بقلم: أحمد ولد مولاي امحمد a.moulaye.md@gmail.com
عندما تبحر السفينة، كل سفينة، فإن همّ ركابها، أيا كانوا، ينصب كليا على وصولها بسلام إلى بر الأمان، وهذا الاهتمام المشترك بسلامة السفينة وركابها يتجسد في الالتزام بقواعد وقوانين السلامة، والتحلي بالانضباط والمسؤولية من طرف جميع ركابها حتى لا تتأثر المسيرة أو تغرق السفينة بمن فيها في عباب البحر.
ومن أولويات الالتزام في هذه الحالة مراقبة أولئك الذين قد يفكرون في العبث بسلامة السفينة وركابها، سواء بإحداث خلل أو أعطال فنية، أو التسبب في كل ما من شأنه أن يعيق عملية الإبحار ويعرض حياة الناس للخطر، ومن ثم معاملتهم بما يتناسب وحجم المخاطر المحدقة للحيلولة دون تنفيذ مآربهم الخطرة.
وعلى الربان المقتدر مسؤوليات جسيمة، تتركز في حماية أمن وسلامة السفينة وركابها بكل الوسائل حتى تصل بسلام.
ومن المسلمات في أدب الإبحار وقواميسه، أن يلتزم المعنيون جميعهم بسلامة الرحلة وأن يتقيدوا بكل ما من شأنه عدم إثارة المخاوف والتسبب في الفوضى على متن السفينة حتى لا يكون ذلك مدعاة لغرقها أو تضرر كل أو بعض ركابها.
وإذا افترضنا، جدلا، أن موريتانيا هي بمثابة سفينة يراد لها الإبحار منذ 1960، وأن هناك من بين أبنائها من يحول دون إبحارها في الظروف المقبولة والمعتادة، توجب علينا البحث والتدقيق في مكامن الخلل، وفي الأسباب الحقيقية لهذا التعذر وعثرات الإبحار المتتالية، ومن هم أولئك الذين يحولون دون انطلاق الرحلة وإكمالها لتصل إلى البر المنشود منذ ذلك التاريخ. وما الذي يريده هؤلاء تحديدا؟!
فإذا كانت مبرراتهم مقبولة توجب التعامل معها بما يعين على انطلاقة الرحلة وإكمالها في الظروف الاعتيادية، أما إذا اتضح أنهم يعيقون عملية الإبحار لأسباب تخصهم وتنتفي مع المصلحة العامة توجب علينا معاقبتهم بما يستحقون لا أكثر ولا أقل، حتى تكتمل الرحلة وتصل البلاد إلى بر الأمان المنشود.
إن كل الموريتانيين مطالبون بأن يكونوا أكثر حرصا على سلامة بلدهم وشعبهم من أي شيء آخر، وأن يكونوا أكثر إصرارا على أن لا تكون موريتانيا في ذيل الركب، لأن ذلك يعكس صدق الانتماء والوطنية، وبدون هذا الحرص على موريتانيا فإننا نجزم بأن من يدعون حرصهم على استقرارها ورقيها مع ثبات العكس ليسوا أكثر من مزايدين، وربما يخدمون أجندات خارجية غير معنية بمصالح هذا البلد وشعبه.
إن عملية التنمية في هذا البلد تعرضت للعديد من التلاعب من طرف (خيرة) أبناء البلد، وما زلنا ننتظر الخروج من مأزق التخلف الذي لم نبرحه منذ عقود رغم بصيص الأمل الذي يلوح بين الفينة والأخرى.
فكلما تفاءل شعبنا وبدأ يتطلع لغد أفضل انتكست آماله، لأن تطلعات نخبه تتعارض مع مصالح الشعب والدولة في البناء والرقي والتنمية، أو هكذا عوّدونا، وهو أمر محبط للغاية يجعلنا جميعا مطالبون بأن نتعاطى مع الشأن العام بعقلية وأسلوب جديدين مغايرين تماما لما دأبنا عليه منذ إعلان الاستقلال عام 1960.
إن كل مواطن شريف غيور على وطنه لا يستطيع أن يقبل بالوضع الذي أريدَ له أن يسود منذ عقود متصلة، والذي يعكس انعدام الحس الوطني وغياب مفهوم الدولة وهيبتها لدى جل المتعاطين مع الشأن العام، حيث تتجلى الفوضى في كل شيء ويتحكم التسيب واللامسؤولية.
إن غرق سفينة البلاد في وحل التشرذم والفرقة، والتنافس على الهدم لا البناء يلزم أولياء الأمور اتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات تعيد القاطرة إلى السكة وتمكن البلاد من الانطلاق نحو آفاق بناء واعدة بالخير والرفاهية لجميع المواطنين الذين سئموا من حالة الإحباط واليأس المزمنة، والتي لا يمكن أن تكون قدرا مقدورا.
إن أولويات البناء والتنمية ووضع أسس سليمة لهما تجعلنا جميعا ومن دون استثناء ملزمين بإتباع قواعد وسلوك وضوابط محددة لا يجوز لأي كان أن يتجاوزها ولا أن يتلاعب بها أو عليها، وساعتها نكون قد أسسنا لمشروع دولة حديثة، يستشعر الجميع دفئها ويحرص كل من فيها على أن تظل بخير بعيدا عن كل الحسابات الشخصية الضيقة أو الاعتبارات الآنية.
وهكذا فإن وصول سفينة البلاد إلى بر الأمان ليست من مسؤوليات الربان فحسب، بل من واجباتنا نحن كركاب في هذه السفينة التي يجب أن لا يعيق سيرها أي شيء ما دمنا معنيين بأن نصل إلى بر الأمان وأن ترسو سفينتنا في مرفأ الراحة والأمن والازدهار.