تواصلت اليوم الثلاثاء (7 نوفمبر 2023) أعمال المؤتمر الدولي للمرأة حول الإسلام، الذي تنظمه الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وسط مشاركة دولية واسعة، في صدارتها موريتانيا.
وفي مستهل الجلسة العامة المخصصة لبيانات الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، أكدت رئيس هيئة حقوق الإنسان في السعودية الدكتورة هلا بنت مزيد التويجري أن المرأة المسلمة تواجه اليوم العديد من التحديات في سبيل ممارسة حقوقها التي كفلها الإسلام لها، ومنها حرمانها من بعض حقوقها في بعض المجتمعات، وما تواجهه بسبب التغاضي عن معالجة ظاهرة الإسلاموفوبيا، ونشر خطاب الكراهية مما يضيف تحدياً أكبر على المرأة المسلمة في تمسكها بعقيدتها الدينية.
وأشارت إلى ما تعيشه اليوم المرأة الفلسطينية الصابرة المناضلة، وخاصة في قطاع غزة، من ظروف مأساوية وغير إنسانية ناجمة عما تشنّه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين من حرب وعدوان جل ضحاياهما الأبرياء العزّل من النساء والأطفال وكبار السن.
بعد ذلك، تتالت بيانات الدول الأعضاء في المنظمة التي أكدت على مكانة المرأة في الإسلام، وعبرت عن التضامن مع المرأة الفلسطينية والشعب الفلسطيني عموما في ظل ما يتعرض له من احتلال وعدوان إسرائيلي غاشم.
عقب ذلك، بدأت جلسة العمل الأولى بعنوان “مكانة المرأة وحقوقها في الإسلام”، حيث أكدت وزيرة الخارجية في جمهورية إندونيسيا ريتنو مارسودي أن تعاليم الإسلام وقيمه واضحة وجلية في تمكين المرأة ومنحها كافة حقوقها.
وأشارت إلى أنه على الرغم من نيل المرأة الكثير من حقوقها التي نص عليها الإسلام، بحيث باتت عنصراً مهماً في عملية البناء والتنمية في مجتمعها، إلا أنه ومع هذا الوضع الإيجابي لا نزال نجد أنفسنا في القرن الحادي والعشرين في حاجة ماسة إلى مناقشة قضايا حقوق المرأة في الإسلام.
وأوضحت أن هذه الحاجة إنما هي بسبب التباين الشديد الذي ميّز تطوير سياسات تمكين المرأة في مختلف الدول والمجتمعات المسلمة، فبينما نالت حقوقها ومنذ عقود مبكرة جداً في مجتمعات، تأخرت هذه الحقوق في مجتمعات أخرى.
من جانبه، استعرض عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية الدكتور سامي بن محمد الصقير الأسس القرآنية والحديثية لمكانة المرأة في الإسلام وملامح التشريع الإسلامي والأسس التي قامت عليها كافة التشريعات الإسلامية في قضايا المرأة، مؤكدا أن الإسلام كرَّم المرأة وأعلى من شأنها، وهو تكريم ينبئ بمكانة هذا الدين وأسبقيته في تكريم الإنسان وخصوصا المرأة بين الأمم.
وشدد على أن الإسلام نظر إلى الرجل والمرأة بعدم التفرقة في كل الشؤون العامة ما لم يأتِ فيه تخصيص للاختلاف البيولوجي، فلا خلاف في العقيدة الإسلامية، ولا خلاف في مسائل العبادات إلا في مسائل يسيرة نظر فيها الشارع الحكيم إلى المرأة فيها نظرة رحمة ورأفة فخفف عنها، أما في المعاملات لا يوجد إلا النادر اليسير، ومرده إلى اختلاف الطبيعة أيضا.
وأضاف أمَّا الميراث فإن للمرأة حالات ترث فيها مثل الرجل وضعف حقه، وحالات أخرى ترث فيها نصف حقه، وكل ذلك لحِكم عظيمة ولطائف دقيقة، لا يعلمها إلا من سعى في فهم الكتاب والسنة فهما صحيحا.
بدوره، تناول الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الدكتور قطب مصطفى سانو في مداخلته مكانة المرأة وحقوقها في الإسلام بين النصوص والتطبيق، مشدداً على أن المرأة في الإسلام تحظى بمكانة سامية ومنزلة عالية.
وأشار إلى أن نصوص الكتاب والسنة تكفَّلت ببيان واجبات المرأة الشرعيَّة والحضاريَّة المماثلة للواجبات المفروضة على شقيقها الرجل في مجال العبادات، والمعاملات، والعمران البشري، كما عنيت تلك النصوص بتسليط الضوء على حقوقها الموازية للحقوق الممنوحة لشقيقها الرجل في مجال الفكر، والتعليم، والتربية، والثقافة، والاجتماع، والاقتصاد، والسياسة.
وتناولت المديرة السابقة للجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا الدكتورة زليخة قمرالدين، في مداخلتها، الأهلية القانونية للمرأة في الإسلام وحقوقها في التصرف والتعاقد والميراث والتملك.
ودعت قمر الدين إلى اتخاذ مبادرات مهمة تشمل إعادة صياغة السياسات وتقييم العملية الحالية ووضع التدابير لدعم المساعي نحو حصول المرأة المسلمة على حقوق الملكية مع التركيز على الإصلاحات القانونية لتسهيل ذلك الأمر.
من جانبها، استعرضت مستشارة شيخ الأزهر الدكتورة نهلة الصعيدي دور الفتوى في تأكيد مكانة المرأة وحقوقها في الإسلام، مشددة على أن الفتاوى الشرعية اضطلعت بدور مهم في تمكين المرأة المسلمة المعاصرة من الحصول على حقوقها في العلم والتعليم والتملُّك ما جعلها تستعيد دورها المحوري الذي لعبته في قرون الإسلام الأولى.
وخلال الجلسة الثانية التي عقدت بعنوان “المرأة المسلمة بين التعاليم الإسلامية والعادات والتقاليد الاجتماعية”، تطرَّقت الوزيرة السابقة للمالية والتخطيط في جمهورية أوغندا سييدا بامبا إلى قضية تعليم المرأة بين التشريع الإسلامي والعادات والتقاليد الاجتماعية.
وأشارت إلى أنه من خلال المقارنة بين المبادئ الإسلامية المتعلقة بتعليم المرأة والتقاليد والعادات الاجتماعية السائدة، يتبين جوهر التعاليم الإسلامية التي تدعم تمكين المرأة واكتسابها حقوقها ومعرفتها، على النقيض من بعض التقاليد الراسخة، المتأثرة بالآليات الاجتماعية والثقافية التي تقيم أحيانًا حواجز تعيق الجهود المبذولة نحو تطوير تعليم المرأة.
وشدَّد الأمين العام للرابطة المحمدية في المملكة المغربية الدكتور أحمد عبادي على أن القرآن الكريم اهتمَّ اهتماماً كبيراً بموضوع المرأة، مشيراً إلى أن هذا الاهتمام ظهر في معالجة قضايا المرأة عبر خطاب إيماني وتشريعي ومقاصدي بطريقة مباشرة في عدد من سور القرآن الكريم.
وتطرقت رئيسة مؤسسة رعاية المرأة المسلمة في أستراليا عبلة قدوس إلى قضية “المرأة المسلمة وصراع الهويات”، مسلطة الضوء على الطرق التي يمكن بها للمجتمعات وصنّاع السياسات والمجتمعات دعم وتمكين النساء المسلمات بشكل أفضل في سعيهن وتحقيق هوية متماسكة ومرضية تشمل إيمانهن وثقافتهن وجنسهن، مما يسهم في جعل المجتمعات أكثر شمولاً وعدالة.
من جانبه، أوضح الدكتور عبد الكبير حميدي، من جامعة مولاي إسماعيل في المملكة المغربية أن أكثر ما جاء به الشرع الحنيف في موضوع المرأة، عبارة عن أحكام كلية، وقواعد عامة، تحتاج إلى اجتهاد مصلحي، وإلى تكييف مقاصدي مرن ومتجدد، يواكب تعاقب الأزمنة، وتعدد الأمكنة، واختلاف البيئات الثقافية والاجتماعية.
وشدَّد على ضرورة تبيين المنهج العلمي الذي يجب أن يتوخاه الفقيه والمفتي في التعامل مع القضايا التي تعرض عليه في قضايا المرأة المسلمة، وكيف يجب التوفيق أو فهم الأحكام الشرعية في ظل الأعراف والعادات المناقضة لها في بعض الأحيان.
واستعرضت أستاذة الفقه بجامعة الملك فيصل بتشاد الدكتورة عائشة طه عبد الجليل جملة من العادات والتقاليد الخاطئة في بعض المجتمعات المسلمة والتي تتعارض مع روح الإسلام وسماحته وتخالف مقاصده، مبينة طرق ومناهج توفيق المرأة المسلمة بين نصوص دينها وبين عادات وتقاليد مجتمعها التي قد تتعارض أحياناً أو تتداخل ويصعب وضع الخطوط الفاصلة بينها.
ويستكمل المؤتمر أعماله غدا الأربعاء (8 نوفمبر 2023) بجلسة عمل ثالثة بعنوان “المرأة المسلمة في الإطار الخليجي والعربي والإسلامي”، وجلسة عمل رابعة بعنوان “المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة.. الفرص والتحديات”، وجلسة خامسة بعنوان “آفاق تمكين المرأة المسلمة في التعليم والعمل”.
تجدر الإشارة إلى أن بلادنا تترأس مجلس وزراء منظمة التعاون الإسلامي، ومثلت في هذا المؤتمر بوفد هام.