شكل إعلان السياسة العامة للحكومة، الذي قدمه معالي الوزير الأول السيد المختار ولد أجاي يوم الأربعاء الماضي أمام الجمعية الوطنية، بارقة أمل جديدة للمواطنين، خاصة ممن يحدوهم أمل التغيير نحو بلد ينعم فيه المواطن البسيط بحقوقه كاملة.
لقد تضمن برنامج الحكومة “ما ينفع الناس ويمكث في الأرض”، وما حمله من وعود يمثل لبّ الهدف الأسمى لصاحب الفخامة وهو الاهتمام بالمواطن أولا، وتسخير كل الإمكانات وتطويعها خدمة له.
لقد كان الشروع في خفض أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية الأساسية دليلا قاطعا على الإرادة الجادة للحكومة، لتكتمل الرؤية بتقديم سياستها العامة أمام البرلمان، والتي تضمنت كل المشاكل الحقيقية الجوهرية المطروحة للمواطن، خاصة ما يتعلق بمواصلة خفض الأسعار، وتعزيز اللحمة الوطنية، والاهتمام باللغات الوطنية وتدريسها، والاستعداد لحل مشكل الإرث الإنساني، كلها نقاط من بين أخرى ركز عليها معالي الوزير الأول خلال تقديمه لبرنامج عمل الحكومة، وكذا خلال ردوده على السادة النواب.
ورغم أن كل النقاط مثلت مجتمعة وعدا وعهدا جديدا طالما تاق المواطن لبلورته وتحقيقه واقعا معاشا، فقد أزاح التركيز على تلك النقاط وغيرها الستار عن إرادة قوية من حكومة أبانت عن نيتها للعمل الجاد وخدمة المواطن، تمشيا مع التوجيهات السامية لفخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، وفاء بالعهد لشعب عبر له عن تمسكه به من خلال مأموريتين أولاهما ولت بما تحقق فيها من إنجازات شاهدة وملموسة للوطن والمواطن، وأخرى أقبلت لاستمرار المشاريع ومواصلة البناء، استكمالا لبرنامج ورؤية طموحة للوطن بكل أبعاده.
ومن بين النقاط ذات البعد الوطني القح، تدريس اللغات الوطنية، التي لاقت قبولا واستحسانا من لدن الجميع، ذلك أن تعدد اللغات لأي بلد في العالم، يعتبر عامل قوة ومؤشر تنوع وثراء، فجاء التركيز على واقع اللغات الوطنية بمثابة الأمل الجديد لبناء مجتمع صلب ومتماسك، يتخذ من تنوع ثقافاته ولغاته واختلاف أعراقه، مصدر قوة لبناء وطن أشد ترابطا وانسجاما وتكاملا.
وبما أن المواطنين باتوا متعطشين أكثر من أي وقت مضى، لتغيير الواقع المعيشي والاقتصادي للبلد، يحدوهم أمل جديد ببدء العمل في تنفيذ السياسة العامة للحكومة الجديدة، التي أعلن عنها معالي الوزير الأول السيد المختار ولد أجاي، بتأكيده أن الوقت حان بعد مصادقة البرلمان، لتنفيذ كافة الالتزامات التي قدمت أمام الجمعية الوطنية للوفاء بها على أحسن صورة.
وقد شدد معالي الوزير على أهمية مشاركة نخب البلد السياسية والثقافية والاجتماعية والشبابية، لرفع التحديات التي تقف أمام تنمية البلد، مؤكدا أن المستقبل واعد، وأن البلد يسع جميع أبنائه، مجددا التزام الحكومة وانفتاحها واستعدادها على التعاون مع الموالاة والمعارضة في كل ما يخدم مصلحة البلد حاضرا ومستقبلا، إدراكا منه أن “بناء الدول والأوطان، على قدر الطموحات المتجددة لشعوبها، لا يكون إلا بناء تراكميا لا ينتهي، يشارك فيه الجميع كل من موقعه، بوضع ما أتاحته إكراهات ظرفه من لبنات، كما أشار لذلك فخامة رئيس الجمهورية في خطاب ترشحه لمأموريته الأولى”.
وقال معالي الوزير الأول: بما أن البلد أمانة في أعناقنا، والشعب يستحق كل خير وكل جهد وكل تضحية فسيكون الطابع العام لعمل الحكومة متسما بالتضحية والجدية وبالفعالية في الإنجاز، والعقلانية في الخيارات، والشفافية والنزاهة في تعبئة واستخدام الموارد العامة للدولة، والحرص الفائق على القرب من المواطنين ومساواتهم أمام العدالة، وفي ولوجهم لفرص العمل في المرفق العمومي إجمالا، وفي الكرامة والحقوق والواجبات.
وأكد أنه بالتنفيذ المحكم لبرنامج صاحب الفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني “طموحي للوطن”، يمكن أن نجسد الأمل في الوطن الذي نريده جميعا، وطن المحبة والإخاء والتآزر والعدل والمساواة والتنمية المستديمة الشاملة، وأن نحقق تطلعات الشعب الموريتاني المتمثلة في بناء “دولة قانون ومؤسسات قوية وذات حكامة عصرية رشيدة، واقتصاد قوي الأداء صامد ومستدام بيئيا، ورأس مال بشري ذو تكوين وتأهيل جيدين خاصة فئة الشباب، ووحدة وطنية قوية واندماج اجتماعي متكامل، فضلا عن أمن واستقرار راسخين ودور دولي وإقليمي فعال.
وأوضح معالي الوزير الأول أنه في انتظار ترجمة مختلف محاور هذه السياسة العامة في استراتيجيات قطاعية بأهداف محددة وخطط عمل مفصلة مقرونة بمؤشرات متابعة دقيقة وقابلة للقياس مع بداية السنة المقبلة 2025، ستتركز أولويات العمل الحكومي خلال الأشهر المتبقية من العام 2024 في خمس ورشات أساسية، تتمثل في تسريع إنجاز 13 مشروعا كبيرا يجري تنفيذها حاليا، بهدف استلامها قبل نهاية العام الجاري وبدء استخدامها من طرف المواطن، ورفع كل التحديات التي تعيق أو تبطئ إطلاق 9 مشاريع كبرى اكتملت تعبئة الموارد الضرورية لتنفيذها، من بينها المرحلة الأولى من مشروع الصرف الصحي لمدينة نواكشوط، إضافة لتصور وإطلاق 10 برامج عاجلة لتحسين ظروف المواطنين، قاسمها المشترك هو السعي إلى تحسين ظروف عيش وسكن المواطنين خصوصا الفئات الأقل دخلا، ويأتي في صدارتها البرنامج الاستعجالي لتثبيت وخفض ودعم أسعار بعض المواد الأساسية كالقمح، والأرز، والسكر، والزيت واللحوم، والأسمنت.
وتشمل هذه البرامج أيضا، التأمين الصحي لجميع طلاب التعليم العالي، والتكوين والتشغيل الذاتي الذي ستستفيد منه 500 شاب منها 200 شاب سيتم دمجهم في القطاع الزراعي، وتحسين جودة وتغطية الاتصالات، وفك العزلة عن بعض المناطق والقرى، وإعادة تأهيل الشركة الوطنية للكهرباء، وبرنامج تجريبي سيطلق في بلديات نواكشوط التسع لحل أكثر المشاكل إلحاحا وضغطا على سكان مختلف أحياء العاصمة.
وينضاف لكل ذلك خطوة جديدة تنم عن الصرامة والجدية وهي إشراك المواطنين في متابعة ومراقبة العمل الحكومي من خلال ثلاث آليات سيتم إطلاقها في الأسابيع القادمة، تتمثل في منصة رقمية ستوضع تحت تصرف الجمهور لتمكينه من تقديم شكاياته ومظالمه والإبلاغ عن كل اختلال أو خرق للقانون تتم ملاحظته، ومنصات لمجتمع المدرسة، وأخرى لمجتمع الصحة، إضافة لإطلاق بعض الدراسات الضرورية لتنفيذ الإصلاحات الاستراتيجية التي ورد ذكرها في إعلان السياسة العامة للحكومة.
تقرير / محمد يحظيه ولد سيدي محمد