“قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلت بناسك متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه
حتى وقفت له بباب المسجد
ردي عليه صلاته وصيامه
لا تقتليه بحق دين محمد”
بهذه الأبيات استهل المدير المساعد للمكتب الوطني للسياحة السيد محمد الأمين ولد سيدينا عرضه حول موضوع “السينما والسياحة في موريتانيا” خلال ندوة نظمها المكتب أمس الاثنين بنواكشوط للتأكيد على قدم استخدام الصورة للتأثير على نفسية المتلقي في التراث العربي، إذ كثيرا ما يستشهد بهذه الأبيات على أنها أول قطعة شعرية تمارس الإعلان في الشعر العربي.
استشهاد المحاضر بالصور الشعرية لم يقتصر على الأبيات السابقة وحدها، وإنما طال نماذج أخرى من الشعر الموريتاني بشقيه الفصيح والشعبي للاستدلال على قدم استخدام هذا النوع من التصوير في التراث المحلي، قبل هيمنة الصورة في العصر الراهن على الأساليب الاتصالية وتجاوزها للكلمة، على اعتبار أن الصورة وعاء ناقل لمجموعة من الثقافات والعادات والقيم الاجتماعية، سيما في ظل الطفرة الاتصالية غير المسبوقة في التاريخ البشري.
الندوة حاولت البحث في طبيعة العلاقة بين الفن السابع في موريتانيا والسياحة فيه وكيف تؤثر فيه، وعن مساحة التلاقي بينهما والدور الذي يمكن للسينما أن تضطلع به في دعم السياحة المحلية.
فلم يعد الفن السابع محصورا في البعد الثقافي التقليدي (أداة للترفيه والتسلية) وإنما تجاوزه ليشمل البعد الاقتصادي والدبلوماسي، بعد أن أصبح رافدا مهما في التنمية الاقتصادية وصناعة متكاملة تسعى لتحقيق الأرباح وتحريك عجلة الاقتصاد، خاصة في القطاع السياحي مع بروز مفهوم جديد في هذا المنحى عرف بالسياحة السينمائية.
فلم تعد الكتب والروايات الأدبية وحدها مصدر إلهام للمسافرين، لا سيما بعد ظهور المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية، إذ تغير الأمر بحكم التطور الحاصل في أساليب الإنتاج، فقد أصبح الترويج للسياحة جزء أساسيا من رسالتها، لكونها الوسيلة الأمثل لتسويق الأماكن السياحية في العالم، كما تؤكد ذلك الأبحاث والدراسات العلمية في الموضوع، فقد أثبتت دراسة أجريت 2017 أن 45 مليون شخص في العالم حددوا وجهتهم السياحية من خلال فيلم أو مسلسل.
بيد أن إحداث التأثير المطلوب للسينما الموريتانية في السياحة المحلية ما زال بعيدا عما هو مأمول، رغم إنتاج ما يربو على ألف عمل سينمائي حول موريتانيا (كان نصيب الولايات المعدنية منها 80%)، إلى جانب ما يزخر به البلد من مقدرات سياحية من مدن أثرية وصحاري شاسعة تتميز بجمال الطبيعة ونقائها أو ما يعرف سينمائيا بعذرية الطبيعة.
ويرى مدير الندوة المخرج السينمائي عبد الرحمن ولد أحمد سالم أن الأعمال السينمائية المنجزة حول البلد ساهمت كلها في التعريف بالبلد وبمقدراته السياحية الكبيرة التي يتمتع بها، سواء منها ما أنتج محليا أو خارجيا.
ويلقي باللائمة في أسباب التأخر الحاصل في القطاع السياحي على التقصير الإعلامي، لعدم تسليط الضوء على الأعمال السينمائية الكبيرة المنجزة حول موريتانيا، إلى جانب ضبابية في الرؤية بسبب التداخل في الصلاحيات بين القطاعات المعنية بالموضوع.
المتدخلون في التظاهرة طالبوا باتخاذ إجراءات عملية لتفعيل السينما الموريتانية في مجال السياحة، كتنظيم مسابقة سنوية لتوثيق التراث مع الحفاظ على أرشيف السينمائيين وابتكار طريقة لحفظ الأفلام.
واقع المدن الأثرية في موريتانيا (شنقيط، وادان، تيشيت، ولاته) مثل الهاجس الأكبر للمخرج السينمائي عبد الرحمن سيساكو صاحب فيلم تمبكتو الفائز بالعديد من الجوائز العالمية، إذ لم يخف خشيته من أن تتحول الصور التي تلتقط حاليا من أطلال هذه المدن إلى صور عن خرابها إذا لم نبادر بترميمها.
تقرير: محمد الأمين سعيد