AMI

ذباب نواكشوط

يكتبه: أحمدو ولد أبنو
لوحظ منذ عدة أيام في نواكشوط العاصمة، ظاهرة انتشار الذباب بكثرة غريبة أزعجت الناس وأثارت قلقهم وقضت مضاجعهم، وأصبحت هذه الظاهرة موضوع الساعة في البيوت والمكاتب والأسواق، فلا تكاد تلقى شخصا إلا وحدثك عن الذباب.
جاء الذباب بأشكال منوعة، وأحجام متباينة، فمنه ذبابنا العادي متوسط الحجم، وهو واحد من “أهل لخيام”- كما يقال -.
ومنه نوع آخر أكبر من هذا، ونوع ثالث عرف في فترة من الفترات “بذباب عرفات” (المقاطعة). ويتميز هذا الصنف باللياقة البدنية، وهو ذو تقنية عالية في الطيران والتحليق، على كؤوس الشاي، وأكواب الماء، والوقوع على موائد الطعام بتكتيك ذكي، وغالبا ما ينجح في محاولاته مهما بلغ الإنسان من الحيطة والحذر ومهما أوتي من وسائل المحاولة والدفاع، فأيكم لا يعرف ذباب عرفات؟
وهناك صنف رابع يختلف عن سابقيه من حيث الحجم والشكل واللون، فهو كبير طويل الجناحين عريضهما رمادي اللون، في ميول إلى الفضية الشاحبة، فسبحان الله العظيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير.
وتتضارب الأخبار من المقاطعات عن هذا المخلوق، فمن قائل إنه يخيم في منطقة معينة بأفواج كثيرة كما يفعل البعوض (الناموس) في لكوارب موسم ازدهاره، عندما قال فيه الأديب الراحل محمد ولد المعلوم “كافه” المشهور الذي طارت به الركبان:
ناموس الدشْر قُوِّتْ
وحْدَ تغْلَبْ عشْرايَ
واتْصَهَرْ عَرْ افْغبْتُ
في الريح اعْل ظهراي!!
ومن قائل إنه يدخل من أبواب متفرقة، على شكل كتل متدافعة متماسكة، كالكتيبة الزاحفة، حتى إذا دخل هذا البيت أو ذاك تفرق فرادى وزرافات وقد وزع المهام بصورة دقيقة ومدروسة حسب اختصاصاته المتعددة.
فهناك الذباب المتخصص في النزول على الخبز ومتعلقاته، من لبن ومربى ودسم وأوان خفيفة.
وهناك الذباب المتخصص في الشؤون الخارجية، كالمطبخ والمراجل والأواني الكبيرة، والثلاجة وما تحتويه من لحم وخضر وفواكه ومخبوءات.
وهناك الذباب المتخصص في الشؤون الداخلية، مثل دورة المياه وملحقاتها، وما يصرف فيها بسهولة أو صعوبة، خاصة في بيوت لا تكاد توجد فيها وسائل صرف صحي ولا أدنى من ذلك.
وهناك نوع آخر متخصص في الشؤون العامة، يتولى الطيران والنزول هنا وهناك، في البيوت، على الفراش والجدران والأبواب والنوافذ والسقوف، ينقط الأشياء كأنه يضع النقاط على الحروف للناس، فيتركهم في حيرة من أمرهم، بأي الوسائل يكافحونه؟ لكن دون جدوى!!
هذا وقد تعددت الآراء وكثرت التأويلات بشأن ذباب نواكشوط الذي ينطبق عليه أولا وأخيرا “كاف” الأديب الراحل نافع ولد ييين:
طار ذنبان إبانْ
امشبْشبْ وابعرفُ
ماه كيف الذنبان
الكنَّ نعرْفُ

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد