AMI

فقر الدم السياسي

بقلم/ المختار السالم
elmoctar@gmail.com

من الطبيعي تماما، وكنتيجة لتحالف الجفاف والفقر ومتوالية الأنظمة الفاسدة طوال خمسة عقود، أن يعاني بعض المواطنين الموريتانيين من سوء التغذية، فتشاهد مواطنا هزيلا، غائر العينين يعاني من فقر الدم بعد فقر المأكل والمشرب.. ولا يمكن بأي حال من الأحوال إلا التضامن مع الفقراء والمعوزين وتفهم حربهم على سوء التغذية.
أما ما ليس طبيعيا فهو أن يكون من بين طبقتنا الحزبية من يعاني “نقصا” في الخبرة السياسية حتى لا نقول إنه يعاني من “سوء التغذية السياسية” جراء مواقف لا تخدم غير الشيطان.
إننا نشاهد الأثر الخطير لفقر الدم السياسي الذي أدى لدى البعض إلى اختلال الرؤية فلم يعد يميز الألوان ولا حتى الأحجام.
ومن ذلك ما قرأناه وسمعناه من بعض الجهات السياسية التي وصفت دفاع الجيش الوطني عن المواطنين والحوزة الترابية للبلد بأنه “حرب غير شرعية” و”حرب بالوكالة”.. إلى غير ذلك من “أسئلة” مصاغة بضمير الغائب كأن صاحبها لم يكن في هذا البلد حين ارتكب التنظيم الإرهابي المذابح من شرق البلاد إلى غربها.
دعونا نكون “مهذبين” ونقول إن معارضي العمليات الدفاعية عن النفس لا يعرفون من السياسة ما يحرجون به خصومهم سوى المساس بمشاعر “الضمير الجمعي” للكيان الوطني.
إذ ما معنى الاستماتة، عبر تلك الحرب الإعلامية، في الدفاع عن تنظيم إجرامي تشكل من شتات الأجانب في دول المنطقة وقرر خوض حرب ضد بلاد شنقيط (بلاد المنارة والرباط) وحيث أسسنا نحن الفاتحين أول ديار الإسلام في هذا الجزء من العالم.
هل نترك المرتزقة وباعة المخدرات وحماة المجرمين في الساحل يسبحون في برك من دمائنا دون أن نحرك ساكنا حتى لا نتهم بخوض “حرب بالوكالة”.
أم أن الدرس الذي يقدمه لنا البعض في مواجهة الإرهاب هو عن أفضل كيفية نقدم بها رقابنا إلى العدو.
“حرب بالوكالة”، و”تواجد أجنبي”، و”ضعف إمكانيات البلد” وتهديد بالويل والثبور، وعواقب الأمور.. لقد تطابقت بيانات “القاعدة” مع بيانات بعض الأحزاب خلال الآونة الأخيرة.. فما هو السبب في هذا “التطابق”.
هل هي قناعة من تلك الأحزاب بشرعية الإرهاب الإجرامي، وشعارات التنظيم، وبالتالي المهمة تقع على عاتق العلماء الموريتانيين في توسيع دائرة الحوار الفكري لتشمل أطرافا سياسية، أم هي انتهازية مدروسة في إطار الحراك بين النظام وبعض معارضيه، وبالتالي لا أحد يسميه “إرهابا سياسيا”، وإنما شخصنة مريعة للأمور على حساب أرواح الجنود الموريتانيين الذين قدموا دماءهم الزكية فداء لأرضنا وعرضنا.
إنني أعلن احترامي العميق للقادة المعارضين الذين ساندوا الجيش ضد الإرهاب، ولا علاقة لهم بهذا العتب على أولئك الذين جرفتهم مواقف ما كنا نتصورها منهم أبدا.
إن العقلاء يدركون أن “تفخيخ المستقبل يبدأ من الحاضر”، فمتى تكونوا معنا مرة واحدة، متى تكون “ثوابت الوطن” خارج الصراع على الكراسي والمناصب.
أملنا جميعا أن لا يدفع فشل البعض في استجدائه المجموعة الدولية من أجل الحصول على “مكانة محلية”، إلى عمل غير مدروس لكسب نقاط من “الوجه الآخر للآخر”.
لا داعي للتحالف الإعلامي والسياسي مع الإرهاب عبر بيانات كأنها “متشفية”، وإن كان المقصود المساس بالنظام ونقده فهناك “فائض” من المواضيع في هذا المجال.
لن نقبل نحن المواطنين البسطاء مبررا بكون البحث عن المناصب و”الحصص” الوزارية يستحق كل هذا “الثمن المقتطع من الضمير”..!
قد نكون مهيئين لـ”موجة جديدة” من “رجال الظل” و”أكلة الطعام في الظل” و”النقاد السياسيين” الجالسين في الظل، أي أولئك “المناضلين الوطنيين” وإن كان كل ما قاموا به هو القعود بين النساء والأطفال والصراخ من فوق “المنابر الباردة”.
ننتظر ذلك.. من حين لآخر نحن ننتظره.. لن يكون هناك جديد سوى تكرير المكرر، وتدوير نفايات إرشيف سياسي أكل عليه الدهر وشرب.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد