AMI

بيجل ولد حميد، سياسي: يجب أن نقوم بتقييم الماضي للتأسيس للمستقبل

مارس العمل السياسي وهو في الإعدادية حيث انخرط فى حركة النضال من أجل استقلال البلاد.. كما انخرط في العمل النقابي منذ شبابه.
عمل فى سلك المالية فى فترة لا يزال فيها الأجانب يمسكون هذا القطاع بالكامل وعايش فترة مرتنته.
السيد بيجل ولد حميد يحكي، فى سياق المقابلة التالية، ذكرياته عن مختلف هذه المواضيع.
سأتحدث في ذكرياتي عن الاستقلال وعن المشهد السياسي في فترة الستينات، خاصة خلال فترة دراستي بالإعدادية بروصو سنة 1965، علما أن التلاميذ في تلك الفترة كانوا يمارسون السياسة ويشاركون فى الحركة النهضوية للبلد.
لقد دخلت السياسة عن طريق النقابات، فخلال سنة 1975 انتخبت أمينا عاما للنقابات المالية وانتخبت خلال مؤتمر اتحاد العمال الموريتانيين 1981 أمينا عاما مساعدا لاتحاد العمال الموريتانيين.
بعد ذلك التحقت بحركة الحر وناضلت داخلها واعتقلت وعندما حصلت التعددية الحزبية التحقت بالحزب الحاكم.
بخصوص الاستقلال، فكما تعرفون، لم يكن الاستقلال في الستينات أمرا متوقعا في موريتانيا على الأقل في الأفق المنظور لأن أكثرية الشعب الموريتاني بدوي لا يدرك مفهوم الدولة وكان عدد الأطر الجامعيين حوالي 12 إطارا.
كانت موريتانيا غير مهيأة ولا مستعدة للاستقلال، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية ومع الانتفاضة المسلحة بالجزائر وفيتنام من أجل الاستقلال، بدأ الغرب في منح الاستقلال للمستعمرات الإفريقية، وتم وضع أجندة لاستقلال 17 دولة افريقية من يناير إلى ديسمبر 1960.
وكما قلت حينما حصلنا على استقلالنا لم نكن مهيئين لذلك وبدأ الأطر وعلى رأسهم المختار ولد داداه في بناء وطنهم، واعتقد أنهم نجحوا في تلك المهمة رغم أنهم كانوا قليلي العدد لكنهم مؤمنون بهذا البلد.
فيما يتعلق بالإدارة، بدأت العمل سنة 1973، وكان أكثر العاملين فيها من الأجانب، خاصة من السنغال وبنين وفرنسا، لكنهم تعاونوا مع المسئولين الموريتانيين رغم قلة عددهم في تلك الفترة حتى تم إنشاء إدارة من أحسن الإدارات، وكان للمدرسة الوطنية للإدارة العمومية مساهمة كبيرة فى ذلك.
إن الإدارة مهمة جدا، فلا يمكن للدولة أن تستغني عنها تماما كما لا يمكن للسيارة السير بدون محرك، ولم تكن الإدارة مسيسة لأن القانون واضح، فالعامل حين يكون في عمله يؤديه كما يجب وخارج العمل يقوم بما هو مقتنع به.
ولم يتم تحويل أي موظف على أساس مواقفه السياسية، فتسييس الإدارة تم في الفترات اللاحقة.

كما لم تكن الدولة قبل 1978 تعاني من مشكلة التسيير ولا رواتب العمال ولا تحتاج إلى الاستدانة لأن لديها من العملة الصعبة ما يكفي.
وكان المختار ولد داداه يحكم بحزب واحد يضم جميع الموريتانيين، وهي فكرة سائدة في إفريقيا آنذاك لأن المستعمر كان يرى أن الشعوب الضعيفة لا تؤمن إلا بانتماءاتها الضيقة (القبيلة أو الجهة) وبالتالي هناك حاجة لحزب يوحد الجميع، لذلك كانت فكرة الحزب الواحد هي السائدة في معظم الدول الأفريقية حتى السنغال التي كانت من أوائل الدول التي عرفت التعددية كان لا يوجد بها إلا حزبان أو ثلاثة موجهة، كما لم تكن هناك تعددية نقابية فكانت هناك نقابة واحدة.
مع انقلاب سنة 1978 تم توقيف الأحزاب وأصبحت اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني لديها كافة السلط التنفيذية والتشريعية والقضائية.. كل شيء، لكنهم سرعان ما أحسوا أن الشعب يحتاج إلى وسيلة اتصال لذلك تم تأسيس لجان التطوع وبعد ذلك تم إنشاء هياكل تهذيب الجماهير، وفي سنة1991 تم اتخاذ قرار التعددية الحزبية.
وأقول دائما إن قرار التعددية يشبه ما حدث مع الاستقلال.. وقع اجتماع “لابول” بفرنسا الذي أعلن فيه الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران أن أي دولة لم تطبق الديمقراطية لن يتعاون معها الغرب وفرنسا بصفة خاصة، وبدأت المؤتمرات الوطنية والتعددية والديمقراطية.
في موريتانيا لم يتم عقد مؤتمر وطني لأن الرئيس حينذاك برر عدم عقدها بالقول إنه عندما ننظر إلى الدساتير الغربية نجد أن سلطة البرلمان في الحالة غير الطبيعية في يد الرئيس ولذلك فإن مطالبة الأفارقة بعقد مؤتمر وطني بحضور ألف شخص يجعل من الصعب التوافق لاتخاذ قرار.
وتم إعداد دستور مشابه للدستور الفرنسي والدول الإفريقية الأخرى التي نحت نفس المنحي.
واذكر هنا بأن التعددية، كما سبق وأن أشرت، فرضت علينا تماما حيث جرى معها مثل ما جرى مع الاستقلال الذي منح لنا هو الآخر. ولم تنته سنة 1992 حتى طبقت الديمقراطية في جميع الدول الإفريقية.
إن التقاليد الديمقراطية التى فرضت علينا منها ما هو في صالح البلد مثل حقوق الإنسان، لكن ليست كل القرارات التي تم اتخاذها ضمن هذا الوافد في صالح البلد لأن مصلحة أي بلد أدرى به أبناؤه.
ولا شك أن للديمقراطية ايجابياتها فالصحافة أصبحت اليوم حرة وعدد الأحزاب يصل إلى أكثر من ستين حزبا وهذا مهم جدا ولكن السؤال الذي يجب أن نطرحه هنا هو هل هذا في صالح البلد؟.
على الموريتانيين أن يجلسوا ويبحثوا أفضل طريقة لبناء البلد باختيارهم هم أنفسهم..
علينا أن نقوم اليوم، ونحن نحتفل بخمسين سنة من الاستقلال، بتقييم الفترة الماضية لنحدد فيم نجحنا وفيم أخفقنا لنؤسس على ذلك مستقبل موريتانيا.
أعتقد أن الحزب الواحد في فترة الستينات والسبعينات أنجز الكثير، فالسياسة تركت للسياسيين ومن يريد أن يعارض يمكنه ذلك ولكن ظل البلد متقدما لأنه موحد وتم القيام بعمل سياسي داخل الحزب الواحد حيث أصبح الشعب يدرك معنى الدولة.
الآن الصراع يتركز أكثر بين الأطر وبين السياسيين بعيدا عن المصلحة الوطنية. فإذا عمل الحاكم أمرا جيدا قيل إنه فاسد، وإذا قالت المعارضة كلاما جيدا قيل إنه غير صالح.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد