تعرف مدينة انواكشوط هذه الأيام زحمة في المرور وغياب من يسهر على انسيابيته بين مختلف أنحائها، الأمر الذي يمكن اعتباره قطعا للأوصال وإبطاء للحركة، جعل الراجل في لعاصمة الموريتانية أسرع من راكب السيارة شأنه في ذلك شان من تقلهم عربات الحمير.
وتمتزج في هذا الخضم، أصوات الحمير بمنبهات السيارات وتتضرر مما يلازم الفعلين (عازل السيارة وروث الحمار) بيئة انواكشوط، الهشة أصلا نتيجة لتضعضع جهود النظافة وانعدام قنوات الصرف وضعف الوعي العمراني…
صحيح أن مشهد المرور في هذه العاصمة الفتية له خصوصية تعايش أخر ما توصل إليه العقل البشري في مجال صناعة السيارات مع اعرق وسائل النقل، بل أكثرها بدائية كالخيل والحمير والعربات اليدوية.
لكن المثير اقتصاديا في هذه الدوامة، هو حيوية ما تؤديه العربات التي يجرها الحمار من خدمات، رغم انف المكننة واكتساح الشاحنات العملاقة والباصات والسيارات النتئة المتقادمة وتلك الفارهة لشوارع عاصمة ما زالت البداوة خلفية حاضرة فى سلوك ساكنتها وذهنهم الجمعي…
السيادة على شوارع انواكشوط الإسفلتية القليلة المصممة أصلا لما لا يتجاوز(11طنا) أو على الأصح ما تبقى منها(الشوارع)، أمر مشاع .. للجرار والباص ومركبات العربات المغلقة والمفتوحة، وان كانت لها كلمة سر أدرى بها الحمار والأصم والأعرج والسوي من الشاحنات، ربما لغفلة أو تماد في تجاهل قواعد السير، أو للسببين، على شوارع تطالب بمن يتبرع بعناية، ولو دنيا، لصالح انسيابية المرور…
وأكثر من ذلك، يكتسح عرض البضائع الطرقات ويلف من غير لطف ولا احتراز ملتقياتها ولا يتورع الباعة المتجولون ولا أصحاب ورشات إصلاح السيارات واللحامة والنجارة ولا المتسولون، عن اقتطاع ما يحلو لهم من الطرقات الرئيسية والاماكن العامة…
وهكذا يخيل لمتابع حركة المرور في هذه المدينة، راكبا كان أو راجلا، أن انواكشوط ضاقت، حيث الزحمة طوال اليوم وفي كل مكان: أمام البنوك والمستشفيات ومختلف المرافق …
لاشك أن كل اختناق في المرور يحتاج من يقوم على التنظيم وضمان الانسيابية الأمر الذي حدا ببعض المارة إلى التطوع وحتى ببعض المجانين إلى”الشفقة”بالشأن العام أمام لا مبالاة من يهمهم الأمر ومن هم ضحيته الأولى والأخيرة…
يرجع البعض بهذه الظاهرة التي تؤرق حياة سكان انواكشوط إلى عوامل بنيوية مردها تضعضع شبكة الطرق وقصورها وميوعة المخطط العمراني وتحولاته المتلاحقة التي غالبا ما يختفي معها الاحتياط العمومي(الساحات، المساجد، المدارس، المستوصفات …الخ).
ويرى آخرون انه من أسباب ديمومة اختناق المرور في انواكشوط، مركزة جميع المرافق العمومية كالوزارات والمستشفيات والأسواق والإدارات والبنوك وغيرها في مقاطعة واحدة، رغم ارتباطها بحياة الناس في كل أنحاء المدينة والوطن.
ولا يخفى كثيرون امتعاضهم إزاء دخول الشاحنات وعربات الحمير إلى قلب المدينة باعتباره إثقالا لكاهل المرور وتشويها لواجهة البلاد ورونق عاصمتها…
وفى كل الأحوال، فان ما لا خلا ف عليه، هو أن عقلية الموريتاني ومحاولته الجمع بين البداوة وحياة المدنية وجهله بالقانون وقواعد التمدن المعاصرة، هي العائق والسبب في الاختناق والمعاناة، لا على مستوى المرور فحسب وإنما على مستويات أخرى كثيرة، سواء غاب من يهمهم الأمر أو حضروا.