AMI

حتى لا نصبح مسبة للأجيال اللاحقة بقلم: أحمد ولد مولاي امحمد a.moulaye.md@gmail.com

بعد أقل من عشرين إلى ثلاثين عاما من الآن، على الأرجح، ستكون النخب التي حكمت موريتانيا خلال العقود المنصرمة، جزءا من الماضي، تحكم عليها الأجيال بما تركته وراءها من بصمات، سواء أكانت إنجازات أم إخفاقات، حبا للبلد ودفاعا عنه أو متاجرة به وبأهله.
ولأن التاريخ لا يرحم، كما يقال، فلا أعتقد أن من يخطئون اليوم في حق موريتانيا وفي حق أنفسهم، يدركون أنهم سيصبحون مسبة للأجيال التي ستحكم بعدهم وتتولى تسيير شؤون البلاد، إذ لو أدركوا ذلك لانحازوا لأنفسهم ولمصالح شعبهم، وتجنبوا لعنة التاريخ ومحاسبة الأجيال…
حين يصير الأمر إلى تلك الأجيال، فإنها لا محالة ستنظر فيما شغل السلف وما كانت عليه البلاد حينذاك، وسيتساءلون عما أخر تقدم وتطور هذه البلاد عن غيرها، وهل كان لفلان دور إيجابي أكثر من علان، أم كانا كليهما يتنافسان على حساب رقي الوطن ورفاهية المواطن….
وسيستغرب الخلف لا محالة، حال البلاد والعباد بعد عقود من الاستقلال، وسيحكمون، بكل تأكيد، على السلف بما ترك وراءه للخلف من فوضى وتسيب وتفشي أمراض الفساد من رشوة ونهب للمال العام ومحسوبية وقبلية وجهوية وزبونية….
وللأسف فإن بيننا من يستحقون لعنة التاريخ والأجيال، وهم أولئك الذين أسسوا لهذه القيم المريضة والمبادئ السقيمة والظواهر غير الطبيعية في أي كيان يراد له البقاء والتقدم، وأسهموا في تفشيها لعقود متصلة.
وحين يشرع الخلف في تصحيح أخطاء السلف، الذي هو نحن اليوم، فإنه سيواجه عقبات كأداء ستأخذ من وقته وجهده ما لم يكن يتوقعه، لأن إعادة ترميم أمة ومحاولة بنائها من جديد في عصر كالذي نحن فيه، هي عمل شاق ومضن كان من الواجب على السلف الذي لم يَصلُح ولم يُِِصلِح، أن يجنب أحفاده مشقة الانشغال به.
غير أن المؤسف حقا هو أننا سنترك لهؤلاء الأبناء والأحفاد جملة من الأمراض الخطيرة آنفة الذكر، حيث سيأخذ القضاء على الفساد بعض الوقت والجهد، لأنه استشرى واستفحل قبلهم بما يستحيل معه محو آثاره بالسهولة واليسر المطلوبين، لكن هل سنترك لهم إلى جانب ذلك أيضا، كل مساوئنا الأخرى من تشرذم وتفرقة ولا وطنية ؟!
إن من يحكمون اليوم وغدا مطالبون ببذل جهود استثنائية في سبيل القضاء على ما نتوارثه من أمراض خطيرة على كيان الدولة وعلى مصير الشعب ومستقبله، ولن يتأتى لنا ذلك ما لم نحكّم القانون وترسانة النظم القانونية التي هي الفيصل، و التي هي وحدها صمام الأمان لغد أفضل…
إن سيادة مفهوم الدولة العصرية يظل مطلبا ملحا لدى كل أبناء موريتانيا الغيورين على مصالحها والمتطلعين إلى بنائها ورقيها وتقدمها، إذ لا يمكن تصور أية عملية بناء دون تحكيم القانون والاحتكام إليه وحده لا إلى أية (قيم) أو معايير أخرى، وبتحكيم القانون وسيادته فإن كل مظاهر الفساد ستتلاشى، لأنها مظاهر مخالفة لكل المواثيق والأعراف والقيم الحميدة، ومعيقة لكل عمل تنموي.
ومن المؤسف أن أباطرة الفساد لا يقتنعون بغير الفساد منهجا وسبيلا لبقائهم، وسيحاربون بكل شراسة كل المؤمنين بتغيير العقليات الفاسدة والمظاهر المريضة، وهي حرب بدأت وعلينا جميعا ، إذا كنا في صف المدافعين عن موريتانيا المستقبل، أن نشهر أسلحتنا في وجوه سدنة الفساد هؤلاء ونقاتلهم بأشد تلك الأسلحة فتكا بأمثالهم، ألا وهو سلاح القانون.
إن الحرب على الفساد هي انتصار للفقراء والمحرومين والبؤساء من أبناء وطننا، وهي عمل جليل يستهدف القضاء على أمراض أرجأت عملية التنمية، وأحرقت كل أخضر ويابس على أديم هذه الأرض منذ شرع المفسدون في انتهاج أساليبهم تلك لتحقيق تطلعاتهم في الهدم والتخريب المنظم لمشروع الدولة ولمستقبل الشعب، وبالتالي فإننا جميعا معنيون بتجسيد ما يعنيه إعلان الحرب على الفساد وتجلياته وعلى أباطرته مهما كانوا وأينما كانوا، بعيدا عن كل الحساسيات والاعتبارات الضيقة التي لا يجوز النظر إليها في حالة حرب كهذه.
ولا يجوز لأي مواطن غيور على بلده أن يتردد في تأييد كل خطوة من شأنها تقييد أداء المفسدين حتى ولو كانوا من أقرب المقربين إليه، لأننا بذلك نضمن لأبنائنا ولأحفادنا من بعدهم غدا مشرقا يحتكم فيه الجميع إلى القانون وقيم دولة القانون والمؤسسات، لا إلى أية اعتبارات أخرى مهما كانت أهميتها.
وساعتها سيجد المفسدون أنهم أمام خطر حقيقي يتهدد بقاءهم، وذلك عندما تصبح القبيلة والجهة ضدهم لا معهم، وحين يصبح الإخوة والأصدقاء هم أول خصوم المفسدين، لا حصنا ومأمنا لهم ولأمثالهم.
إن محاسبة الأجيال اللاحقة ستكون عسيرة، ولن يرحم التاريخ من أعلنوا حربهم على رقي وتقدم البلاد ونهبوا خيراتها وأثروا من مالها العام بدون وجه حق.
كما أن من أسهموا في شل سير مؤسساتها الديمقراطية لن يكونوا في مأمن من المحاسبة ولو بعد أن يصبحوا ذكرا بعد عين، تماما كما حصل في دول هي اليوم في مصاف الدول المتقدمة التي لا تحتكم لغير القوانين والقيم الديمقراطية، فهل نجنب أنفسنا لعنة التاريخ ومسبة أجيالنا اللاحقة ؟

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد