AMI

وللزواج.. معكرات

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فاليتزوج وإلا فعليه بالصوم فإنه له وجاء)). وقال ((أقلهن مهرا أكثرهن بركة)) وقال: ((تنكح المرأة لمالها وجمالها ونسبها ودينها فأظفر بذات الدين تربت يداك)) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.. هذه أوامر الصادق المصدوق وهي جلية وواضحة ولا مراء في سدادها وصوابيتها.
ولكن قومنا طرحوها جانبا.. وعادوا ليزدحموا على عادات الجاهلية الأولى وليعقدوا حلبات منافسة حامٍ وطيسها وملتهب أوارها فقالوا في المهور حتى ركبوا ظهور المخاطر بتشديدهم الوطأة على الناس حتى دفعوا السواد الأعظم إلى اليأس من الزواج، فصرفوا آمالهم وأنطووا في أحضان العزوبة مدى الحياة.. وبهذه العودة إلى ثقافة الجاهلية فرض المتعصبون بما جبلوا عليه من الطمع والتكالب على المال حصارا جهنميا على الأجيال، تاركين لها خيارا واحدا هو التوجه إلى مرابض البغاء والشذوذ فأساؤوا بذلك إلى المجتمع إساءة بالغة الخطورة ستحسب عليهم وسيحاسبون عليها.. لقد تعاملوا مع علاقات المجتمع تعاملهم مع البضاعات التي يتاجرون بها.. إنه مبدأ استغلال الدافع إلى الحاجة المجرد من مفهوم الأخلاق، وباستغلالهم لهذا المبدأ ألحقوا بالمرأة أذى كبيرا كما ألحقوه بالرجل.
كما عرقلوا حركة وتيرة النمو لدى المجتمع، الأمر الذي ألحق أضرارا جسيمة بالمسيرة الفطرية التي تقوم عليها آلية الحياة.. أما ما ألحقوه بأنفسهم جراء تركهم لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم فذلك الذي لا قبل لهم به.
قيل لي بأن فتاة احتضرت فجاءها أبوها وكان يمنعها من الخطّاب الذين يتقدمون لطلب يدها، فلما حضرها قالت له: حرمك الله من نعم الجنة كما حرمتني من نعمة الزواج.. كان يحرمها من الزواج في انتظار الصفقة الرابحة.. كان ينتظر أن يأتي من يدفع أكثر أو ينتظر أن يجد الخاطب المساوي له في النسب أو في المكانة، وفاته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الناس سواسية كأسنان المشط)) وقال ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ولا تكن فتنة وفساد كبير)).
لقد أخبرني بعض الناس أن إحدى القبائل أخذ متنفذوها قرارا بخصوص المهر بحيث لا يتجاوز 20.000 أوقية، وهذا إجراء طيب من حيث المبدأ.. إلا أن أهله لم يؤسسوه على النصوص الشرعية وإنما اختاروه من تلقاء أنفسهم بدليل أنهم لم يعلنوا بخصوص استنادهم على أي من النصوص الشرعية الخاصة بالزواج، وكان الأجدر بهم أن يفعلوا إذ أن ذلك هو شأن المسلمين في جميع شؤونهم، ولكن ما فعلوه بخصوص المهر أراحهم من حمل ثقيل وسوف يمكن أجيالهم من الزواج وهذه خطوة على الطريق الصحيح سوف يكون لها ما وراءها.. لكن ماذا بشأن مئات الأسر التي لم تحرك ساكنا في هذا المجال ولم يظهر في آفاق حياتها أي مؤشر على تليين عقد تلك الثقافة المتهافتة في دروب السلوك الجاهلي؟ إنها لا تزال كما كانت.. ولعلها ستظل إلا إذا تداركها الله برحمته واصطفى منها من يتصدى لتلك العادات المترسخة في الأذهان فيفجر فيها شحنات من الوعي من شأنها أن تذيبها فتعوضها من الواعية الذهنية وتزرع فيها ثقافة جديدة مكانها.
وأصل بلية الزواج الجاري العمل بها الآن هي أنه لا بد من عقد حلبتي منافسة على صعيد المهور وعلى صعيد التجهيز.. يجري الطرف الأول من المنافسة بين العرسان، كل يريد أن يشيع عنه أنه دفع المهر الذي حطم الرقم القياسي.. لكن تريث قليلا فهذا مجرد عنصر واحد من المنافسة والعنصر الثاني هو أن الأسر التي تدفع لها المهور في حالة تنافس. والأسرة الفائزة في الحلبة هي التي دفع لها المهر الأكبر.. أما الجانب الثاني من معادلة المنافسة فهو التجهيز وهو الذي يقوم أهل العروسة به، ويتمثل في الآثاث الذي يبتاعونه، وتتجلى فيه صور البذخ بأفظع أنماطه.. وثمة في هذا الجانب الذي يعتبر ردا صريحا على حجم المهر وكأن لسان حاله يقول: سندفع لكم حتى تعلموا أنكم لستم أوسع منا ذات يد.. أو حتى تعلموا أنكم لستم أكرم منا.. أو يقول لأريّن الناس من نحن..
وللآثاث خبيرات وخبراء قد يكونوا من أفراد المجتمع الثالث (المخنثون) الذين لهم حضورهم المتميز في حياة المجتمع المخملي.. ولهم آراءهم المعتبرة في شأن الآثاث وما ينبغي فعله في حالة شراء التجهيز وتنسيقه وترتيب أنواعه ومسألة الأواني…
ولكل من العريس وأهل العروس جهاز بشري يتميز بقدرات عالية على العمل والحركة، ففي وقت وجيز تنشر الأخبار عن أحداثيات الأعمال التي قام بها العريس والأعمال التي قام بها أهل العروس وتشحن هذه الأخبار بالعناصر المثيرة للإعجاب، من ذلك أن تنفخ أخبار المهر حتى يتضاعف مرات، وأن يبالغ في أخبار التجهيز حتى تكون مذهلة، وهذه الأجهزة متخصصة في صناعة الأخبار الساخنة وفي نشرها على أوسع نطاق في ظرف وجيز للغاية.
ومن شأن هذه الأخبار أن تسهم إسهاما مباشرا وقويا في ترسيخ القناعة بأن هذه هي صورة الزواج المقبول، وهذا معناه أن العاجز عن دفع هذه المهور لا يحق له أن يفكر جديا في الزواج ما دامت يده قاصرة عن هذا المستوى، وأن الأسر التي لا تستطيع تجهيز بناتها تجهيزا رفيع المستوى لن تجد من يتقدم إليها خاطبا.
وهكذا أحكم على هذا النحو إغلاف المجال الذي خلقه الله واسعا متسعا ليشبع عباده حاجاتهم من الحلال دون عناء ولا مشقة فجاء المتكالبون عبدة الدرهم والدينار ليملأوا الفج الفسيح بالمتاريس ويزرعوا الطريق بالأشواك فيضيقوا الواسع ويصعبوا السهل ومن أظلم ممن يعرقل حركة الحياة ويصادر الفرص ويجعل السهل صعبا والأمر اليسير مستحيلا.
هذه العادات الجاهلية لا تزال تفرض سلطانها بصورة قوية على مجتمعنا وهذا غريب جدا، غريب أن نعيش كل هذه القرون في مظلة الإسلام وداخل جلبابه ثم تظل عقولنا في حالة استعصاء بهذا المقدار من القوة على تعاليمه فلا نتأثر بها في مفاهيمنا الاجتماعية والسلوكية والفكرية! أوليس الإيمان تصديق بالعقل وعمل بالجوارح!؟..

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد