AMI

قياس الأبدان فاسد بقلم: محمد فال ولد عبد اللطيف

في كل رمضان يأتي به الله تعالى، تخصص الإذاعة الوطنية مشكورة، حملة صالحة من فترات بثها لاستقبال استفتاءات الصائمين والصائمات لسادتنا أصحاب الفضيلة الفقهاء وأساتذتنا أصحاب النباهة الأطباء، يستفتون عن الأمراض التي تبيح الفطر شرعا في نهار شهر رمضان المعظم.
وهذه الظاهرة من حيث المبدأ ظاهرة صحية محمودة وإذا دلت على شيء فإنما تدل على أن رجالنا ونساءنا يحبون الخير ولا يمنعهم الحياء من أن يتفهموا في دينهم، ولا يوازي هذه الظاهرة في حسها إلا سعة باع السادة الفقهاء والأطباء ورحابة صدورهم واستعدادهم للبذل والعطاء، فلا بد من توجيه الشكر لهم خاصة، لئلا يكون من أحسن كمن أساء.
بيد أن كثيرا من المواطنين لا يفتأون يستفتون الفقيه فلانا عن مرض كذا هل يبيح الفطر، فمتى يدرك هؤلاء المواطنون الطيبون أن الفقيه- على جلالة قدره- لا يمكنه ولا يجوز له في الشرع الذي يدين به أن يفتيهم بجواز الفطر ولا بعدمه بسبب مرض معين لأن ذلك ليس من وظائفه ولا ينبغي أن يكون من وظائفه، وأنه إذا فعل ذلك فقد تسور على ميدان لا يحسنه وانتحل صفة لا يتحلى بها، وما مثله في ذلك إلا طبيب يفتي في الحلال والحرام وهي أمور لم يدرسها في كليات الطب ولم تتطرق لها المخابر والعيادات.
والحق أن وظيفة الفقيه بخصوص جواز الإفطار أو عدمه هي تحديد كبرى الشكل كما يقول المناطقة، فبحسب الفقيه أن يقتدر ويعلم الناس أن كل صائم خاف بصومه حدوث مرض أو زيادة أو تأخر برء فإنه يجوز له الإفطار إن شاء الله.
أما تنزيل هذه الكلية على جزئياتها فإنها من شأن الطبيب المختص لا شريك له فيها وبرسم ذلك فإنه ينظر في كل حالة على حدتها فيحكم فيها حسب ما تقتضيه القوانين الطبية والنواميس التي تحكم صحة الإنسان. والطبيب مؤتمن في كل ذلك شرعا ولا يطلب منه الشرع أن يحابي أحدا ولا أن يقسوا على أحد، إنما يصدر فتواه الطبية بإرادة موضوعية لا تحمل أي شحنة عاطفية ولا أي نبرة توددية أو تهديدية. ولعل لجوء غالب المواطنين إلى الفقهاء يرجع إلى جهلهم لمناط الأمور فالعامة ينظرون عادة إلى الأمور نظرة مبسطة ويفوتهم كثير من التفاصيل فهم يستفتون المؤذن وشيخ الكُتّاب ورئيس الزاوية يحسبون الكل علماء فقهاء فلعل هذا من هذا.
ولعل السبب في لجوء المواطنين إلى الفقهاء في معرفة الأمراض المبيحة للفطر، هو أن الفقهاء عندنا في القديم قد حققوا مناط بعض الأمراض الشائعة في أرضنا هذه استنادا إلى رأي الأطباء في زمانهم فلم تعد بهم حاجة إلى استشارة الطبيب بشأنها كلما طرقت منها طارقة.
وإذا كان هذا الموقف مقبول في القديم فإنه اليوم مرفوض بتاتا، ولأسباب معقولة وهي أن الأعراض قد تتشابه وتتغاير مسبباتها، فليس كل تشخيص يعطي نفس النتائج بالضرورة. وقد تفطن القدماء لهذه الحقيقة فأصدروا مقالتهم الشهيرة: إن قياس الأبدان فاسد والقياس الفاسد في عرف المناطقة هو ما لصق به عيب في مادته أو برهانه فجاء بنتائج كاذبة مفاجئة بسبب خطر في المقدمات أو خطر في ترتيبها الطبيعي.
وكذلك الأمر في قياس الأبدان في الميدان الطبي فلو اعتمد المفتي على فتوى صدرت لزيد فأجازت له الصوم فأصدر مثلها لعمرو قياسا لحالته على حالته فيخشى على عمرو أن يهلك فيكون المسؤول عن ذلك معروفا وغير معذور بالجهل ولا يعتبره مجرد غارٍّ بالقول لأنه انتصب للفتوى وليس المنتصب للأمر كغير المنتصب، والله الموفق.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد