بدأت أول دفعة من اللاجئين الموريتانيين في السينغال عادت الثلاثاء الماضي الى موريتانيا تجربة ممارسة حياتها الاعتيادية والتأقلم مع ظروفها الجديدة،بعد أن اكتمل نقلها وتوزيعها الى مناطقها الأصلية التي نزحت عنها في مدينة روصو وقريتي الكيلومتر السادس على الطريق الرابط بين روصو ونواكشوط و”مدينة سلام”التابعة لمركز “انتيكان الاداري” في ولاية اترارزة.
وباشرت تسعة عشرأسرة تفاصيل حياة جديدة طالما منت بهاالنفس،رغم شقاء الكدح وشظف العيش الذي يفصح عن نفسه في مظاهرصارخة من الفقرالمدقع الناطق في هذه القرى التي تأمل الأسرالجديدة،كما مستقبليها في أن تساهم هذه العودة في لفت الانتباه الى ظروف وأوضاع قرى وبلدات تفتقرالى بعض المقومات والبنى التحتية الضرورية لحياة عادية و”بسيطة جدا”،تختلف عن حياةاللجوء،رغم كونها حاضرةالنهر ومظنة سلة غذاء بلد بأكمله.
ففي قرية “مدينة سلام”-التي وفدت اليها سبع أسربأفرادهاالاثنين والأربعين-نصبت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين خيما بعدد الأسرالتي اختارت الاقامة في قريتها الأصلية التي نزحت عنها ومازالت بعض أطلال أكواخها قائمة “تشهد على حسن الجوار وحفظ العهد الذي يمثل الصفة والسمة للسكان المحليين” على حد تعبيرالمزارع بهذه القرية عمر ولد عثمان تمبو.
وعبرهذا المزارع لبعثة من الوكالة الموريتانية للانباء زارت قرية “مدينة سلام ” عن استعداده لمشاركة من يرغب من العائدين الى قريته المساحة الزراعية التي يستغلها، كعربون مودة وترحيب بجيران، قال انه تقاسم معهم حياة الطفولة و”حلو الحياة ومرها”،مطالباالحكومة بما وصفه الالتفات الى قريته،عبراقامة بنى تحتية تفتقدها حاليا.
وأوضح في هذا الصدد أن القرية تتوفرعلى نقطة صحية تفتقد جميع الوسائل الضرورية لممارسة عملها ولا توجد بها غيرأدوية الملاريا،اضافة الى عدم وجود شبكة مياه نظيفة،حيث “يشرب السكان مباشرة من مياه النهر والمستنقعات الآسنة”،مبرزا ضرورة أن تقوم الحكومة بتوزيع الأراضي الزراعية المستصلحة على سكان القرية بمن فيهم اللاجئون من سكان القرية الأصليين.
ورغم أن العديد من سكان “مدينة سلام” سبق له أن نزح عنها خلال تسعينات القرن الماضي،الا أنه عاد اليها خلال الفترة ما بين 1994 و1997،كما يؤكد ذلك المتحدث باسم سكانهاالسيد يعقوب جوب،الذي ذكرأن هذه الفترة شهدت عودة 230 شخصا كانوا نزحوا عنها،مشيراالى ضرورة أن تشمل تسوية أوضاع اللاجئين جميع من نزحوا عنها خلال أحداث 1989،خاصة الذين عادوا بشكل “اختياري دون أن يحصلوا على أي مساعدة”.
وطالب السيد يعقوب جوب في هذا الصدد بضرورة اعادة المساحات الزراعية الجماعية التي كان يزرعها سكان القرية،والتي قال انها حاليا تقتصرعلى مساحتين زراعيتين لا تفيان بحاجة سكان القرية.كما طالب بادماج اللاجئين “ممن عادوا اختياريا ضمن العملية الحالية”.
وعبرت السيدة سادوأمبي التي عادت الى قرية “مدينة سلام” ضمن الدفعة الأولى من اللاجئين الموريتانيين في السينغال عن شعورها “بالفرحة الغامرة لعودتها الى أرضها وبالامتنان والعرفان بالجميل للسلطات الموريتانية التي أتاحت لهاالفرصة لهذه العودة”.
وأضافت السيدة سادوأمبي الأم لأربعة أطفال من بينهم طفل لما يبلغ الشهر من عمره أن ظروف السكن والاقامة التي تم توفيرها للعائدين الى قرية “مدينة سلام”،بحاجة الى الزيادة والتحسين،رغم تثمينها لماقالت انه الجهود المشهودة التي تقوم بهاالسلطات الموريتانية.
وفي قرية الكيلومتر السادس على الطريق الرابط بين روصو ومدينة نواكشوط تنتصب الخيام التي أقامتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بين أكواخ وأطلال بيوت من الطين مهجورة،يحوم حولها بعض أطفال القرية ويلح من عاد منهم لتوه من الضفة الأخرى لنهر السينغال في سؤال ذويه عن بيته القديم بين هذه البيوت،بالرغم من أن أغلبهم ولد في مخيمات اللجوء في العدوة الأخرى لنهرالسينغال،بعيدا عن هذه القرية التي نزح جميع سكانها الى السينغال وعاد أغلبهم أواسط التسعينات من القرن الماضي،بحسب ماأخبربه العجوزآمدو لمين بعثة الوكالة الموريتانية للأنباء التي زارت هذه القرية.
وبمظهرها الوديع والهادئ الذي يصدح بالفقر والحرمان المترائي في تفاصيل حياة سكان قرية الكيلومترالسادس -الى حد أن الخيام التي أقيمت لسبع أسرتضم اثنين وثلاثين فردا من اللاجئين عادوا اليها الثلاثاء -تغبطها عليها بقية أسرالقرية التي تقاوم قساوة الطبيعة وشح الموارد وعدم وجود خدمات صحية بحدها الأدنى،بحسب وصف السيد همد صوأحدالسكان المحليين في هذه القرية.
وبعد الاسترسال في الحديث عن سرد حيثيات نزوحه واقامته في الجارة السينغال وتثمين الخطوات التي اتخذتها السلطات الموريتانية في تنظيم عودة اللاجئين الموريتانينن، يلفت السيد موسى صو أحد الذين عادوا الى هذه القرية ضمن الدفعة الأولى من اللاجئين الموريتانيين الانتباه الى ما وصفه الغياب التام للبنى التحتية الضرورية في قريته القديمة الجديدة،مشيرا في هذا الخصوص الى عدم ملائمة الخيام التي مدتهم بها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مع الظروف الجغرافية والمناخية لقريتهم،بفعل “الرياح الشديدة التي تقتلعها بين الفترة والأخرى،علاوة على عدم وجود مرافق عمومية.
وأوضح السيد سي موسى أن الأسرالتي عادت الى قرية الكيلومتر السادس في أول دفعة من اللاجئين الموريتانيين في السينغال،تلتمس من الحكومة الموريتانية توفير بنى تحتية باستطاعتها خلق فرص مدرة للدخل تعوض العائدين عن ما تركوه في مخيمات لجوئهم في السينغال،مطالبا بهذا الخصوص بتقديم قروض صغيرة وخلق فرص عمل مدرة للدخل،تتناسب مع خبرات اللاجئين التي كانوا يمارسوها في السينغال،وهو ما تشاطره فيه السيدة هلي تيام ربة الأسرة والأم لتسعة أولاد،ذكرت أنهم ولدوا جميعهم في المهجر والتي قالت انها بحاجة الى “تمويل لبدء ممارسة مهنتها التي ألفت والمتمثلة في بيع الخضروات أكثر من حاجتهاالى مساعدات مؤقتة”.
وتعتقد هذه العائدة ضمن ثلاث أسرتضم واحدا وعشرين شخصاالى حي “دمل جك” في مدينة روصو أن قدومها ضمن الدفعة الأولى من اللاجئين الموريتانيين،تريد من ورائه اختبار ما وصفته ملائمة الاقامة في موطنها الأصلي الذي نزحت عنه قبل تسعة عشر سنة،مشيرة الى أن زوجها بقي في مخيم داغانا1 في السينغال في انتظارأن أن تتكشف الظروف على حد تعبيرها.
ويأمل السكان المحليون في هذه القرى التي شهدت أولى عمليات النزوح خلال أحداث 1998،كما هي اليوم تستقبل أول دفعات العائدين أن تمثل عودة جيرانهم بداية لتنمية حقيقية تنتشلهم من أوضاع صعبة يقول بعضهم انها لاتختلف عن الظروف التي خلفها الوافدون وراءهم في مخيمات اللجوء في الجارة السينغال.
الموضوع السابق