AMI

اقتفاء أثر السلف الصالح

بقلم: بابا الغوث
تعالوا بنا نقتفي آثار السلف الصالح في ما نفكر فيه وما نقول وما نقوم به من أعمال تترجم فكرنا وأقوالنا وتحيلها إلى مفردات عملية قائمة على الأرض.. بذلك أي باتباع السلف نسير على الطريق الصحيح.. وهذا من شأنه أن يجنبنا الوقوع في الأخطاء.. كما أنه يضعنا على محجة التاريخ الحضاري لأمتنا التي حازت على أرفع المفاهيم وأزكى القيم، وبذلك سمت إلى آفاق المجد فكانت خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله.. منها تعلمت الأمم كيف تبني وكيف تقيم العدل وتصون الإنسان وتحفظ له كرامته وحريته.. وكيف تحرره من الأهواء والغرائز، كما حررته من العبودية للأوثان وللطواغيت..
لنتبع مسار أمتنا الماجدة ونبذل في سبيل ذلك جهدنا.. نستحضر الماضي من خلال استغلال عطائه في كل المجالات.. ذلك ما فعلته الشعوب ودأبت على فعله حتى ازدهرت وسمت وارتقت بحياتها.. بمراجعة تراثنا المعرفي نضع أيدينا على كنوز ثمينة ونصل الأمس باليوم.. من ذلك التراث سوف نتعلم السياسة بأصولها العلمية وقواعدها الفكرية وأشكالها التنظيمية.. وبمعرفتنا لهذه لأصول ننطلق في طريق معالجة أوضاعنا على أساس قوي ومعين غني صاف يكون لنا مشربا نستقي منه وإليه نعود في الملمات التي تعترض طريقنا.
إن الأوضاع التي تردت فيها بلادنا، إنما نجمت- أصلا- عن ضحالة المشرب الفكري السياسي وما نجم عنه من غموض في الرؤية وكلال في الذهن وقصور في الدراية وتبلد في العمل.
كان طبيعيا أن تفضي بنا تلك المرحلة غير المستبصرة إلى هذا الوضع المزري.. طبيعي أن يحصل هذا فنحن لم نكن نعرف وجهتنا على وجه اليقين.. وإلى أين يصل السائر وهو مغمض العينين؟! هذا على أننا لم نسر أصلا.. لأن السائر هو ذاك الذي يسير من مكان معلوم إلى مكان معلوم مجتازا بعدًا معلوما أو مقدرا المدة بين نقطة الانطلاق ونقطة الوصول. هذه الحالة لم تكن تنطبق على حالتنا.
ربما مفهوم السير في العمل السياسي مفهوم معنوي يعبر عن حركة الفعل السياسي في إطار الزمن. ويقاس بما تم إنجازه من أعمال وأنشطة أثناء ذلك الزمن.. الدول المنظمة تعبر عن هذه الصورة بالخطط.. الخطة الخمسية عادة استثناء على زمن النوبة السياسية التداولية، التي يتم بعد نهايتها في الدول الديمقراطية الإقبال على الانتخابات، وتحسب للسنوات الخمس الخطط الإنمائية التي أنجزت خلالها والتي لم تنجز، فتتجسم الصورة في الدهن كالانتقال من مكان إلى مكان.
وهذا المعنى- وإن كان واضحا لأذهاننا- إلا أن حياتنا السياسية خالية منه.. فنحن لا نخطط ولا نحسب الزمن لأننا لا نمارس صناعة الأفعال، ومن المؤكد أن ذلك إنما نجم عن جهلنا لعلم السياسة.
يصنف الفرابي السياسة بأنها فلسفة المدنية، والعلم المدني. وهي صنفان: صنف به يحصل معرفة الموجودات التي ليس للإنسان فعلها ويسميها النظرية.. والصنف الثاني به تحصل معرفة الأشياء التي شأنها أن تفعل القوة على فعل الجميل منها، وتسمى هذه بالفلسفة المدنية والفلسفة العملية. ثم يقسم الفلسفة المدنية إلى الفلسفة الخلقية والفلسفة السياسية. ثم يعرف هذه الأخيرة بأنها معرفة الأمور التي بها تحصل الأشياء الجميلة لأهل المدن.. والقدرة على تحصيلها لهم وحفظها عليهم.
هذه المعاني من أصول السياسة.. ونحن نجهلها كأسوأ ما يكون، رغم أنها أبجديات بسيطة وبديهية.. من هذه المعاني نتعلم أن السياسة هي فلسفة المدنية.. وهي العلم المدني.. من خلال هذا العلم يتضح لك علم الموجودات القائمة، وأنت كإنسان تريد أن تشيد مدنية على الأرض لن يكون بإمكانك فعل شيء مهم ما دمت تجهل هذه الموجودات المترامية، ثم تصل إلى معرفة الأشياء التي تصنع القوة.. وتمارس في كل ذلك الخلق الكريم.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد