بقلم: المختار السالم
elmoctar@gmail.com
لا أعرف الكثير عما تضمنه “دفتر الالتزامات” على شركات الاتصال نحو الدولة الموريتانية، ما أعرفه أن “الشبكة” (الخط) غير متوفرة في مناطق حساسة من البلد.
فمثلا إذا كانت في قرية “إديني”، 56 كلم فقط شرق العاصمة نواكشوط، ستعاني الأمرين من أجل إجراء مكالمة هاتفية لأن “الخط” سيء إلى مفقود.
وهذه القرية القريبة جدا هي التي يعتمد عليها كل سكان العاصمة نواكشوط في مياه الشرب، فكيف تكون بهذه الإستراتيجية ولا تكون الشبكة الهاتفية فيها متوفرة إلا بالقدر الذي يحرق الأعصاب.
كيف يبلغ المواطن هناك عن أي خطر يهدد المصدر الرئيس لشرب سكان العاصمة.. من الأسهل بالتأكيد التبليغ عبر السير على الأقدام بدل محاولة مكالمة هاتفية.. هذه واحدة.
أما الثانية. فلا علاقة لها بالاتصال، ولكنها أيضا خطيرة وتتعلق بـ “الخبز”. وأنتم تعلمون أن رؤية الخبز في الصباح تبعث على الابتسام، وأي صباح بدون خبز كأنه صباح بلا ضوء، فالخبز هو “ضوء المعدة”.
فقد سمعت خلال الأسابيع الماضية شكوى الكثير من المواطنين من ارتفاع نسبة الملح في الخبز في بعض المناطق، ومرة جاءني جاري وهو يحمل بعض الخبز وقال لي “تذوق هذه” وعندما تذوقته قلت له “هذا ليس خبزا هذه كمية معجونة من الملح”، ولو كنت في لحظة شعر الآن لهجوت الخبز..
واليوم قررت عبر منبر “الشعب” لفت نظر اتحادية المخابز والمسؤولين للتحقيق في الأمر والوقوف على حقيقته ووضع ضوابط تراعي صحة المواطنين خاصة في ظل ارتفاع نسبة أمراض القلب وضغط الدم.
القضية الثالثة، تشكل مادة الدجاج مادة غذائية رئيسية في كثير من البلدان، وتشكل منفذا رئيسيا للسكان الأكثر فقرا نحو اللحوم.
ولأن موريتانيا بلد خال من مزارع الدجاج لأسباب لا أعلمها أبدا، فإن الكثير من المواطنين محروم من هذه اللحوم الرخيصة السعر نسبيا والصحية أكثر من اللحوم الحمراء، والسبب يعود إلى موضوع حلية الدجاج المستورد من بلدان غير إسلامية، والنتيجة أن المواطنين انقسموا فمنهم من يرفض أكل الجيفة ومنهم من غض نظره تحت إلحاح حاجته وإمكانياته.
فهل من حل لهذا المعضل عبر عمل ملموس بين السلطات المختصة بالتعاون مع التجار المستوردين وبالتشاور مع رجال الدين، أو عبر تشجيع قيام مشاريع تربية الدواجن حتى يتوفر لنا “لحم طير” مما نشتهي تطمئن إليه أنفسنا، ويمكن أن تتحمله جيوبنا.
القضية الرابعة، في كل مرة أسمع فيها برامج إذاعية أو تلفزية حول أوضاع المواطنين والمشاكل التي يعانون منها يلفت انتباهي إصرار المواطنين على طلب التدخل المباشر من رئيس الجمهورية لحل مشاكلهم حتى البسيط منها.
وتكرر هذا الأمر منذ الانتخابات الرئاسية الماضية وإلى اليوم، في موضوع قطعة أرضية للسكن، أو ورقة مدنية، أو مد خط كهرباء، أو غيرها..
حتى ترسخت لدي قناعة بأن المواطنين لا يثقون في الوزير ولا الحاكم ولا الوالي ولا أي مسؤول باستثناء إذا تدخل الرئيس شخصيا وأعطى الأوامر.
وهذه كارثة حقيقية، فنحن لدينا آلاف المسؤولين الذين يفترض أنهم يسهرون على الاستجابة السريعة لهموم المواطنين، وأعني الممكن منها، فماذا يفعل هؤلاء المسؤولين، ألا يرون الفجوة الكبيرة بينهم وبين هموم مواطنيهم، بينهم وبين الواجب المنوط بهم..
إن “المسؤولية”، كوظيفة ومهمة، أصبحت في موريتانيا تعاني من “ثقب أوزون” يتسع يوما بعد آخر، وهنا يتجلى أحد المخابئ العريقة للفساد.
القضية الخامسة، تحول فصل الخريف سنويا في بلادنا إلى مصدر تعاسة لعشرات أو آلاف المواطنين بعد كل الخسائر التي يخلفها هذا الفصل بشريا وماديا.
الأسباب معروفة، والعلاج لا يمكن أن يقتصر على حلول التدخلات الظرفية لأن هذه تساعد وتخفف ولكنها تبقي الباب أمام تكرار المأساة من جديد كل سنة.
وما لم يتم وضع حلول نهائية لهذا المشكل، مشكل القرى والمدن التي لا تتحمل الأمطار والفيضانات.. يبدو أن فصل الخريف تحول إلى “فصل الدم والماء” فإلى متى الانتظار؟!