لما قامت خطباء نزار عند معاوية فذهبت في الخطب كل مذهب قام صبرة بن شيمان فقال يا أمير المؤمنين: إنا حي فعال ولسنا حي مقال، ونحن نبلغ بفعالنا أكثر من مقال غيرنا.
كثيرا ما تحضرني هذه القصة عندما أشاهد أو أفكر في مشروع شيد في صمت، بعيدا عن ثقافة الغوغاء (حب الصخب والضوضاء)، التي ألفها شعبنا لسنين خلت..، أو حين ما أرى وأسمع ذاك الخطاب الشعبوي العدمي (يرى كل شيء عدما)، السائد لدى بعض رواد شبكات التواصل الاجتماعي، الذي تفنده الأفعال قبل الأقوال، إذ لم يقم على حجة ولا على برهان.
أتذكر القصة عندما أستحضر ما أنجز من مشاريع تنموية وخدمية واجتماعية لا تخطؤها العين المجردة، ولا يمكن لأي مكابر نكرانها.
مشاريع طالت مختلف مناحي الحياة، واختلفت باختلاف المكان والزمان منذ أن وصل فخامة رئيس الجمهورية للسلطة صيف 2019، رغم ما رافق ذلك من إكراهات وتحديات اقتصادية بعضها عالمي لم يكن في الحسبان (جائحة كورونا، الحرب الأوكرانية الروسية)، إلى جانب إكراهات سياسية محلية مع وضع إقليمي مضطرب، فضلا عما خلفه سوء التسيير الإداري والمالي من تراكمات طيلة عقود خلت من عمر دولة ناشئة.
مشاريع سيكون من العسير تتبعها، أحرى حصرها في موضوع كمثل هذا، كما أن الولوج إليها ليس بالأمر اليسير، إذ لا يدري المرء من أين ييمم وجهه، أيممه إلى ما تحقق في البعد الاجتماعي من تأمين صحي شامل للمئات الأسر الفقيرة في مختلف مناطق البلاد..، أم إلى التوزيعات النقدية الشهرية والموسمية التي تقوم بها التآزر..!
أم إلى المدرسة الجمهورية، المشروع الأهم في الوقت الحاضر والمستقبلي للمجتمع، أم إلى ما شهده التعليم العالي من لامركزية في مؤسساته، إذ أنشئت جامعة جديدة بانواذيبو مع عدة مؤسسات تعليم عال نوعية (تتماشى مع متطلبات سوق العمل) في كل من نواكشوط وروصو وكيهيدي والنعمة وكيفة وتجكجة..، أم إلى توفير تأمين صحي شامل لكل طلاب التعليم العالي لأول مرة في تاريخ البلد، كما هو حال القرار بتعميم المنحة على جميع الفقراء من الطلاب المسجلين على لوائح التآزر..!
أم إلى ما قيم به في السنوات الماضية من اكتتاب في الوظيفة العمومية، لم تعرفه على مر تاريخها، إذ بلغ عدد المكتتبين فيها في المأمورية الأولى فقط 20400 موظف..، أم إلى الزيادات المعتبرة في أجور المعلمين والمدرسين في جميع مراحل التعليم، خاصة التعليم العالي..، أم إلى الزيادة النوعية لعمال قطاع الصحة وصلت نسبة 100% سنة 2023..، أم إلى اللفتة الكريمة تجاه المتقاعدين والأسلاك الأمنية..!
أم ييمم وجهه إلى ما تحقق من إنجازات في مجال البنى التحتية والخدمية، غير المسبوقة في تاريخ البلد، كبناء ثلاثة جسور في نواكشوط، وتشييد 3200 كلم من الطرق 2000 منها جديدة، مما مكن من ربط كل المقاطعات بالشبكة الطرقية (ما عدى ثلاث يجري العمل على ربطها)، مع إعادة تأهيل العديد من المحاور الطرقية الرئيسية المتهالكة، كل ذلك كان على حساب خزينة الدولة، فضلا عما يتضمنه برنامج عصرنة نواكشوط من بناء 136 كلم من الطرق، وما يتضمنه برنامج النفاذ للخدمات في الداخل من فك العزلة عن المناطق الوعرة..
أم ييمم وجهه إلى المشاريع الكبيرة التي تحققت في مجال المياه والطاقة، كمشروع توفير مياه الشرب للمناطق الواقعة بين قرية كري ومدينة كيفه(250كلم)، أم إلى توسعة شبكة اظهر بالحوض الشرقي وتزويد العديد من المدن والقرى بالمياه..، أم إلى مشروع كهربة المناطق الزراعية في شمامة، مع كهربة مائيات القرى الريفية..!
أم ييممه إلى ما دشنه رئيس الجمهورية من مشاريع تنموية منذ بضعة أيام، شملت الصحة والتعليم والرقمنة والبنى التحتية والنقل العمومي، وذلك في ظرف زمني قياسي (حوالي أسبوع) أي في الفترة ما بين يومي الثامن والخامس عشر من الشهر الحالي.
استهلها بمركز نواكشوط للبيانات الشخصية (وفق المعايير الدولية)، ستسند إليه مسؤولية حفظ البيانات وتخزينها، وهو الأول من نوعه في تاريخ البلد، بعد أن ظلت تنقل إلى الخارج للحفظ، وهو ما يمس من سيادة الدولة على بياناتها وبيانات مواطنيها في عصر يحتدم فيه الصراع على المعلومة وأمنها..
ولا تقل المشاريع الأخرى التي دشنت في نفس اليوم شأنا عن المركز، سواء من حيث الجدوائية أو من حيث المضمون أو الشكل، فقد صمم المقر الجديد لكل من المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، والمعهد العالي للرقمنة، وفقا للمعايير الدولية المطبقة في مثل هذا النوع من المؤسسات، كما هو حال المركز الوطني لنقل الدم، والذي وضع حجره الأساس في نفس التاريخ، والمصمم لكل الأنشطة المرتبطة بنقل الدم.
وكان مسك ختام هذه التدشينات مساء الخميس الماضي تدشين جسر الصداقة ومشروع حركة المرور بالعاصمة، بغية حل معضلة النقل الحضري لمدينة تشهد نموا ديمغرافيا يتسع باطراد، وهي معضلة طالما أرقت سكان المدينة بأعلى من في الهرم إلى أسفل من فيه..، مشروع يقوم على مقاربة تجمع بين توفير نقل جماعي وتقديم وجه حضاري للمدينة، عبر إنشاء خطوط رئيسية بطول 51 كلم خاصة بالحافلات..
إن المتتبع للمشاريع والإنجازات التي تحققت في السنوات الماضية يصدق عليه قول الشاعر:
تكاثرت الظباء على خداش *** فما يدري خداش ما يصيد
لقد كان العديد من هذه المشاريع المنجزة، خاصة الأخيرة منها أقرب ما يكون إلى حلم سعيد خرج صاحبه من النوم إلى اليقظة من الخيال إلى العين.
بقلم / محمد الأمين سعيد