AMI

أولويات معركة التنمية…أحمد بن مولاي محمد a.moulaye.med@gmail.com

تأثرت كثيرا برسالة إلكترونية وصلتني من صديق تتحدث عن الفوارق بين الشعوب الغنية والشعوب الفقيرة، وكيف أن دولا صغيرة تحتل مراتب متقدمة في صفوف الدول الغنية، بينما تقف دول كبيرة من حيث المساحة وعدد السكان ومن حيث القدم في ذيل الترتيب في مقابل دول حديثة النشأة وقليلة السكان.
وتؤكد الرسالة على أن الفرق بيننا وبينهم في السلوك وفي استيعاب بعض المفاهيم الضرورية لحسن الأداء ولترقية عملية التنمية الشاملة، تقول الرسالة: “الفرق بين الدول الغنية والدول الفقيرة لا يعود إلى قدمها في التاريخ، فمصر والهند عمرهما آلاف السنين وهما دولتان ليستا من الدول الغنية، أما كندا وأستراليا ونيوزيلندا فهي دول لم تكن موجودة قبل 150 عاما، وبالرغم من ذلك فهي دول متطورة وغنية”.
ولا يمكن رد فقر الدول أو غناها إلى مواردها الطبيعية المتوفرة، فلليابان مساحة محدودة 80 بالمائة منها جبال غير صالحة للزراعة أو لتربية المواشي، ومع ذلك فهي ثاني أقوى اقتصاد في العالم، لأنها عبارة عن مصنع كبير عائم يستورد المواد الخام لإنتاج مواد مصنعة يصدرها لكل أقطار العالم.
وسويسرا هي مثال آخر، فبالرغم من مساحتها الصغيرة التي لا تسمح لها بالزراعة أو بتربية المواشي لأكثر من أربعة أشهر في العام، إلا أنها تنتج أهم منتجات الحليب وأغزرها في العالم.. إنها بلد صغير ولكن صورة الأمن والنظام والعمل التي تعكسها جعلتها أكبر خزنة في العالم.
ولم يجد المدراء من البلاد الغنية، من خلال علاقتهم بزملائهم من الدول الفقيرة، فروقا تميزهم من الناحية العقلية ومن حيث الإمكانات عن هؤلاء في الدول الفقيرة. واللون والعرق لا تأثير لهما، فالمهاجرون المصنفون كسالى في بلدانهم الأصلية، هم القوة المنتجة في البلاد الأوروبية، فأين يكمن الفرق إذن؟
يكمن الفرق في السلوك المتشكل والمترسخ عبر عقود من التربية والثقافة.. فعند تحليل سلوك الناس في الدول المتقدمة، نجد أن الغالبية يتبعون المبادئ الأساسية التالية في حياتهم اليومية:
الأخلاق كمبدإ أساسي، والاستقامة، والمسؤولية، واحترام القانون والنظام، واحترام حقوق باقي المواطنين، وحب العمل، وحب الاستثمار والادخار، والسعي للتفوق والإبداع، والدقة.
وفي البلدان الفقيرة لا يتبع هذه المبادئ سوى قلة قليلة في حياتهم اليومية.
إذن لسنا فقراء بسبب نقص في الموارد أو بفعل قسوة الطبيعة عندنا، بل إن سبب فقرنا يرجع إلى عيب في السلوك، وبسبب عجزنا عن التأقلم وتعلم المبادئ الأساسية التي أدت إلى تطور وغنى المجتمعات الراقية”.
انتهت الرسالة هنا، وكأنها تشخص واقعنا بدقة فريدة، هذا الواقع المر الذي آن لنا أن نعمل بكل إخلاص على تجاوزه إذا أردنا الخير والسعادة لشعبنا والرقي والازدهار لبلدنا.
إن التخلف الذي تعرفه موريتانيا منذ نشأتها يعود بالدرجة الأولى لسوء التسيير والنهب الممنهج لثرواتها من قبل أفراد ومجموعات معينة، إلى جانب التغييب المتعمد للمواطنة ولمفهوم الدولة ومصادرة هيبتها بما يخدم ذلك النهب والتغييب الذي تركنا في دوامة التخلف والجهل والأمية إلى اليوم، وبه أصبحنا “بلدا غنيا وشعبا فقيرا” في مفارقة غريبة وغير مألوفة لدى شعوب الأرض وبقية الأمم؟! إذ كيف لشعب قليل العدد كشعبنا تنام أرضه على كل هذه الثروات أن يكون فقيرا وبهذه الدرجة التي تصل حد الفاقة؟!
إنه الفساد ولا شيء غيره، وإذا أردنا بناء موريتانيا على أسس سليمة وموضوعية، فعلينا أن نحكّم القانون في تسيير الشأن العام، وأن نطبق بكل صرامة، ومن دون تردد أو تمييز، مبدأ العقوبة والمكافأة ليتنافس أبناء بلدنا على العطاء لشعبهم ولوطنهم وليس على تحويل عائدات ثرواتنا إلى الحسابات الشخصية في المصارف المحلية والخارجية.
إن بلدنا في حاجة ماسة إلى تكاتف جهود كافة أبنائه في منافسة شريفة ونزيهة على تميز الأداء وخدمة عملية التنمية التي نطمح إلى أن تغدو نموذجا يحتذى به عبر العالم، وما لم نتخلص من بعض المعارك الجانبية التي لا ضرورة لها والتي تعرقل مسيرة النماء أكثر مما تفيد البلد والمواطنين، فإننا لن نذهب بعيدا في مسيرتنا ولن نجسد تطلعاتنا المشروعة في بناء دولة قانون ومؤسسات عصرية يكون رفاه المواطن ورخاؤه وطمأنينته هي غاياتها الأولى.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد