AMI

ديوان المظالم… ضرورة ملحة بقلم: أحمد ولد مولاي امحمد ahmedidriss2002@yahoo.fr

تحرص الدول والحكومات العادلة على حماية حقوق مواطنيها، وتكفل لهم الطمأنينة وتكافؤ الفرص والمساواة ورفع الظلم. ولعل إتاحة الفرصة أمام المواطنين لمخاطبة أعلى هرم في السلطة وبطريقة مباشرة هي أفضل وسيلة للحد من المظالم وأفضل طريقة لإفشاء العدالة بين الناس، ووضع السلطات العليا في البلد في صورة ما يجري.
وقد كانت تجربة عمل ديوان المظالم في دول شقيقة، تجربة مشجعة للتواصل بين المواطنين المحرومين وبين القمة، وعمل دائم لرفع الظلم عن ضعفاء الناس من خلال الدوائر التابعة للديوان والتي تعمل في كل أنحاء البلاد.
ويفترض في ديوان المظالم أنه هيئة عليا مستقلة كليا عن الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأحكامه نافذة وقراراته واجبة التنفيذ وغير قابلة للطعن أو الاستئناف، لأنها تُعتمد بعد التدقيق في الوقائع تدقيقا شاملا وموضوعيا، فضلا عن أن الديوان يؤسس أصلا للبت في النزاعات التي تكون الإدارة طرفا فيها والمواطن ضحية لها ولا بد له من جهة تنصفه.
ومن المعلوم أن الإدارة لا يمكن التنفيذ عليها في بلادنا، مما يعني أن آلاف الضحايا يقفون في طوابير انتظار العدل الذي تحققه هذه المؤسسة والتي نحن في أمس الحاجة إليها لإرساء الطمأنينة وبث السكينة بين مواطنينا، وإزالة الحواجز بين المواطنين البسطاء والسلطات العليا في الدولة.
ومهما تعددت المؤسسات التي تعنى بمراقبة وحماية الحقوق وتحقيق العدالة والمساواة، مثل مفوضية حقوق الإنسان والعمل الإنساني ووسيط الجمهورية وغيرها فضلا عن دور القضاء، فإن ديوان المظالم يظل المرجع الذي يمكن الاعتماد عليه في إحقاق الحق والإنصاف، وهو وحده الذي يجب أن يحظى بصلاحيات كافية تمكنه من التجرد التام في البت في التظلمات المحالة عليه.
ويجب أن يتعزز أداء ديوان المظالم بمؤازرة مؤسسات المجتمع المدني التي تراقب أداء المؤسسات العامة وتدافع عن حقوق المتضررين وتقدم الخدمات الضرورية وتنير الرأي العام حول حقوق الإنسان وضماناتها القانونية.
ومن المفترض، كذلك، أن تكون لهذا الديوان صلات وطيدة وتعاون وثيق مع السلطات الإدارية في كل أنحاء البلاد من خلال اعتماد مندوبين للديوان لدى الجهات الإدارية والحكومية بما يمكنه من أن يكون على تواصل مباشر مع مختلف أبناء الشعب وأن يكون في متناول كل المواطنين على امتداد التراب الوطني بما يعزز الدور المنوط به في إرساء قيم العدل والإنصاف في هذه الربوع العامرة إن شاء الله.
ويجب أن يركز عمل الديوان على تعزيز مبادئ حقوق الإنسان في الدولة، والإسهام الفاعل والبناء في ترسيخ تلك المبادئ على صعيدي الفكر والممارسة، وكذلك تعزيز النهج الديمقراطي من أجل خلق نموذج متوازن ومتكامل يقوم على إشاعة الحريات الفردية والجماعية وضمان التعددية بكل أشكالها وتجلياتها واحترام سيادة القانون، وضمان الوصول إلى أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
إن حاجتنا ماسة إلى مؤسسة متخصصة تعنى بحل مشاكل المواطنين في مواجهة الإدارة وما يمسهم من مظالم، وإصلاح ما قد يصدر عن بعض المسؤولين الإداريين من تعسف أو شطط؛ واستغلال للسلطة والنفوذ أو المحاباة وغيرها… فضلا عن باقي المظالم المتشعبة والتي يجد المواطن نفسه أمامها في حالة عجز كامل عن الوصول إلى الحل واستنشاق نسائم العدل والإنصاف.
وفي هذا الصدد يجب العمل على تفادي تداخل الصلاحيات بين ديوان المظالم وبين القضاء بصفة عامة والمحاكم الإدارية بصفة خاصة، بل يجب أن تتحدد صلاحياته بما يعزز سلطة القضاء واستقلالية الجهازين معا عن بعضهما البعض، فضلا عن ضمان استقلالية هذه المؤسسة عن السلطات التنفيذية والتشريعية.
إن رفع الظلم وإرساء قيم العدل والإنصاف والمساواة بين أبناء الوطن الواحد هي أهداف نبيلة لا بد أن تتجسد على هذه الربوع التي ظلت على مر العصور منارة إشعاع، رغم كل ما مر عليها.
ولا شك أن إقرار ديوان للمظالم بالصلاحيات المذكورة أعلاه، سيفعّل من أداء أجهزة الدولة المختلفة فضلا عن دوره في إرساء الاستقرار ومفهوم الانتماء للوطن لدى جل المواطنين الذين عانوا الظلم والتهميش لوقت طويل لم يستشعروا خلاله دفء الانتماء لوطن يحميهم ويدافع عن مصالحهم وحقوقهم المشروعة، بل إن إنشاء هذا الديوان سيعزز المكاسب الديمقراطية ويسهم بشكل فاعل في نجاح عملية التنمية الشاملة للبلاد من خلال مساهمة الجميع، كل من موقعه، في بناء موريتانيا الجديدة الواعدة بالإنصاف والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وحماية الحقوق وتكريم الإنسان الموريتاني في وطنه، وجعل رعاية مصالح المواطن وصيانة حقوقه والتواصل معه قوام المفهوم الجديد للسلطة في بلدنا.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد