تعنى كلمة “شركاء” في مصطلح علم التوحيد كل ما يعبد من دون الله تعالى أو يشرك في عبادته سواء كان حجرا منحوتا أو وثنا منصوبا أو تمثالا من مرمر أو أيقونة من حجر، أو ملكا مقربا أو وليا مرشدا أو هوى متبعا، وكان للشرك قبل ظهور دين التوحيد مُنَظروهُ الذين يؤسسون له ويبرروه بنظريات ومبادئ من نوع: الله أجل من أن يعبد مباشرة دون شريك، وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى… والقرآن العظيم طافح في مكيه ومدنيه بالرد على هؤلاء، فقد نعى عليهم حماقتهم هذه وسفه أحلام أصحابها وشبههم بالأنعام، وصرح بأن من جعلوا لله شريكا لا يملكون لهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورًا.. وصرح بأنهم يقولون يوم القيامة ـ وهو يوم الدين ـ لما برح الخفاء وظهرت المفاجآت: هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك، وهي عبارة لا يوجد أبلغ منها للتعبير عن موقف الذل والحسرة.
ولما ضرب التوحيد بجرانه واندحر الشرك، أعني الشرك الأكبر، بقى هذا الشرك الأصغر جاثما كامنا أخفى من دبيب النمل، ثم ظهر مصطلح جديد جاء به العالم الجديد خصص كلمة “الشركاء” بمفهوم لا علاقة له بالتوحيد بتاتا على ما يبدو. وهذا المصطلح جاء به علم الاقتصاد الجديد وعلم الدبلوماسية بعد من اليأس نابعا من فرث الليبرالية ودم الاشتراكية.
لقد أصبح غالب ما كان يسمى بدول العالم الثالث، قبل سقوط التثليث بأحادية الأقطاب، يتكلم عن الشركاء، ويقول وهو ما زال في دار الدنيا: هؤلاء شركاؤنا.
وطبعا ليس المقصود بالشركاء الذين تتحدث عنهم هذه الدول ذات السيادة شركاء من نوع اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى حاشى لله، بل المقصود بهم أنهم يشاركوننا في تحمل أعباء اقتصادنا، فهم في الحقيقة قوم من بني البشر يأكلون كما ناكل ويشربون كما نشرب وتلحقهم جميع أعراض البشرية إلا أن الله تبارك وتعالى خصهم بثقوب الذهن وكامل السخاء، والرأفة والرحمة بالضعفاء والفقراء، وهم مع ذلك أحرص الناس على صلاح هذا العالم، فسخرهم لنا وسخرنا لهم فأصبحوا شركاءنا. إنهم رجال يدلّونَنا الطريق إلى تقدمنا المادي والمعنوي، لا نبرم أمرا دون الأخذ برأيهم نتيمن به في السراء والضراء، ونستنصر به على الأعداء.
إن كلمة الشريك في المصطلح الحديث مثل كلمة الأكيل والجليس فعيل بمعنى مُفاعل والمفاعلة – كما قال علماء العربية – لا تقع إلا بين اثنين، فلا بد أنهم يأخذون منا كما نأخذ منهم.
نحن نأخذ منهم القروض والعروض والهبات والوصايا والأحباس والتمويلات والتحويلات والعملات الصعبة والسهلة، فماذا يأخذون منا؟ لقائل أن يقول لك إنهم لا يأخذون منا شيئا قلّ أو كثر، فهم في الحقيقة في غنى عن بضاعتنا وأن الحديث عن المفاعلة بيننا وبينهم هو من التعبيرات الدبلوماسية اللبقة التي يقصد بها الستر علي ضعفنا وقلة حيلتنا.
ولكن مثل هذه النظرة الساذجة أصبحت اليوم متجاوزة فلا يكون شيء إلا بشيء، فالشراكات في هذا الميدان أنواع منوعة مختلفة الطعوم والروائح والأشكال فإن من الشركات ما تَسْطَع منه رائحة النفط والغاز الطبيعي، وإن منها لما تَشِعُّ منه صخور اليورانيوم الخصيب، كما أن منها ما يشبه الحديد في صلابته، ومنها ما يشبه السمك في سرعة تغيره، ومنها ما يشبه النحاس في سرعة تغير سوقه…
وما دامت القروض قروضا ستسدد يوما ما فمن غير المناسب حقا الحديث عن مجانية في الشراكة الدولية، ثم إنه قد ثبت بتجربة نصف قرن من الزمن أن شركاء هذه الدول التي خلقها تعالى فقيرة، لا يملكون كشف الضر عنهم ولا تحويلهم من صفة الدولة المتخلفة إلى صفة الدولة النامية (واسم الفاعل هنا لا يدل على التجدد).
لاشك أن من أعارك نقوده لتستعملها برهة من الزمن بشروط راحمة، فقد أحسن إليك وهو من حيث المبدأ غير مسؤول في غالب الأحوال عما قد يطرأ علىي تلك النقود من سوء التسيير والضياع فيما لا ينفع، إلا أنه قد يقيدك بشروطه الكثيرة ويوسوس لك في قراراتك حتى لا تدري ماذا صنعت وماذا ستصنع.
والهامش الوحيد الذي يملكه صاحب الدولة الفقيرة هو اللعب على المنافسة بين الغرب الغربي الأوروبي والغرب الأمريكي، وبينهما وبين الشرق الصيني والهندي والدول البارزة، كالبرازيل ومن على شاكلتها.
فكل هذه الدول تغازل الدول الصغرى ذات الموارد الكبرى ليكون شركاؤها الذين تدعو من أهلها، ولكن الدول الصغرى لا تزال صماء عن تلك المغازلة ولا ترغب إلا في شركائها الذين كانت تدعوهم من قبل، ومن الغريب أن هؤلاء الشركاء بدأوا يرغبون عنها تحت ضغط الأزمة العالمية الخانقة فصدق الجميع بيت الأعشى ميمون بن قيس.
علقتُها عرضا وعلقت رجلا غيري وعلق أخرى ذلك الرجل
فالأمر الآن على هذا ولا ندري ما يخبئه الغدو عسي أن يكون خيرا.
الموضوع السابق
الموضوع الموالي