AMI

حبر مهدور

بقلم: محمد يحي ولد العتيق
تحرير الفضاء السمعي البصري وظهور القنوات الجمعوية التلفزيونية والإذاعية المتوقعة بعد فترة أقصاها عشرة أشهر تمثل تحديا كبيرا سيلقي بظلاله الثقيلة على أكثر من جهة داخل الساحة الإعلامية الوطنية، وستترتب عليه بعض المعضلات المعقدة التي ستفرض لا محالة على الجهات المسؤولة عن المجال الإعلامي والقانوني وضع الحلول الملائمة والناجعة لها قبل الدخول إلى مرحلة التنفيذ التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى.
مجرد التفكير في التعاطي مع قرار تحرير الفضاء السمعي البصري، والتأمل في آليات التعامل معه، في ظل واقع مثل واقعنا وساحة مشابهة لساحتنا، يعتبر في نظر الكثيرين مدعاة للارتباك وسبيلا إلى التيه والضياع، والفوضى.. فتجربة التعاطي مع الصحافة المكتوبة والالكترونية خلال السنوات الماضية قد لا تكون مشجعة في هذا المجال، مع الفارق الكبير في الأهمية والخطورة بين النموذجين..
أرجو أن لا يفهم كلامي هذا على أنه من باب التهويل والتخويف الذي يستخدمه البعض خوفا من الحرية أو عزوفا عنها لعدم قناعته بها، – كلا- فالأمر ليس كذلك، إنما أردت فقط أن نأخذ الأمر بجدية ومسؤولية تتناسب طرديا مع حجم ومستوى التحدي الذي يترتب على حدث يوازي في أهميته وخطورته ما نحن بصدد الحديث عنه.
تعدد المواضيع التي تفرض نفسها في هذا المجال وترتيبها حسب الأولويات خدمة لهذا الموضوع تضع المهتم أمام امتحان صعب يترتب عليه الإجابة على العديد من الأسئلة المنهجية التي تفرض نفسها والتي من أهمها هل نحن الآن مستعدون فعلا للتعاطي مع الحرية بمسؤولية تتناسب مع تحرير هذا الفضاء؟ وهل نحن مستعدون فنيا وتقنيا وعلى مستوي الكادر الإعلامي المؤهل للتعامل مع الحدث؟ وهل السوق الوطني قادر على إنتاج المادة الإعلامية الخام الضرورية لإنجاح العمل المزمع؟ وكيف سنتعامل مع السلبيات التي ستترتب على التنافس بين القطاع العام والخاص؟ وهل وضعنا تصورا للتجاذب الذي سيحدث بين سلطة الدولة وسلطة رأس المال الذي من المؤكد أنه سيدخل بقوة السوق فور تحريره؟ وهل سنتحرر من قانون السجن السيئ الصيت أم أنه سيظل السيف الذي تحز به رقاب الحريات إلى ما لا نهاية؟
وما هو شكل الوصاية أو العلاقة مستقبلا مع السلطة العليا للصحافة وما هي علاقة الجميع بوزارة الاتصال؟. وما هي التأثيرات السلبية للتنافس بين العام والخاص على المشاهد والمستمع من جهة، والكادر الاعلامي من جهة أخرى؟ وكيف سيتم التعاطي مع مقدسات الأمة وما هي الضوابط التي ستوضع لحمايتها؟..
أسئلة كثيرة وأفكار متعددة تطرح نفسها ستفرض على المهتمين التفكير الجدي في وضع الحلول المناسبة لها..
إن حجم التحديات التي سيفرضها تحرير هذا الفضاء تتطلب أولا وقبل كل شيء التعامل بمسؤولية عالية وانفتاح وتحرر كبيرين وتصرف بذكاء مع حالة التضاد الوهمي القائمة لدى البعض بين الحرية والمسؤولية، وبين الانفتاح والمحافظة، بين الفوضي والنظام، بين حمى التنافس والضوابط الأخلاقية والمهنية ومتطلبات الواقع الذي سينجم عن مثل هذه الثورة وتأثيراتها على الأخلاق العامة للمجتمع ومقدساته وتهيئ الساحة الإعلامية الوطنية قانونيا، ومهنيا، وأخلاقيا واجتماعيا وسياسيا لاستقبال مثل هذا الحدث الهام الذي يمثل في أبعاده – حسب رأيي – أكبر حدث شهدته البلاد خلال تاريخها الحديث بما له من تأثيرات ستأخذ أبعادها في جميع المجالات ولو بعد حين.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد