طارق ولد نوح
يتطلع المواطن الموريتاني إلى تعليم سليم يستجيب للضوابط والشروط التربوية والعالمية، ويستطيع أن يقدم مخرجات قادرة على النهوض بالتنمية الشاملة، بما فيها تكوين الأطر الأكفاء؛ فضلا عن التأسيس للقيم والمعتقدات التي تستجيب لمفاهيم: الدولة القوية، المصلحة العليا، العدل، أداء الواجب، قدسية العمل، محاربة التخلف، و”الكزرة”، وولاءات المحسوبية، والقبلية، والجهوية.
ومع أن هذا التطلع مشروع في ظل الظرفية السياسية الراهنة التي تشهد مزيدا من محاربة الفساد والتخلف على جميع الأصعدة، والتي تضع إصلاح التعليم والنهوض به، على الوجه المطلوب، ضمن أولوياتها، فإن عقود الفساد وعدم المسؤولية، التي عاشها هذا المرفق الحيوي خلال الفترات السابقة أشاعت بين المشتغلين فيه مزيدا من قناعات التخلف؛ وبصورة جعلت بعضهم يرى أن المصلحة الضيقة للأفراد هي المعيار الذي ينبغي الحرص عليه، وأن كل شيء ممكن في هذا القطاع… وإلا فلماذا يستحق موضوع تصحيح وضعية بعض المعلمين الذين كانوا لسنوات كثيرة لا يمارسون مهنتهم التي اكتتبوا من أجلها، وتكونوا في إطارها اهتمام بعض وسائل إعلامنا، بينما لا يتحرك أي ساكن لأن أطفالا في سن التمدرس لم يجدوا من يدرسهم؟ وما الذي يمنع القطاعات الحكومية بعد تقسيم ما كان يعرف “بوزارة التهذيب الوطني” إلى وزارتين أن تعيد النظر في مواردها البشرية بغية تنظيمها تنظيما يضمن الاستغلال الأمثل لصالح العمل، وعندها يكون الذين رجعوا ينتظرون في ظل قطاعهم وظائف أكثر علاوات من تلك التي فقدوها في قطاع آخر؛ خاصة أن وظيفة المقتصد أضحت منذ سنوات وظيفة صورية، لا يمكن أن يقبلها إلا الكسالى الذين لا يرغبون في ممارسة التدريس، لأن صاحبها ليس له عمل داخل المؤسسات الثانوية وعلاوتها أقل من علاوة الطبشور. أما وظيفة المراقب العام فيمارسها أساتذة التعليم الثانوي إلى جانب المعلمين منذ سنوات، ويمكن في نطاق تنظيم القطاعين أن يجد المعلمون المعادون إلى قطاع التعليم الأساسي وضعا مماثلا لوضعهم في التعليم الثانوي أو أفضل.
إن من أبجديات الشغل التفريق بين العمل وبين الوظيفة. ففي حين يضمن القانون للعامل الحفاظ على عمله ما دام يؤديه وفق منظومة القوانين التي تحكم ذلك العمل، فإن الوظيفة تكليف في نطاق العمل تمنح وتفتقد حسب الحاجة، دون أن يكون في ذلك أي داع لتهديد الدولة، أو إعلان العصيان الجماعي عليها، أو الادعاء أن تلك الوظائف هي حقوق خاصة بالذين استفادوا منها لفترة ما. وبالتالي فلماذا لا يطالب هؤلاء المحتجون الآن بوظائف في قطاع التعليم الأساسي إذا كان يشرفهم الانتماء إلى المجال الذي عاهدوا على خدمته؟
إن الذي لا يدركه بعض الناس أن أساليب الضغوط غير القانونية يمكن أن تخيف من لا يحملون أي مشروع للإصلاح، ويسعون فقط إلى أن تستمر الأوضاع على رتابتها: وكرا لتسيب الموظف، وهدرا للمال العام في وظائف صورية، حتى تستفيد أقلية من الناس على حساب الوطن والمواطن.
الموضوع السابق
الموضوع الموالي