوط واتجهت الأنانبيب إلى الجنوب الشرقي، وحيث تصل الأنانبيب يكون ذلك أذانا باستئصال أعشاش الفقر حيث يكونون من الأرض. وحيث توجد المياه تقوم القرى الزراعية.. وينتشر الخير بإذن الله وبفضله وجوده وكرمه.
الأرض والماء والعمل هذا يساوي الغنى.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد