تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، انطلقت ظهر اليوم السبت بقصر المؤتمرات بنواكشوط أشغال الملتقى الدولي حول موريتانيا: وقفة مع الدراسات في العلوم الانسانية المنظم من طرف مركز الدراسات والبحوث حول الغرب الصحراوي بالتعاون مع مركز جاك برك للعلوم الاجتماعية والانسانية والسفارة الفرنسية في موريتانيا وبدعم من جامعة نواكشوط.
ويسعى هذا الملتقى الذى أشرف الوزير الأول الدكتور مولاي ولد محمد لقظف على انطلاقته، إلى تحقيق جملة من الأهداف من أهمها تكريم الرواد الأوائل في مجال البحث العلمي حول موريتانيا الذين غادروا عالمنا (المختار ولد حامدن، اتيودور مونود وبا عمر).
كما يهدف هذا اللقاء الى انجاز حصيلة للبحث العلمي المتعلق بموريتانيا خلال الخمسينية الأخيرة، وتمكين الباحثين الشباب المهتمين بموريتانيا من تقديم أبحاثهم ومشاريعهم ضمن المحاور المبرمجة، ونشر كتاب مزدوج يضم أهم البحوث والإسهامات المقدمة في إطار الندوة.
ونوه الوزير الأول في كلمة افتتاح الملتقى بالأهمية التي يوليها المشاركون في الملتقي لموريتانيا وقال:” إن اجتماعكم اليوم يكرس الأهمية الكبيرة التي تولونها لموريتانيا كبلد بكر لا تزال ساحته قابلة لكل المبادرات ومتقبلة لاكتشافات رواد مثلكم جعلوها قبلة خصصوا لدراستها وقتهم الثمين. فهي البلد المعطاء التي ظل ساكنتها البدو الرحل يجعلون من العلم والبحث عنه مبتغى لم يمنعه عنه شغف العيش وصعوبة المناخ ووعورة التضاريس؛ ولم ينكص من عزمهم شح الموارد ولا غياب إطار تنظيمي أو دولة تحميهم؛ كما لم يثنهم عدم توفر وسائل النقل والتنقل والتدوين عن ترك مأثور قيم مكنتم أنتم، أيها الأساتذة ورواد البحث والفكر، بفضل جهودكم ومثابرتكم، من التعريف به والتعرف عليه.
وخاطب القائمين على المركز:” أنتم اليوم، أحفاد المؤسسين الأول، تبادرون من خلال مركز الدراسات والبحوث حول الغرب الصحراوي (أإزدس)، بالقيام بتفكير جماعي يتعلق بالمعارف المنتجة حول موريتانيا في مجال العلوم الإنسانية خلال العقود الخمسة المنصرمة، مما سيشكل مناسبة للتعريف ببلادنا عن طريق تاريخها وتطور مجتمعاتها وتكون الدولة فيها ونشأة اقتصادها وتكيف بنيتها الاجتماعية مع العالم والعولمة… وسيضمن البعد الدولي لهذا الملتقى وبدون شك رصانة علمية وصدى يتجاوزان موريتانيا.
واوضح الوزير الاول أن الأمم اليوم تتفاضل أكثر من أي وقت مضى بحسب مقدرة أبنائها وقادتها على جعل العلم والتعلم أولوية الأولويات والركيزة الأساسية التي تدعم قيام الكيان الوطني، لأنه لا قيام لأمة لا تحترم العلم ولا تقدر البحث والباحثين فيه أحسن تقدير.
واكد على الرغم من استعجال بعض الملفات التي تطرح نفسها بإلحاح على الواجهة على الأهمية الكبيرة التي يوليها فخامة الرئيس السيد محمد ولد عبد العزيز للعلم والفكر وأصحابه، لما لهم من مكانة محورية في تطور وتقدم الأمة، رغم صعوبة تطوير البحث العلمي حول العلوم الإنسانية في محيط لا تزال الثقافة المروية فيه تطبع فكر المجتمع وتشكل الميزة الحضارية الرئيسية له، بكل ما تتجلى فيه من حضور متعصب لواقع تاريخي واجتماعي يتغير بحسب آخر رواية له.
وأوضح أن الباحثين الموريتانيين الذين سيكرمهم هذا الملتقى، من أمثال المرحوم العلامة المختار ولد حامدون والمرحوم عمار باه بذلوا مجهودا كبيرا لتدوين جزء من تلك الثقافة المروية.كما قدم الباحثون والمدونون والكتاب من فرنسا – أمثال “رينيه كاييه” و”سانت أكزيبيري”- صورة نمطية عن المجتمعات الموريتانية التي كانوا ينظرون إليها بأعين المسافر الغربي المسيحي القادم في إطار عملية “تحضير” معلنة، صار الفضل بعد ذلك لآخرين من أمثال “ثيودور مونو” و”بيير بونت” في تقديم صورة أخرى لتلك المجتمعات بخصوصيتها الثقافية والحضارية. كل ذلك يشكل موروثا يتعين علينا جميعا، باحثون وأصحاب قرار، تكميله وتطويره وتنظيمه وتعزيزه، كلبنة في أساس صرح لا يزال قيد الإنشاء.
وشكرت السيد مهلة بنت احمد رئيسة مركز الدراسات والبحوث حول الغرب الصحراوي فى كلمة لها بذات المناسبة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز على رعايته السامية لهذه الندوة ودعمه الراسخ للعلم والعلماء وسعيه الحثيث على درب البناء.
واوضحت ان الملتقى يجمع باحثين في العلوم الاجتماعية من موريتانيا ومن بلدان مختلفة جاؤوا ليقدموا عصارة بحوثهم العلمية واستنتاجاتهم المتميزة في مجال العلوم الاجتماعية حول الغرب الصحراوي والمناطق الحافة به وحول موريتانيا التى حباها الله بان تكون واسطة العقد في هذا الغرب مما جعل اغلب البحوث التى ستقدم خلال الندوة تخصص لها.
ونبهت السيدة مهلة الى ان العلوم الاجتماعية تمثل حجر الزاوية في اي نهضة علمية واجتماعية متطورة قائلة “فحيثما لم يفهم الانسان حق الفهم فلا امكانية لقيادته فى دروب التنمية مهما بذلنامن جهد واهدرنا من طاقات ”
واضافت “تعلمون انه لا يمكن فهم الانسان الا في سياق معرفي علمي متكامل تتداخل فيه الابعاد الدينية والتاريخية والنفسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية لكن من خلال عناق النتائج المستخلصة في العلوم الاجتماعية حتى يمكن ان نحدد بصورة دقيقة من هو الانسان الذي نستهدفه كغاية ووسيلة للتطور المادي والمعنوي”.
وابرزت رئيس المركز ان الرد على هذا السؤال يشكل مصب اهتمام مركز الدراسات والبحوث حول الغرب الصحراوي وان هذه الندوة ما جاءت الا للمساهمة في الاجابة عليه من خلال مجموعة من المحاور والرؤي كاكتشاف مصادر التاريخ وكتابته على مدى الخمسينية الماضية ومناقشة اشكال الثقافة والتراث اضافة الى النظم الاسلامية والفقه المالكى فى فضاء الفتوى والنوازل…. وغيرها من المحاور.
وعبر السفير الفرنسي سعادة السيد ميشل فاندربوتر عن سعادة السفارة بالمساهمة في هذه الندوة التى تنعقد بالتزامن مع احتفالات موريتانيا بالذكرى الخمسين لعيد استقلالها الوطني والتى ستقدم وضعية البحوث الاسلامية والثقافية في موريتانيا مثمنا مبادرة المركز .
واوضح السفيران هوية موريتانيااليوم لا جدال فيها وهو مالم يكن عليه الحال قبل 50 سنة من الان حيث كان ينظر اليها على انها غير قابلة للاستمرار نظرا لظروفها يومئذ.
وابرز ان الاعتقاد يومها انصرف الى ان تعدد الاعراق والثقافات فى موريتانيا وتنوع سكانها من شانه ان يشكل مصدرا للخلاف حول قابلية البلد للبقاء الامر الذي تاكد لاحقا عدمه حيث مثل هذا التنوع مصدر ثراء للبلد وعلامة هامة على الاستقرار.
وكان الباحث ابيير بونت قد القى كلمة نيابة عن رئيس المجلس العلمي للمركز ابرز من خلالها ان تنظيم هذا النوع من الندوات يهدف بالاساس الى تقييم ما تم انجازه فى مجال البحث ووضع سياسة بحثية لما سيتم القيام به مستقبلا.
وقال ان الباحثين يعملون دوما على كشف الحقائق المتعلقة بالشعوب وان هدف هذا الملتقى هو تسليط الضوء على الانجازات الثافية والدراسات التى تناولت موريتانيا على مدى الخمسين سنة الماضية والوقوف على تاثيرات ما كتب على الحياة في هذه البلاد
واشار الى ان الملتقى سيعمل على تعميق البحث العلمي بصورة فعالة وتقديم حقيقةالمؤلفات الكبرى حول البلد كموسوعة المختار ولد حامد وغيره من الباحثين منبها الى ان البحث العلمي في موريتانيا لازال يعانى من عدة معوقات من ابرزها عدم تخصص الباحثين.
ومن جانبة اوضح الاستاذ صالح ولد مولاي احمد في كلمة له باسم الباحثين ان نتائج البحوث الموريتانية لاتزال دون الطموحات نظرا لنقص الامكانيات ومع ذلك اوضح انه لابد من الاقراربان جهودا كبيرة قد بذلت في مجال جمع المخطوطات والبحث وان ظلت حبرا على ورق.
وطالب الاستاذ صالح بان ينظر الى البحث العلمي باعتباره مجالا هاما يتطلب ارادة صادقة وسياسة واضحةودعما متواصلا من السلطات العمومية وتحديد للاولويات والاهداف مشيرا الى ان بناء مجتمع المعرفة واجب الجميع .
وتتشكل محاور الملتقى الذي يستمر لثلاثة أيام، من الثقافة والتراث، القبائل و”لكصور” والحواضر، مصادر وكتابة التاريخ، موريتانيا في ظل العولمة، الجغرافيا والانتروبولوجيا والسوسيولوجيا الحضرية، النوع والتراتبية الاجتماعية، تحولات المجال السياسي أو نمط الحكم، الاسلام وتجلياته في موريتانيا واللغة والتعليم.
وجرت الانطلاقة بحضور عدد من أعضاء الحكومة وأعضاء السلك الديبلوماسي وشخصيات ثقافية وعلمية وعدد من الباحثين.