AMI

مساهمة وكالة تونس إفريقيا للأنباء ضمن الملف الثقافي لأتحاد وكالات الأنباء العربية (فانا)

النشرة الثقافية

لوكالة تونس افريقيا للآنباء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد تسجيل مهاراتهن على اللائحة التمثيلية لليونسكو:

حرفيات سجنان يُطالبن بدعم أكبر لمسالك البيع والتوزيع

تونس – في 1 اغسطس / ( وات ) – ( فانا )

عادت تونس بعد أكثر من 20 سنة لتسجيل عنصرا جديدا هو عنصر المعارف والمهارات المرتبطة بفخار نساء سجنان، والذي تمّ إدراجه يوم 29 نوفمبر 2018 في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو.

هذا الإنجاز الذي تحقّق لتونس كان ثمرة مجهودات نساء سجنان اللاتي صنعن أمجادهنّ من صناعة الطين، فشكّلن منه قطعا فخارية فريدة من نوعها ارتقت بتونس إلى العالمية من جديد.

يبلغ عدد حرفيات سجنان اللاتي يشتغلن في مجال الفخار اليدوي حاليا 380 حرفية، بحسب رئيس جمعية المحافظة على البيئة بسجنان منجي البجاوي، الذي أكّد على أن جميع الحرفيات ينتمين إلى عائلات محدودة الدخل، وأن هذه الصناعة اليدوية تمثل مصدر رزقهن الوحيد للإنفاق على أسرهنّ.

الخالة ربح سعيداني امرأة كادحة تبلغ من العمر 60 سنة تمتهن حرفة صناعة الفخار منذ أن كان عمرها 10 سنوات. تظهر عليها علامات الفقر والخصاصة والتعب والإنهاك، لكنها تخيّر العمل كوسيلة لمقاومة مشقة الحياة ومتاعبها رغم تقدمها في السن.

هي امرأة أعياها الوقوف على قارعة طريق يكاد يكون خاليا من المارة، تنتظر توقّف حريف بسيارته لشراء إحدى القطع الفخارية التي قدّتها بأناملها بعد أن أخذ منها التعب مأخذه، لكنها قرّرت، بعد طول انتظار، نقل منتوجها إلى ساحة في منطقة “الجبيسة” الريفية على عربة نقالة، حيث تعرض مثيلاتها من الحرفيات منتوجاتهنّ بحضور وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين وعدد من المسؤولين الجهويين والمحليين، لعلّها تتمكن من ترويج بعض التحف الفخارية للزوار.

بنبرة تتداخل فيها مشاعر الألم والحزن والتشنج، تعبّر الخالة ربح سعيداني عن غضبها واستيائها الشديد لـ “عدم تدخل الدولة” الكافي لدعم هذا النشاط الحرفي، قائلة “نحن نتعب ونشقى من أجل قوتنا وقوت أبنائنا، نحن نبيع هذه القطع بأثمان زهيدة جدا، فسعر القطعة الواحدة لا يتجاوز عشرة دنانير…أين دعم الدولة لنا؟”.

وتشدّد العديد من نسوة سجنان، على حاجتهنّ لدعم الدولة خاصّة من الجانب المادي، فهنّ يؤكدن على حاجتهنّ للدعم من أجل استمرار العمل في هذا المجال والمحافظة على هذا الموروث وتمرير مهاراتهن في صناعة الفخار للأجيال اللاحقة، “فإذا لم نتمكن من بيع منتوجنا تكسد البضاعة وتغلق أبواب الرزق أمامنا”، هكذا تحدثت حرفية كانت مجاورة للخالة ربح.

وتشكو النسوة “سطوة” بعض الجمعيات على منتوجاتهن بأسعار زهيدة، فبعض الجمعيات “تستفيد مما نشقى من أجله في معارض داخل تونس وخارجها، ولا تمكننا من مستحقاتنا، بل لا ينوبنا سوى بعض الدنانير”، تقول إحدى الحرفيات.

تأتي النسوة بالطين من المرتفعات الوعرة المتاخمة للقرى بمعتمدية سجنان، وهذه المادة تتميّز بكونها غنية بمادة الكلس ممّا يجعلها صلبة. وتنفق نساء سجنان الكادحات الكثير من المال لنقل الطين إلى بيوتهنّ حيث خصّصن ركنا من البيوت لصناعة الفخار، كما يُنفقن أيضا لشراء الحطب، ويستخدمنه في “طهي الفخار”.

يتطلّب العمل على تشكيل الأواني والأشكال الفخارية مراحل عديدة ووقتا طويلا قد يصل إلى 6 أيام للقطعة الفخارية الواحدة، وكلّ هذا الوقت يُستغرق في جمع الطين ووضعه في الماء لفترة ثم إخراجه وعجنه، لتقوم المرأة بتمليس الطين وتشكيل القطعة الفنية على شكل إناء للطهي أو قطع ديكور للزينة أو تشكيل بعض عرائس الطين أو تشكيل بعض الحيوانات منها السلحفاة والخمسة والسمكة وغيرها وهي ترمز، وفق المعتقدات البربرية، إلى إبعاد السّحر والأذى.

ويتم تجفيف التشكيلات الفخارية في الظل حتى تتماسك القطعة، وتتجنّب النسوة تجفيفها تحت الشمس حتى لا تكون القطعة الفخارية عرضة للتشقق، ثم يوضع المنتوج في النار، وإثر ذلك تضيف النسوة الحرفيات إلى منتوجاتهن بعض الزينة والرسومات التي تستوحينها من التراث ومن المعتقدات الشعبية.

ولفخار نساء سجنان بولاية بنزرت، خصوصيات عديدة تميّزه عن المنتوجات الخزفية في عديد الجهات التونسية الأخرى، فما يُميّز فخار سجنان هو كونه يدويّ الصنع وريفيّ أي مرتبط بالمرأة الريفية، على عكس الفخار الذي يعتمد على آلة الخراطة وهذا النشاط تشتهر به ولاية نابل ومنطقتا المكنين وجربة، ويمتهنه الذكور عامة.

ويتميّز فخار نساء سجنان أيضا بنوعية الطين المستخدم، فهو غني بالكلس، بالإضافة إلى الزينة، وهي في أغلبها نقوش بربرية ورسومات وأشكال تعبّر عن نمط حياة أهالي سجنان والقرى المجاورة، وهي أشكال فنية ذات بعد إنساني،إذ تعبّر بعفوية عن التوق إلى الحرية، ويتمظهر ذلك بالخصوص عبر الأشكال والألوان.

وهذه النقاط هي التي دعمت بقوة ملف تسجيل عنصر المعارف والمهارات المرتبطة بفخار نساء سجنان في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو، وفق الأستاذ الباحث بالمعهد الوطني للتراث عماد صولة، مبرزا أن لهذه المهارات أبعادا تاريخية وأنثروبولوجية واقتصادية.

ولاحظ أن الرموز الموجودة على المصنوعات الخزفية، توجد أيضا على محامل أخرى كالنسيج والألياف النباتية، وهذه الرسوم ذات شكل هندسي مجرّد يُعبّر عن التوق إلى الحرية، وفيها أيضا نوع من تمثّل الكون في أشكال معيّنة، وهو ردّ فعل عفوي وشكل من أشكال التعبير.

ويؤكد الباحث عماد صولة أن تسجيل عنصر المهارات والمعارف المرتبطة بفخار نساء سجنان في القائمة التمثيلية العالمية للتراث اللامادي لليونسكو، وهو اعتراف دولي رفيع المستوى يُعيد الاعتبار لهذه الذاكرة الحرفية. ويُشدّد صولة أيضا على أن من واجب الدولة والجمعيات الاستثمار في هذا الإنجاز بوضع برامج ثقافية وتنموية وتربوية، مضيفا “المهم بالنسبة إلينا هو المحافظة على الذاكرة وتمرير هذه المهارات والمعارف للأجيال اللاحقة”.

وقد انطلق الإعداد لملف تسجيل عنصر المعارف والمهارات المرتبطة بفخار نساء سجنان في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو سنة 2016، وتواصل سنة 2017. ومرّ هذا الملف بعدّة مراحل، أهمها جرد عنصر المهارات والمعارف المرتبطة بفخار نساء سجنان في القائمة الوطنية للتراث اللامادي.

وعن العراقيل التي اعترضت تسجيل هذا الملف، قال عماد صولة “في البداية لم نحظ بالدعم الكافي، لكن العمل كان مثمرا تدريجيا مع الخزافات”، معتبرا أن من أهم مزايا هذا الملف هو الأثر الذي تركه في عدة جهات لتسجيل عناصر في مجالات أخرى منها “مائدة يوغرطة” بقلعة سنان من ولاية الكاف.

ولم يخف في حديثه وجود عديد الصعوبات في الترويج للمنتوج رغم المجهودات المبذولة للتعريف به، ذكر من بينها نقص المعارض الذي “قد يؤدي إلى فقدان عنصر الإتقان في الألوان والتشكيلات الزخرفية”، وهو ما يستدعي تعزيز دور الهياكل الرسمية والمجتمع المدني في المحافظة على الجودة والإتقان، والحفاظ على هذا الموروث الحرفي والثقافي والإنساني.

ومن شأن التفكير في إحداث مسالك توزيع لهذه المنتوجات الفخارية المتفردة، وإحداث فضاءات عرض قارة بعدد من الجهات، أن يُساعد على دعم حرفيات سجنان، وأن يوفّر لهن مورد رزق قار حتى لا تبقى الخالة ربح ومثيلاتها رهن مرور أصحاب السيارات عبر طرقات سجنان وأريافها ذات يوم ربيعي.

مسرحية “قمرة دم” لمعز مرابط:

حيرة وجودية بين المقاومة والهروب من الواقع

تونس – في 1 اغسطس / ( وات ) – ( فانا )

تتدلّى على الركح شرنقة تتساقط منها مجموعة من العرائس، ثم تخرج من الشرنقة امرأة، فتبدأ خطواتها نحو عالم الحياة. تبدو عملية الولادة عسيرة. مشهد يعلن عن قيام ثورة وولادة وطن جديد بأحداث جديدة.

كان ذلك المشهد الافتتاحي للمسرحية الجديدة “قمرة دم” (Blood Moon)، وهي عمل من إخراج معز مرابط وتأليف بسمة العشي وإنتاج مسرح الحمراء. وأدى الثنائي بسمة العشي ومريم الصياح أدوار هذه المسرحية التي قُدّمت في عرضها الأول مساء أمس بمسرح الحمراء بالعاصمة، بحضور ثلة من من المسرحيين والإعلاميين.

تحكي أحداث مسرحية “قمرة دم” قصة امرأتيْن هما علياء وزينب تبحثان عن سرّ اغتيال ملهمتيْهما في إحدى الساحات العامة، وهي شاعرة اسمها هادية. فتقتفيان آثار بعضيْهما البعض، بين الرغبة والقنوط، البقاء والهروب، محاصرتين بهوس ولادة جديدة.

مسرحية “قمرة دم” يتألف عنوانها من مصطلحيْن متناقضيْن: يفيد المصطلح الأول (القمر) معاني الجمال والحب والنور والحياة وانقشاع الظلمات، أما المصطلح الثاني (الدم) فيرمز إلى الجريمة والعنف والموت. وللعنوان أيضا دلالة علمية تحيل على معنى الخسوف الكلّي للقمر، بحيث يُصبح أحمر بلون الدم.

وفي أحداث المسرحية، عبّر العنوان عن مجموعة من التناقضات للواقع المعيش للإنسان: فمعاني الجمال والحب والفرح في الظاهر، أخفت وراءها أوجاعا وآلاما في الباطن، وما اختيار “قمرة دم” عنوانا لهذا العمل إلا لكونه يمثّل صورة مجهرية تقريبيّة عن الثورة التونسية وعن دماء الشهداء التي سالت في سبيل التحرّر من الديكتاتورية، وكذلك عن شهداء ما بعد 14 جانفي 2011 من القوات الحاملة للسلاح الذين أفدوا الوطن بدمائهم دفاعا عن قيم الحرية والديمقراطية، وإرساء ثقافة التنوع ضدّ ثقافة الموت التي تتبناها التيارات الدينية التكفيرية.

ارتكز العمل على ثنائيات “الألم والأمل” و”النور والظلمة” و”الحياة والموت”، وهذه الثنائيات المتضادّة تجلّت في أساليب عديدة منها النص والسينوغرافيا ولعب الممثلتين على الركح وملابس الشخصيتيْن، وكذلك في الإضاءة والسخرية السوداء وغيرها.

ففي ما يتعلّق بالنص، اشتقت الكاتبة والممثلة بسمة العشي مفردات النص من معجم الطبيعة ومن معجم العنف ومعجم الحب، فعبّرت من خلال هذه المصطلحات عن الخيبات التي عاشتها تونس خلال المرحلة الانتقالية، لكن رغم ذلك وردت المفردات حبلى بمعاني الحب والأمل في زوال الخسوف وانبعاث نور القمر من جديد وانقشاع الظلام.

والملفت لانتباه الجمهور في هذا العمل هو الإيقاع العام للعرض الذي بدا متمرّدا على ماهو كلاسيكي، فمشاعر الألم والغضب والصراع والعنف والحيرة… جسّدتها الممثلتان على الركح بإحساس باطني عميق، فكان الأداء أكثر صدقا وغابت مظاهر القسوة والعنف الخارجي على لعب الممثلتين على الركح.

ومشاعر الحيرة والضياع التي عاشتها الممثلتان بسمة العشي ومريم الصياح، ترجمها أيضا الاختيار الجمالي لهذه الكتابة الركحية المتمثّل في العناصر السينوغرافية المكوّنة للعرض من تقنيات فيديو وإضاءة، وهو ما أضفى على العرض جمالية بصرية من حيث الشكل، وعمقا من حيث المحتوى.

وعوّل المخرج معز مرابط على تقنية الإضاءة لخدمة الثنائية القائمة على الألم والأمل والظلمة والنور والموت والحياة، فكثّف من الإنارة الزرقاء التي سلّطها على مختلف أرجاء الركح، ليُبرز بذلك حالة الجمود والسكون والانغلاق والسجن، لكنه لم ينسَ، في المقابل، تشكيل نافذة بتقنية الإنارة وسط هذه العتمة الزرقاء ليُعطي أملا وتفاؤلا بإمكانية الخلاص والنجاة من كابوس الظلمة والسجن، والحدّ من الأزمات والخيبات التي عرفتها تونس بعد الثورة.

ولم تخلُ مسرحية “قمرة دم” من المواقف الساخرة، وهي سخرية سوداء تحمل في مضمونها مفارقة بين المؤمل والحاصل: فالمؤمل أن تحقّق الثورة جانبا كبيرا من أهدافها على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، لكنّ الحاصل هو مزيد تفشي ظواهر العنف والفوضى، فعمّ الفساد والفقر في المجتمع وانتشرت “الغوغائية” كما ورد في نصّ المسرحية.

وأقحم معز مرابط في اللعب الدرامي للشخصيتيْن مجموعة من العرائس، أحكم توظيفها في التعبير عن دلالتيْن متباينتيْن، في إطار ثنائية التناقضات التي قامت عليها المسرحية. وبدأت الدلالة الأولى في التعبير عن المواليد الجدد أو الرضع، وذلك في إشارة إلى معنى الولادة والحياة، ثمّ وُضعت هذه العرائس في أكفان فعبّرت بذلك عن معنى العدم والموت. ولذلك كان المقصد من توظيفها التعبير عن المسيرة الحياتية للإنسان بأحلامه الضائعة أو الأشياء الجميلة التي تختفي فجأة دون أن تكتمل، ورغم ذلك تستمرّ المواجهة ويستمرّ التشبث بالحياة ويتواصل، من جديد، الحلم بواقع أفضل.

العمل الفني “قمرة دم”، مسرحية تجريبية يمكن وصفها بـ “الانفجار” الركحي الهادئ، كُتبت بأسلوب فني بعيدا عمّا هو كلاسيكي، خصائصها الفنية مميّزة ومحتواها عميق يترك مجالا واسعا للتأويل والتفكير. وقد أثار من خلالها المخرج معز مرابط مجموعة من القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأمنية، بالإضافة إلى القضايا الكونية الكبرى كالحرية والعدالة.

تنتهي المسرحية بالحلم كأحد العناصر للتخلّص من مأساة الواقع، حتى وإن كان الحلم باختيار الإنسان لطريقة موته، كما فعلت إحدى الشخصيتين، لكن الأمل في غدٍ مشرق يظل قائما رغم الخيبات.

مسرحية “بلا قيود” لنادي المسرح بالسجن المدني بمرناق:

الفن يحرّر السجين ويحقّق إنسانيته

تونس – في 1 اغسطس / ( وات ) – ( فانا )

أن تكون مذنبا وتقضي عقوبة سجنية، فذلك لا يُلغي أن تكون مبدعا تحوز على طاقات فنية يمكن تطويعها في عمل ثقافي، سواءً كان مسرحيا أو موسيقيا أو سينمائيا أو غيره.

ضمن فعاليات الدورة الحادية والعشرين لأيام قرطاج المسرحية (7 إلى 15 ديسمبر 2019)، وفي إطار ركن “مسرح الحرية” المخصّص للأعمال المسرحية من إنتاج نوادي المسرح في المؤسسات السجنية، تابع جمهور الفن الرابع، مساء اليوم الثلاثاء بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون بالعاصمة، عرضا بعنوان “بلا قيود”، أخرجته عفاف أنداري، وقدّمه عدد من نزلاء السجن المدني بمرناق من ولاية بن عروس.

وبما أن المسرح هو أب الفنون، وفق المنظور الأرسطي، فإن المخرجة أرادت من مسرحية “بلا قيود” التي دام عرضها 60 دقيقة، أن تكون عملا فنيا جامعا تمتزج فيه فنون الفيديو والشعر والكوريغرافيا، ليكون التعبير المسرحي أكثر حرية وغير محدود.

انطلقت المسرحية بمقطع غنائي أدّاه أحد السجناء على الركح، يبدو الغناء بالنسبة إليه ملاذا لكسر القضبان والهروب من الواقع والفن هو جزء من أحلامه وطموحاته ليعطي حياته معنى ويحقّق إنسانيته. إثر هذا المشهد الافتتاحي، تتالت المشاهد الكوريغرافية لتجسّد مواقف عديدة أثارت قضايا حقوقية وإنسانية، كالميز العنصري والعدالة والحريات الفردية والجماعية. وجسّد الممثلون مختلف الوضعيات في المسرحية بحركات تعبيرية كوريغرافية، فكانت الحركات الراقصة جماعية وبصفة فردية للدلالة على أن القضايا المطروحة تهم الفرد والمجموعة.

وأما اللعب الدرامي على الركح، فقد جمع بين القسوة والتراجيديا وبين السخرية السوداء. وقد وظّفت المخرجة عفاف أنداري المشاهد القاسية لتعكس المشاهد العنيفة التي تفشت في الواقع التونسي بعد ثورة 14 جانفي 2011، وأما السخرية السوداء، فكانت لها وظيفتان رئيسيتان: تمثّلت الوظيفة الأولى في إراحة الجمهور من عناء تتابع الأحداث ومن المشاهد العنيفة، فيما تكمن الوظيفة الثانية في التعبير عن الأوجاع التي سكنت شخصيات المسرحية وحالة التمزّق التي يعيشونها.

ومع انتهاء العرض وتقديم الممثلين التحية للجمهور، بدا التأثر جليا على الحاضرين سواءً من المتفرّجين أو من الإطارات السجنية والأعوان، وقد بلغ هذا التأثر حدّ بكاء نزلاء السجن الذين تمّ تكريمهم من قبل عائلاتهم، وهي حركة رمزية ببادرة من الإدارة العامة للسجون والإصلاح .

لقد برهن أبطال مسرحية “بلا قيود” من خلال هذا العمل الذي تمّ تقديمه بحضور عائلاتهم وكذلك الإطارات السجنية وأحباء الفن الرابع، على أن للسجين طاقات إبداعية يمكن تطويعها في أعمال فنية، وأن الثقافة هي إحدى أشكال إعادة إدماج السجين في المجتمع مرة أخرى، ما يقيه من العود.

وتتواصل عروض نوادي المسرح بالمؤسسات السجنية إلى يوم 14 ديسمبر الحالي بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون، وذلك ضمن ركن “مسرح الحرية” في إطار الدورة 21 لأيام قرطاج المسرحية. ويقدّم المودعون بالسجن المدني بالمهدية غدا الأربعاء 11 ديسمبر مسرحية “ديناميت” لرياض الزواري، يليها في اليوم نفسه عرض مسرحية “بيت برناردا آلبا” للمخرجة أمل البجاوي، بمشاركة نزيلات بسجن النساء بمنوبة.

ويكون الموعد يوم 12 ديسمبر مع عرض “الريح البرة” لمودعي السجن المدني بصفاقس وإخراج علي بوكادي، ثم يقدّم المودعون بالسجن المدني صوّاف من ولاية زغوان مسرحية “كفّارة” للمخرجيْن هدى لموشي وسامي الجويني.

ويتابع روّاد التظاهرة يوم 13 ديسمبر عرضا للمودعين بالسجن المدني بقفصة بعنوان “المحطة الأخيرة” للأسعد حمدة، ثم يليها عرض “الحديقة السرية” لنزلاء السجن المدني بالمرناقية وإخراج علي الماجري.

ويختتم نزلاء مركز إصلاح الأطفال بالمروج سلسلة العروض بمسرحية “الدنيا والزمان” للمخرج سالم الورغي.

وتضمّ دورة هذه السنة 11 عملا مسرحيا يقدّمها حوالي 120 نزيلا في السجون. وتتنافس هذه الأعمال على 3 جوائز ستمنحها كل من الإدارة العامة للسجون والإصلاح وإدارة أيام قرطاج المسرحية والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب “مكتب تونس”.

وتحتكم هذه العروض إلى لجنة متألفة من 5 أعضاء هم صالح حمودة ومنال عبد القوي وفتحي بن عثمان وعلي ساسي ونجود البوزيدي.

الكاتب الإيطالي جوزبِّه كاتوتسيلا في لقاء حواري :

“التمرّد علامة حياة، فما دمنا متمردين نظل أحياء”

تونس – في 1 اغسطس / ( وات ) – ( فانا )

أصدرت منشورات “المتوسط” بميلانو في بداية شهر نوفمبر الحالي الترجمة العربية لرواية “لكنك ستفعل” للكاتب الإيطالى جوزبِّه كاتوتسيلا، وقد ترجمها كل من يوسف وقّاص وخالد سليمان الناصرى. وتم عرض هذا الإصدار الجديد الوارد في 294 صفحة من الحجم المتوسط وتقديمه لأول مرة في العالم العربي ببيت الرواية في تونس بحضور الكاتب والناشر وذلك بمناسبة تنظيم أيام الرواية الإيطالية يومي 21 و22 نوفمبر 2019 بمدينة الثقافة.

وضمن فعاليات هذه الأيام كان لجمهور القرّاء موعد مع الكاتب الإيطالي جوزِبِّه كاتوتسيلا تحدث فيه عن مسيرته الروائية واختياراته الجمالية وأفكاره وفلسفته في انتقاء مواضيع رواياته وأبطالها.

الحوار الذي أداره المترجم والناشر الفلسطيني المقيم بإيطاليا، صاحب منشورات “المتوسط”، خالد سليمان الناصري، كان مناسبة لاكتشاف هذا الكاتب الإيطالي الذي لاقت أعماله نجاحا كبيرا وبيعت رواياته بالملايين وأعادت الثقة للقارئ العربي وفق الناصري الذي كشف عن تأثره الكبير عند قراءته للرواية الأولى لكاتوتسيلا فقرر نشرها بالعربية وهي رواية بعنوان “لا تقولي إنك خائفة”، مقتبسة عن قصة حقيقية للعداءة الصومالية “سامية عمر” تحدث فيها عن مأساة هذه العداءة الأولمبية الحالمة والمشاكل التي اعترضت سبيلها وحطمت عائلتها في “بلد كانت تحلم أن تركض فيه بحرية ” لكنه بلد “يهوى تحطيم الأحلام” وفق تقديم الناشر.

صدرت هذه الرواية عام 2014 عن دار النشر الإيطالية “فلترينيللي” إحدى أكبر دور النشر الإيطالية وأعرقها، وفي غضون شهور قليلة بيع منها أكثر من 100 ألف نسخة في ظاهرة لافتة لم تعهدها حركة مبيعات الكتب في إيطاليا وفق الناصري.

وحازت الرواية جوائز أدبية هامة منها جائزة “كارلو ليفي” الأدبية وجائزة “لو ستريغا” وهي أهم وأعرق جائزة أدبية في إيطاليا، للأدباء الشبان (بمثابة الأوسكار في السينما).

وترجمت الرواية إلى نحو أربعين لغة منها العربية حيث أصدرتها منشورات “المتوسط” سنة 2018 وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي سيرى النور قريبا.

// مرجعيتي شاشا وكاميليري//

عن أسرار هذه النجاحات تحدث كاتوتسيلا بكل تواضع تاركا الحكم للنقاد في تصنيفه على خارطة كتاب الرواية الإيطالية، مشيرا إلى أن مرجعيته في الكتابة تعود إلى روائيي الستينات والخمسينات من القرن الماضي على غرار ليوناردو شاشا وهو روائي يعد من أكثر الكتاب الإيطاليين جرأة في طرح المواضيع.

وفي حديثه عما يميز جيله من الروائيين الشبان أشار إلى اهتمام جلهم بالكتابة عن الحكايات المحلية في إيطاليا وصولا إلى القصص العائلية مرورا بالموضوع الخالد والأزلي وهو قصص الحب وأوضح أن قلة من الكتاب مثله ومثل “روبرتو سافيانو” تتعامل مع العالم الخارجي “أي ما ليس فينا” قائلا “نحن نحاول دائما أن نبحث عن أسباب التأزم وبذلك فأنا أعتقد أنني أنتمي إلى كتّاب الستينات المدنيين مثل ليوناردو شاشا وأندريا كاميليري”.

وفسّر اهتمامه الكبير في كتاباته بقضايا الهجرة والمهاجرين، إلى عوامل ملحة نابعة من الداخل وعوامل أخرى خارجية فالمسألة في تقديره تتعلق بالهوية وبالأدب باعتباره لا يجيب عن الأسئلة بقدر ما يطرحها فقد جعل كتاباته تثير تساؤلا مفاده “من أنا وما علاقتي بالآخر؟”. وتحدث كاتوتسيلا في هذا السياق عن اشتغاله في أعماله على “ثلاثية هوميروسية” تتمثل في ثلاثة أشواط بحسب تعبيره هي السفر والحرب والوصول إلى بر الأمان، ورواية “لكنك ستفعل” تتحدث عن هذا الإرساء والرحيل داخل ذواتنا.

يقول الكاتب في هذا السياق متحدثا عن موطنه : “كنا بلدا منغلقا وبعد أن كنا نحن من نغادر إيطاليا لنعيش صرنا بلدا يستقبل مهاجرين يبحثون عن العيش” ويضيف، “لذلك فمن المهم أن نرحل عن ذواتنا وما فيها من قبح فإذا لم نرحل ستكون العنصرية ورفض الآخر”.

// أنا أروي ما لا يريد أن يرويه أحد //

ويشير هنا إلى أن رواية “ولكنك ستفعل” تروي قصة أهالي قرية صغيرة من الجنوب الإيطالي يخرج احد أبنائهم للعب الكرة في الشارع فإذا به يكتشف عن طريق الصدفة وجود عائلة من المهاجرين غير الشرعيين مختبئين داخل برج أثري، مما يثير سجالًا غير مسبوق بين أهالي البلدة بين رافض لهذه العائلة الغربية ومتوجس من بقائها بينهم في القرية، وبذلك يقول كاتوتسيلا “تتسبب الحادثة في خروج الغول الكامن فينا وهو كره الآخر”

ولا يتردد الكاتب في أن يقول لجمهور القراء في تونس ببيت الرواية، “أنا أروي ما لا يريد أن يرويه أحد” في إشارة إلى أن العمق في جهات إيطاليا أصبح منبع العنف والعنصرية وهذا ما لا يكتب عنه الآخرون تقريبا على حد قوله.

وخلافا لجل الروايات التي تعود فيها القراء على أن تنتهي بانتصار الكره على العنف يبحث جوزِبِّه كاتوتسيلا دائما في كتاباته عن النهايات غير المتوقعة فنهايات رواياته تراجيدية ينتصر فيها من يجب أن يُهزم. ويقر كاتوتسيلا “هي نهايات غير مرغوب فيها ولكن تلك هي الحياة”.

ويوجه الكاتب اللوم إلى أبناء بلده معتبرا أن الإيطاليين أصبحوا “قوْما نياما” موضحا “لقد فقدنا روح التمرد، التمرد على الظلم والاستبداد والحال أن التمرد علامة حياة في نفوسنا، فما دمنا متمردين نظلّ أحياء”.

ويضيف : “هذا الواقع هو الوقود الفعلي لرواياتي فلو كان الخير ينتصر دائما على الشر لما كان هناك مادة للكتابة”.

ويؤكد كاتوتسيلا خرّيج الفلسفة على دور التفكير الفلسفي في مساعدته على التمكّن من الوعي بكيفية السرد والحكي.

// قدرة الأدب على تغيير العالم //

ومثل اللقاء الحواري مناسبة للتأكيد على أن للأدب قوة لا تضاهيها قوة، من ذلك أن رواية “لا تقولي إنك خائفة” ترجمت إلى نحو 40 لغة وبيعت منها 200 ألف نسخة ولا شك أنها أحدثت تغييرا ولو طفيفا لدى بعض القراء، وأشار الكاتب في هذا السياق إلى أن الرواية مثلت حالة مرجعية، فقد تم إطلاق اسم البطلة “سامية” على عدة مراكز اجتماعية في ايطاليا وأطلقت الكثير من العائلات اسم “سامية” على مواليد جدد كما دخل الكتاب في المناهج التعليمية للإعداديات وساهم في تغيير نظرة التلاميذ والطلاب إلى المهاجرين بحسب ما ذكره الكاتب الذي أشار بالمناسبة إلى أن هذه الرواية تم تحويلها إلى فيلم سينمائي لكن قد يتم تغيير نهايته لأن النهايات الحزينة في السينما مرفوضة لدى البعض.

وتحدث الكاتب بمرارة عن كيفية تعامل النقاد الإيطاليين مع ما يكتبه الروائيون الشبان، واصفا إياهم بقوى الجذب إلى الخلف. واستدلّ على ذلك بانتقادهم له على ما اعتبروه “التجرؤ على الكتابة بصوت طفلة” قبل أن يصفقوا له حين بيعت من الكتاب آلاف النسخ في مختلف بلدان العالم، مشددا على قدرة الكتب على تغيير العالم.

جوزبه كاتوتسيلا، كاتب وصحفي إيطالي، من مواليد سنة 1976، تخرج من كلية الفلسفة في جامعة ميلانو وقدّم أطروحته عن مسألة العقل والمنطق في فلسفة نيتشه.

كتب قصيدة النثر والقصة القصيرة والرواية والمقالات الصحفية. ونشر كتاباته في أهم الصحف اليومية الإيطالية.

يهتم كاتوتسيلا في كتاباته بالقضايا الإنسانية والأزمات الكبرى كالهجرة، والقضايا الوطنية كالمافيا، كما يهتم بالمثاقفة بهدف بناء جسور التواصل بين حضارات العالم وثقافاته المعاصرة. عمل مستشاراً للعديد من دور النشر من أهمها “فلترينيللي”، وقد تم اختياره سفيرًا للنوايا الحسنة للأمم المتحدة.

فيلم “قيرة” للفاضل الجزيري…

عندما تُدار السياسة في الغرف المظلمة تحاك الدسائس وتعم الفوضى

تونس – في 1 اغسطس / ( وات ) – ( فانا )

بعد فيلم “ثلاثون” الذي تمّ عرضه في اختتام أيام قرطاج السينمائية دورة 2008 وفيلم “خسوف” الذي عرض ضمن فعاليات الأيام في دورة 2016 خارج المسابقة الرسمية، عاد المخرج السينمائي الفاضل الجزيري ليسجل حضوره مجددا في هذه التظاهرة السينمائية، بفيلمه الروائي الطويل “قيرة” الذي تم تقديم عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة يوم الأحد المنقضي بمسرح الأوبرا بمدينة الثقافة.

يحكي فيلم “قيرة” في 115 دقيقة رحلة داعية اسمه “بوزيد” ادعى محاربة الظلم وتحول إلى طاغية متعطش للدماء. وهذه الشخصية هي انعكاس لقصة أبي يزيد بن خويلد الكدادي المعروف باسم “بوزيد صاحب الحمار”. ولكن الجزيري أخرجها من ثوبها التاريخي ليؤقلمها مع طبيعة الواقع التونسي الراهن.

ويشارك في أحداث هذا الشريط ثلة من الممثلين التونسيين على غرار طاهر عيسى بالعربي وسامي نصري وسارة الحناشي وآمنة الجزيري ومعز بن طالب وعلي الجزيري ومحمد كوكة وأكرم بوقرين وهيثم الحضيري.

صور قاتمة ومشاهد عنيفة

للتعبير عن معنى “القيرة” أو “الحرب” يلاحظ المشاهد اهتماما بالغا من المخرج بالصور والمشاهد في الفيلم، فهي بدت قاتمة سوداوية لتجسد معاني الحرب بمختلف ملامحها الدامية من عنف ورعب وتعذيب مادي ونفسي ومأساة إنسانية.

وقد لعب المخرج في الصورة على متناقضين اثنين هما ثنائية الضوء والظلمة في آن واحد، وقد شكلتهما النوافذ والممرات داخل الكهوف والأماكن المغلقة وفي الممرات، لتبرز الممارسة السياسية البشعة من ناحية، ومن ناحية أخرى لتسلط الضوء على المؤامرات والدسائس التي تحاك في هذه الغرف المظلمة إلى حد ممارسة كل أشكال التعذيب على الآخر من أجل البقاء في السلطة.

كما لعبت الصورة القائمة على ثنائية الضوء والظلمة دلالات أخرى في الفيلم، فالظلمة موظفة بإحكام لتعبر عن الظلم والاستبداد والطغيان والفقر، وأما الضوء فهو فسحة أمل للتخلص من الاستبداد وللتحرر والانعتاق.

وليست قتامة الصورة وحدها معبرة عن معنى “القيرة”، إذ غابت المشاهد العامة عن الفيلم، أو اللقطات البعيدة كما يصطلح تسميتها في لغة التقنية السينمائية، واقتصرت على المشاهد القريبة حتى تكون مقاصدها وفية لمعاني الحرب ورمزيتها من عنف وقتل ودماء ودمار وفوضى.

الأماكن والتاريخ والشخصيات وعلاقتها بالواقع

تدور أحداث “القيرة” في ثلاثة أماكن لها رمزيتها هي “معلم القصبة” بالكاف الذي شيده العثمانيون سنة 1600 ميلادي و”مائدة يوغرطة” ذاك المرتفع الذي احتمى به القائد النوميدي يوغرطة من الرومان، وجامع عقبة بن نافع بالقيروان ورمزية هذه المدينة كمهد للحضارة الإسلامية. وأما الزمان فهو الواقع التونسي الراهن وتجلى ذلك من خلال ملابس الشخصيات والأسلحة المستخدمة والسيارات العصرية ووسائل الاتصال الحديثة والرقمية كالهاتف الجوال والأنترنات.

وأوجد الفاضل الجزيري الخيط الرفيع بين هذه الأماكن برمزيتها التاريخية والشخصيات وقصة “ثورة صاحب الحمار” في تشابه الأحداث والشخصيات مع الواقع الحالي، فأسباب قيام ثورة صاحب الحمار وتداعياتها أوردها المخرج في حركة تقاطع إلى حد ما مع أسباب قيام ثورة 2011، ولذلك ينبّه الفاضل الجزيري من فشل ثورة 2011 كما فشلت ثورة صاحب الحمار. ويحذر من “ديكتاتورية الإسلام السياسي” في إخماد الثورة التونسية.

لقد وظف المخرج اللقطات القريبة في الفيلم ليغوص في أعماق الشخصيات ويبرز بشاعتها في إدارة شؤون الدولة التي تحكمها المصالح الذاتية الضيقة، وتوزع فيها المناصب استنادا إلى القرابة الدموية لا إلى الكفاءة وفيها أيضا استغلال لأجهزة الدولة وتوظيف لقضائها. وهي من عوامل استشراء الفساد والسرقة وغياب العدل وانتشار الظلم وتفاقم الفقر والجوع.

والصراع بين شخصيات “القيرة” نوعان: الأول بين السياسيين والشعب المطالب بالعيش الكريم، والصراع الثاني بين الأطياف السياسية الحاكمة التي تحيك الدسائس لبعضها البعض للانفراد بالسلطة. ففي السلطة لا مكان للقيم الإنسانية ولا مجال للاستقامة والوفاء، فمن أجل الحفاظ على الحكم قد يضحي الحاكم بأقرب الناس إليه وهم أبناؤه.

حضور المرأة في هذا العمل جاء محملا بالدلالات العميقة والرسائل المباشرة، فقد خلصها الجزيري من القيود الذكورية المسلطة عليها، فبدت الشخصيتان الرئيسيتان آمنة الجزيري وسارة حناشي أكثر عنفا حتى من الرجال أنفسهم، تحيكان الدسائس وتتلاعبان من أجل الحصول على منافع ذاتية، فلا مكان للحب وللقيم الإنسانية في السلطة. ولكن النقطة المضيئة في المرأة هي أن المخرج جعل شخصية الحاكم الديكتاتور “بوزيد” يلقى حتفه على يد امرأة، لتنطلق على إثر ذلك حياة سياسية جديدة قد يلقى الحاكم فيها المصير نفسه إذا طغى وعاث فسادا.

وكان الفاضل الجزيري قد أكد خلال تقديم الفيلم في عرضه الثاني، مساء الاثنين بقاعة “أ.ب.س” بالعاصمة، على أن عدم نجاح مسرحية “صاحب الحمار” التي أخرجها بعد الثورة جعله يفكر في تحويل هذا النص المسرحي إلى عمل سينمائي، وإعادة كتابتها وفق مستجدات العصر، مشيرا إلى أن العلاقة بين “ثورة صاحب الحمار” قديما والثورة التونسية الحديثة هي علاقة تشابه في الأسباب وتقارب في النتائج. وحذر من عودة الديكتاتورية تحت غطاء ديني لإخماد أهداف الثورة ودوافعها الحقيقية.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد