قرأت الوثيقة التي ستتقدم بها الحكومة الموريتانية إلى الطاولة المستديرة للمانحين في أبروكسيل يومي 22 و23 يونيو الجاري، والتي نشرت على الانترنيت، وهي الوثيقة المكونة من قرابة 130 صفحة مليئة بالأرقام والمعلومات عن أهم قطاعات الاقتصاد في البلاد وآفاق الاستثمار في البلد، والمشاكل التنموية الرئيسية التي يعاني منها.
وأعتقد أن موريتانيا، من خلال الوثيقة، لم تكن أنانية في طلبات التمويل التي ستتقدم بها إلى الشركاء، إذ عرضت الوثيقة التحديات التي أخذت موريتانيا على عاتقها مواجهتها متمثلة في وضع اليد على “المفازات” الشاسعة التي أصبحت وكرا للإرهاب الجهادي والهجرة غير الشرعية وشبكات التهريب.
هذه المنطقة بالذات لا تهدد أمن موريتانيا وحدها بل تهدد بالفعل أمن الفضاء الأورو- متوسطي ومنطقة الساحل العربي الإفريقي ككل. ما يعني أن البلد بات مشاركا في حفظ الأمن الإقليمي والدولي دون مبالغة.
ويعني هذا الأمر، والوثيقة أشارت لذلك، أن هذا المجهود مجهود عسكري في المقام الأول، لكن ليس خافيا أن المجهود العسكري جزء من كل، ولا يمكن ضمان فاعليته واستمراريته دون مواكبة ذلك بتنمية حقيقية تنعكس على المجتمع والدولة الموريتانية التي باتت تتحمل مسؤولية الأمن في هذه “المفازات” الصعبة والخطيرة بالنيابة عن المحيط الإقليمي والدولي.
وهذه الفاتورة الضخمة التي تتحملها موريتانيا، على شركائنا، وعلى الذين يهمهم استقرار الوضع الإقليمي في المنطقة، أن يستوعبوا جيدا حجمها وأن يقدروها حق قدرها.
الجميع، والأرقام شاهدة، يعرف أن الأمن الموريتاني تمكن خلال الفترة الأخيرة من تقليص حدود الهجرة السرية إلى أوروبا من الأراضي والشواطئ الموريتانية إلى أدنى حدودها. وكاد العالم ينسى منظر الزوارق الخشبية التي تصل الشواطئ الأوروبية محملة بآلاف المهاجرين السريين. والمآسي الإنسانية لتلك الزوارق و”إحراجها” الشديد لبلدان الوجهة.
والجميع يفترض أنه يعرف أن الجيش الموريتاني يبذل جهودا جبارة لتأمين حدود البلاد وضبط حركة المسافرين، والتقليل من مخاطر التنظيمات السلفية المسلحة. وأن هناك مجهودا عسكريا كبيرا لا يمكن إنكاره، وتعاونا إقليميا مع دول الجوار في سبيل الحد من الإرهاب المسلح.
وهذه الجهود لا تعني سوى شيء واحد وهو أن موريتانيا تقوم بدورها وعلى الآخرين تحمل مسؤولياتهم، ومكافأة هذا الدور بما يستحق.
إن موريتانيا لا تطلب المستحيلات، بل إن ما تطلبه قليل بالمقارنة مع الدور الذي تقوم به لضبط الأمن في موقعها الجيوسياسي كبوابة بين العالمين العربي والإفريقي، وكبوابة (بحرية) على أوروبا.
وهذه البوابة قد تتحول إلى “برميل بارود” إذا توقف في أي وقت المجهود العسكري والأمني الذي تقوم به موريتانيا.
لا يستهدف الإرهاب موريتانيا لذاتها. والشركاء جغرافيا وسياسيا وتنمويا يعرفون ذلك. كما أن شبكات تهريب المهاجرين وشبكات التهريب بمختلف أنواعه لا تستهدف المجتمع الموريتاني غالبا، فنحن لسنا “جنة أوروبا”، وليس دخل الفرد فينا بمغر لأصحاب “بضائع المليارات”.
إنما يستهدف “الآخرين” وهم يعلمون ذلك. ولو قبلت موريتانيا “غض الطرف” للحظة لما استهدفتها أي أعمال إرهابية أو أعمال مشابهة.
وإذا كانت العلاقات الدولية قائمة على المصالح، قبل الأخلاق، فإن مصالح الفضاء الأورو- متوسطي ومنطقة الساحل أصبح جزء حيوي منها يتم ضمانه انطلاقا من موريتانيا. وهذه حقيقة لا مراء فيها. ويجب أيضا أن نقطف ثمارها، إذ لا يمكن أن نكتوي وحدنا لينعم “الآخر” بالأمن بالاستقرار. لا يمكن أن نكون حراس بوابات أوروبا مجانا في زمن أصبحت فيه “السخرة” من المحرمات.
الموضوع السابق
الموضوع الموالي